جاء فوز السياسى الألمانى أرمين لاشيت حاكم أكبر الولايات ألألمانية برئاسة الحزب الديمقراطى المسيحى – حزب المستشارة ميركل - بمثابة رسالة تهدأة واطمئنان لغالبية الألمان ، فقد أعلنها صراحة فى خطاب ترشحه للمنصب امام المؤتمر الافتراضى للحزب أمس " أنا مرشح الاستمرارية " يعني أنه سيستمر فى سياسات الزعيمة التاريخية للحزب أنجيلا ميركل . ويكشف انتخاب لاشيت زعيما للحزب الديمقراطى المسيحى بأغلبية مريحة فى الإعادة – رغم شدة المنافسة – عن انتصار التيار الوسطى المعتدل فى الحزب الذى رعته وحافظت عليه المستشارة ميركل رغم ظهور أجنحة تعارض توجهات وسياسات المستشارة فى الفترة الأخيرة ، ما بين جناح يريد أن يجذب الحزب يسارا وآخر نحو اليمين المحافظ لمغازلة فئات من الشعب الألمانى وجهت بوصلتها نحو أحزاب تقع على أطراف الطيف السياسى مثل حزب البديل من أجل ألمانيا – يمينى شعبوى – وحزب اليسار ذى القاعدة العمالية الواسعة والذى يتبنى سياسات اشتراكية واضحة . وكما توقعت بوابة الأهرام فى تقريرها الأسبوع الماضى فإن حظوظ أرمين لاشيت حاكم ولاية نورد راينفيستفاليان كانت هى ألأكبر للفوز بزعامة الحزب المسيحى الديمقراطى باعتباره الأقرب الى المستشارة ونهجها ومدرستها السياسية خاصة أنه يعنى ضمنيا خلافة المستشارة ميركل فى منصب مستشار ألمانيا فى الانتخابات العامة فى سبتمبر المقبل . ولكن هل يعنى هذا استمرار "الميركلية " فى السياسة والاقتصاد حتى بعد غياب المستشارة ميركل عن الحياة السياسية الخريف المقبل ؟ على مدى ما يقرب من 16 عاما تولت فيها المستشارة ميركل سدة الحكم فى ألمانيا أسست مدرسة سياسية فى ألمانيا بل وفى أوروبا كلها ترتكز على عدة محاور طابعها المميز هو الوسطية والاعتدال والنزاهة والمصداقبة ، تميل فى الاقتصاد الى الرأسمالية الاجتماعية التى تراعى مفاهيم ومبادئ العدالة الاجتماعية مع انتهاج اقتصاد السوق القائم على تشجيع الحرية الاقتصادية والقطاع الخاص والمبادرات الفردية ، ودفعت هذه الساسات الاقتصاد ألألمانى ليكون أقوى وأكبر اقتصاد فى القارة ألأوروبية محققا أيضا أرقاما قياسية فى التشغيل ، ونجح الاقتصاد الألمانى فى مواجهة أكبر أزمة اقتصادية وانهيار مالى واجه العالم بعد الحرب العالمية الثانبة وذلك خلال عامى 2009 و 2008 ،كما خرج بأقل الخسائر من تداعيات أزمة كورونا فى موجتها الأولى ، كما انتهجت ميركل مقاربات منفتحة فى التعامل مع قضايا اللجوء والهجرة رغم حدة الهجوم الذى تعرضت له فى عام 2015 بعد فتح أبواب ألمانيا لأول مرة أبوابها لاستقبال حوالى مليون لاجئ غالبيتهم من سوريا . أما على صعيد السياسات الخارجية فقد قادت ألمانيا بدعم شخصي من ميركل عملية توسيع البيت الأوروبى ليضم اليه دولا كانت تقليديا تحت عباءة الكتلة الشرقية إبان الحرب الباردة وما قبلها ،وربطت " ألمانيا الميركلية" مصيرها بمصير الاتحاد الأوروبى . وتشمل هذه السياسة أيضا أهمية حلف الناتو وحتمية العلاقات المتميزة مع الضفة الأخرى من المحيط الأطلسى أي الولاياتالمتحدة . هذه أهم محاور سياسات ميركل على مدى ما يقرب من 16 عاما .. وهذه المحاور نفسها التى أكد زعيم الحزب المسيحى الديمقراطى الجديد السيد أرمين لاشيت أنها ستكون محاور سياسات الحزب فى المرحلة المقبلة لكنه شدد على أن الاقتصاد الألمانى يحتاج الى ديناميكات جديدة لزيادة قدراته على مواصلة النموخاصة فيما يتعلق بالرقمنة ومراعاة البعد البيئى وتغيرات المناخ ، كما أشار الى ضرورة التركيز على توسيع فرص التعليم المتميز للجميع وفيما يتعلق بالاتحاد الأوروبى فإنه يرى أهمية استمرار التنسيق مع فرنسا للحفاظ على هذا الكيان بكل مكوناته . ولكن هل يعنى هذا أن "الميركيلية" ستحكم ألمانيا رغم اعتزال أنجيلا ميركل الحياة السياسية العام المقبل ؟ انتخاب أرمين لاشيت لزعامة أكثر الأحزاب الساسية شعبية في ألمانيا – والذى حكم أو شارك فى حكم ألمانيا لمدة تزيد على الخمسين عاما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية – يرجح هذه الفرضية خاصة أنه يتمتع بصفات شخصية قريبة من شخصية ميركل كالوسطية والاعتدال كما أنه عرك الحياة السياسية فى أكبر الولايات الألمانية سواء فى برلمانها المحلى أو ممثلا لها فى البرلمان الاتحادى – بوندستاج – ثم حاكما لها ، وقد عمل فى بدايات حياته العملية كمحامى وكصحفى ، كما أنه الأقرب إلى مدرستها فى السياسة والاقتصاد ، كل هذا ربما يؤكد قدراته على قيادة ألمانيا منتهجا السياسات والتوجهات الميركيلية خاصة أنه يحظى بدعم قيادات مؤثرة فى الحزب من أمثال ينس شبان وزير الصحة ألألمانى وكذلك قيادات الحزب التوام فى ولاية بافاريا – المسيحى الاجتماعى – ولكن قد تدفعه المتغيرات المفاجئة على الصعيد الإقليمى والدولي والمحلى لإجراء تعديلات لمواكبة المتغيرات المستجدة "بميركيلية "جديدة .