أحترف مهنة الصحافة منذ ما يزيد على ثلاثين عاما، عملت خلالها وكتبت فى العديد من الصحف السيارة، داخل مصر وخارجها، فلماذا لا أتوقف الآن؟. بمعنى آخر: ما الذى يمكن أن يدفع صحفيا للاستمرار فى الكتابة والعمل، وقد فقدت السطور تأثيرها، والمهنة ألقها القديم؟ ترى هل تغيرت ذائقة الناس، وتراجعت القراءة فى مجتمعاتنا، للحد الذى لا لم يعد باستطاعة أحد أن يصبر على تصفح جريدة، أو أوراق من كتاب، أم أن الخطأ يرجع إلينا بالأساس، نحن صناع تلك المهنة، والقائمين عليها؟. الحقيقة أن جزءا كبيرا من الأزمة، يرجع بالأساس إلينا، نحن صناع تلك المهنة ومنتسبيها، وربما تكفى قراءة سريعة، للأرقام التى انتهت إليها العديد من الدراسات الإحصائية الحديثة، للدلالة على حجم الكارثة، التى هبطت بتوزيع الصحف المصرية من نحو مليون نسخة يوميا، إلى ما يتراوح بين 300 و400 ألف نسخة يوميا، وهو رقم هزيل للغاية بالطبع، فى بلد يزيد تعداد سكانه على مائة مليون نسمة.! الأرقام السابقة على عهدة نقيب الصحفيين، الأستاذ ضياء رشوان، وهى تكشف إلى حد كبير عمق الأزمة، التى باتت تعانيها المهنة فى السنوات الأخيرة، وكنت قد تحدثت قبل نحو عامين، مع عدد من أعضاء مجلس نقابتنا، مشددا على ضرورة أن تتصدى نقابة الصحفيين لتلك الأزمة، عبر مؤتمر موسع يشارك فيه كل المعنيين بتلك الصناعة، لبحث الأسباب التى أدت إلى هذا العزوف الكبير عن شراء الصحف، والإجراءات المطلوبة لعودة تلك المهنة العريقة إلى حضورها وتأثيرها المطلوب. وقد يقول قائل إنها الصحافة البديلة، التى انتشرت بصورة كبيرة فى السنوات الأخيرة، عبر العديد من وسائل التواصل الاجتماعي، وما توفره لمستخدميها من معرفة ومتعة فى آن، لكنها ليست الحقيقة كاملة، فهذا تقرير حديث صدر قبل شهور عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، يقول بوضوح إن الصحافة الرقمية، لم تؤثر بصورة ضخمة على الصحف الورقية فى مصر، فالأخيرة مازالت توزع يوميا ما يقرب من 1.4 مليون نسخة، حسب إحصاءات عام 2018، وأن عدد النسخ الموزعة للصحف العامة، محلياً وخارجياً، بلغ نحو 547.2 مليون نسخة فى العام نفسه، مقابل 510.2 مليون نسخة فى عام 2017، بزيادة قدرت بنحو 7.2٪. لكن الأرقام على ضخامتها لا تصدق دائما، ففى مقابل تلك الأرقام المليونية، لا يزال نزيف الخسائر مستمرا، بعدما تجاوزت مديونية الصحف القومية حاجز ال 13 مليار جنيه، وهى مديونية ثقيلة، لا تتحملها للحقيقة والإنصاف، إدارات المؤسسات الصحفية الحالية، لأنها تمتد لأكثر من عشرين عاما مضت، لكن ذلك لا يعفى بأى حال، إدارات تلك المؤسسات، من ابتكار حلول غير تقليدية، وأفكار شجاعة خارج الصندوق، للتغلب عليها، ومن قبل ذلك كله، استعادة القراء من جديد.