تواجه ألمانيا تحديات وتغييرات صعبة وتاريخية خلال عام 2021 على جميع الأصعدة، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وتبدأ هذه التغييرات بعد أيام قليلة - منتصف يناير الحالى - حيث يستعد الحزب المسيحى الديمقراطى الذى يقود الائتلاف الحاكم لاختيار رئيس جديد للحزب، بعد أن أصرت زعيمته التاريخية المستشارة أنجيلا ميركل على الانسحاب واعتزال الحياة السياسية. تستعد الأحزاب الألمانية لخوض انتخابات عامة فى سبتمبر المقبل، والتى من شأنها أن تغير الخريطة السياسية لألمانيا فى غياب زعامات سياسية بقامة أنجيلا ميركل، فى ظل تصاعد للأحزاب الشعبوية يمينا ويسارا وصعود جماعات متطرفة تهدد الحياة الديمقراطية برمتها. وعلى الصعيد الاقتصادى، فإن تداعيات موجات جائحة كورونا - والتى ظن البعض أن الاقتصاد الألمانى قد تجاوز موجتها ألأولى بأقل خسائر- تلقى بظلال من الشك وعدم اليقين فى قدرة أكبر اقتصاد فى أوروبا وثالث أكبر اقتصاد فى العالم على تجنب ألتأثيرات الكارثية للجائحة على مختلف قطاعات الاقتصاد الألمانى. واجتماعيا، لايزال المجتمع الألمانى منقسم بشدة فيما يتعلق بقبول المهاجرين واللاجئين رغم النجاح النسبى الذى تحقق من خلال استيعاب موجة اللجوء الكبرى التى بدأت عام 2015، ورغم انكشاف عورة الهرم السكانى المقلوب فى ألمانيا، حيث تجتاج ألمانيا إلى مزيد من الأيدى العاملة الشابة فى معظم القطاعات الإنتاجية والخدمية لسد فجوة مجتمع الشيخوخة، هذا بالإضافة إلى تصاعد مجموعات اليمين الشعبوى المعادية للأجانب فى مختلف ألولايات ألألمانية وانتشارها فى طيف واسع من المجتمع الألمانى. من يخلف ميركل؟ ألمانيا على موعد مع بدء التغييرات والتحديات الصعبة منتصف الشهر الحالى، حيث ينتخب أكبر حزب سياسى فى ألمانيا - المسيحى الديمقراطى - والذى تربع على عرش السلطة التنفيذية حوالى 16 عاما تحت قيادة زعيمته السابقة أنجيلا ميركل، ورغم أن ميركل تنازلت عن قيادة الحزب العام الماضى لوزيرة الدفاع الحالية انجريت كرامب كارنباور، إلا أن الأخيرة فشلت فى سد فراغ سياسية محنكة فى حجم ميركل. وسرعان مع دخل الحزب فى صراعات وانقسامات داخلية، دفعت رئيسة الحزب إلى تخليها عن المنصب وفتح المجال لانتخابات داخلية لاختيار زعيم جديد للحزب المسيحى الديمقراطى، كان مقررا لها إبريل الماضى، إلا أنها تأجلت بسبب جائحة كورونا، وتقرر عقدها افتراضيا فى منتصف يناير الحالى، ونظرة سريعة إلى خلفيات وتوجهات المرشحين المحتملين تكشف حجم التغييرات التى ستصبغ الحياة السياسية الألمانية بصبغتها.. السياسى الألمانى فريدريش ميرتز أكثر المرشحين حظوظا فى زعامة الحزب المسيحى الديمقراطى بدأ العام الجديد بتصريحات نارية ضد سياسة الهجرة واللجوء التى تبنتها المستشارة ميركل حيث دعا الى سياسة أكثر حزما لترحيل مزيد من من اللاجئين والمهاجرين، وقال إن الطريق الى ألمانيا لن يكون مفتوحا، موضحًا أن على أوروبا أن تتحمل مسئولياتها إزاء اللاجئين والمهاجرين، أما المرشح الثانى المحتمل لزعامة أكبر حزب سياسى ألمانى فهو أرمين لاشيت رئيس وزراء أكبر ولاية ألمانية وهى نورد راينفيستفاليان، وهو سياسى معتدل يمثل وسط اليمين وله مقاربات معتدلة وعقلانية فى التعامل مع ملف اللجوء والهجرة وكذلك فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية، ولكن منافسه الأول يستغل هذه السياسات المعتدلة لاضعافه مغازلا تيارات اليمين الشعبوى ، فيما يتنافس معهما مرشح ثالث وهو سياسى ألمانى خبير فى الشئون الخارجية، ولكنه أيضًا من المعارضين لتوجهات وسياسات المستشارة ميركل فى عدد من الملفات الداخلية والخارجي. وفى اللحظات الأخيرة قد يطرح السياسى الشاب وزير الصحة الألمانى الحالى ينس شبان نفسه للتنافس على زعامة الحزب، خاصة أن أزمة كورونا قد رفعت من أسهمه وزادت من شهرته، وهو أيضًا لا يتفق كثيرًا مع تعاطى ميركل مع ملفات مهمة داخلية وخارجية، وطبقا للأعراف السياسية فى ألمانيا فان زعيم الحزب هو مرشحه لمنصب المستشار فى الانتخابات العامة المقبلة. وبالتالى فان مجرد الإعلان عن اسم زعيم الحزب المسيحى الديمقراطى فى ألمانيا منتصف يناير الحالى سيعرف العالم اسم خليفة المستشارة أنجيلا ميركل. انتخابات مصيرية وتستعد الأحزاب ألألمانية لانتخابات عامة من المقرر أن تجرى فى سبتمبر المقبل، وقد تغير هذه الانتخابات من الخريطة السياسية ليس فى ألمانيا وحدها بل فى أوروبا كلها، حتى الآن يمكن القول إنه رغم غياب ميركل عن هذه الانتخابات إلا أن حزبها المسيحى الديمقراطى قد يستمر فى قيادة الحياة السياسية فى ألمانيا على أساس أنه ألأكثر شعبية، وطبقا لآخر استطلاع للرأى فى ألمانيا فان حزب ميركل زادت شعبيته عقب الموجة الأولى لجائحة كورونا، والتى اجتازتها ألمانيا بنجاح كبير وهو أيضا ألأكثر شعبية لكن المشكلة أو التحدى المصيرى هو مع أى من الأحزاب الأخرى سيشكل الاتحاد المسيحى فى ألمانيا الائتلاف الذى سيحكم ألمانيا لأربع سنوات أخرى؟، خاصة أن الشريك الحالى وهو الحزب الديمقراطى الاشتراكى يؤكد قادته أنهم لن يشاركوا للمرة الثالثة فى حكومة الائتلاف الكبير مع الاتحاد المسيحى، بل أن الحزب المسيحى الاجتماعى توأم الحزب المسيحى الديمقراطى فى ولاية بافاريا واللذان يشكلان معا ما يعرف بالاتحاد المسيحى قد تراود زعمائه احلام الترشح لمنصب المستشار، كذلك فان خيارات الائتلاف لتكوين أغلبية فى البوندستاج قد تتغير بشكل كبير خاصة مع صعود حظوظ حزب الخضر الذى تزداد شعبيته ويشارك فعلا فى حكومات بعض الولايات الألمانية. وفى الوقت نفسه، تتراجع شعبية الحزب الاشتراكى الديمقراطى الذى شكل ما يعرف باسم حكومة الائتلاف الكبير مع حزب ميركل لتمانى سنوات متتالية، على أية حال فان ألمانيا والعالم مع موعد لتغير مصيرى فى خريطة ألأحزاب السياسية ألألمانية خاصة مع استمرار ضربات الموجات المتتالية لجائحة كورونا على كل أوجه الحياة فى العالم. إفلاس وتشاؤم على صعيد الاقتصاد فان أكبر اقتصاد فى أوروبا اصبح تحت رحمة الموجات المتتالية لجائحة كورونا فى 2021، فبعد أن بدأت أعراض التعافى تظهر على الاقتصاد ألألمانى خاصة صناعة السيارات والصادرات الصيف الماضى عقب استيعاب تداعيات الموجة الأولى لجائحة كورونا، إلا أن دخول ألمانيا فى إغلاق جزئى واحتمالات استمرار الإغلاق فى بدايات عام 2021، أعاد مرة أخرى التشاؤم والشك فى قدرة الاقتصاد الألمانى على معاودة النمو الإيجابى خلال 2021 كما كان متوقعا، فرغم حزمة المساعدات الحكومية الضخمة للحيلولة دون إفلاس الكثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة، إلا أن أخر تقرير اقتصادى لغرفة التجارة العربية الألمانية ببرلين صدر فى أواخر ديسمبر الماضى رصد كثيرا من تراجع تقييمات مراكز الأبحاث والدراسات الاقتصادية ألألمانية لقدرة مختلف القطاعات الاقتصادية على الصمود أمام ضربات كورونا المتلاحقة، بل أن نظرة من التشاؤم تسيطر على كثير من رؤساء الشركات الصغيرة والمتوسطة، وقد تواجه ألمانيا موجة من إفلاس عدد كبير من الشركات خاصة فى قطاع الخدمات وتجارة التجزئة اذا استمرت اجراءات الاغلاق لمنع انتشار كورونا، أيضًا فان الاقتصاد الألمانى سيواجه تداعيات خروج بريطانيا من السوق الأوروبية المشتركة.