لم يكن قد مر على تولى الرئيس بيل كلينتون مقاليد الحكم فى البيت الأبيض، سوى بضعة أشهر، عندما أطلقت إحدى حاملات الطائرات الأمريكية ذات ليلة، دفعة من الصواريخ من طراز كروز، استهدفت مبنى المخابرات العراقية فى بغداد، ليسقط فى هذا القصف المباغت، عدد غير معلوم من المدنيين والعسكريين العراقيين، قبل أن يكرر الرئيس جورج دبليو بوش الضربة بعد شهور معدودة، من رئاسته الأولى أيضا، إيذانا ببدء الغزو الأمريكى الشامل للعراق، فيما عرف بحرب الخليج الثالثة فى 19 مارس عام 2003، التى انتهت باحتلال بغداد، وسقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين. فهل يفعلها الرئيس جو بايدن هذه المرة مع إيران؟. السؤال صعب، وإجابته أصعب، حتى على خبراء الإستراتيجية، الذين يطلقون على مثل تلك القرارات الصعبة، وما قد تنتهى اليها من أزمات عسكرية، قد تطال آثارها العديد من مناطق العالم، قرارات اللحظة التأسيسية، فهى القرارات التى يمكن من خلالها، قياس مدى قوة القائد المقبل للنظام العالمى الجديد، وهل هو من ذلك النوع القادر على الحسم، فيما يتعلق بالمعارك المصيرية، أم أنه يميل الى حسابات المنطق والعقل، والدبلوماسية الهادئة فى التعاطى مع المشكلات الكبري؟. حتى الآن، لا يستطيع أحد أن يجزم، كيف سيتعامل الرئيس الأمريكى الجديد، مع الملف الإيرانى الشائك، لكن ما يعرفه الجميع، هو أن وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو، خرج منتصف الأسبوع الماضى ليؤكد، أن الوقت قد حان، للتصدى للمحور الذى يربط إيران بتنظيم القاعدة الإرهابي، فى إشارة صريحة إلى طهران، التى لم تتوقف بدورها، خلال الشهور الأخيرة التى استبقت الانتخابات الأمريكية، عن القول بأنها سوف ترد على مقتل قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، فى الوقت والزمان المناسبين، قبل أن يخرج قائد الفيلق الجديد فى الحرس الثورى الإيراني، ليقول قبل أيام إن الرد قد يكون داخل أمريكا نفسها!. الأجواء تبدو متشابهة إلى حد كبير، مع ما جرى فى العراق قبل نحو عشرين عاما، والمؤكد أن أمريكا لن تعدم حيلة، فى الربط بين طهران وقيادة القاعدة، فالعلاقة بين الطرفين قديمة، ومراكز الابحاث تحفل بعشرات من الدراسات، التى ترصد كيف تجاوز الطرفان ما بينهما من اختلافات أيديولوجية جوهرية، ظلت على مدى عقود تمثل أبرز تجليات هذا الصراع الطائفى والسياسى، الذى ولد قبل أكثر من ألف عام، قبل أن تنجح لغة المصالح المشتركة فى دفنه. لكن ما يزيد الطين بله، هى تلك المعلومات التى نشرت أخيرا، وتشير بوضوح الى طبيعة الدور الإيرانى فى أحداث الحادى عشر من سبتمبر، فضلا عما أصبحت تمثله طهران، من تهديد مباشر للمصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط، وجميعها شواهد تقول بوضوح، إن المنطقة التى تقف على برميل من البارود، قد أصبحت جاهزة تماما للاشتعال فى أى لحظة.