د. أحمد عاطف دره تعد أزمة كورونا العالمية فرصة ذهبية لكى نغير بوصلتنا الى طريق أكثر أمانا والى وجهة أكثر حكمة تقودنا الى واحدة من أعظم المنح التى منحها الله للبشر وهى السكينة.. كلنا نعانى بأسباب مختلفة وبأشكال متعددة.. وقد تكون أسبابنا وجيهة ومقبولة. لكن الحياة تستحق أن تعاش مهما كانت معاناتنا. معاناتنا تكون للحظات أو أيام أو شهور، لكن فى وسطها هناك نور وأمل.. كل يوم هناك صباح يشرق ومعه آلاف الأشياء التى تذكرنا بنعمة الوجود فى هذه الدنيا. اتأمل كثيرا الالم الذى يعانى منه البشر فى الدنيا. بكل اشكاله وصنوفه. بكل سمومه وهمومه. بكل تداعياته وتجلياته. بأسره للروح وبقدرته على تحويل حياة أى انسان لجحيم لا يطاق. ويقينى ان التعامل مع الألم هو احد المفاتيح الرئيسية لفهم الحياة وسبر أغوارها. ولكل انسان مشاعره المختلفة التى تقدر والتى تجعله يتألم ويحزن بطريقة مختلفة عن غيره ولأسباب خاصة به وحده. لكن الآلام النفسية وآلام الأمراض العضال الجسدية تقف على رأس الآلام الموحشة التى تفترس الانسان وتتجاوز قدرته على التحمل. لكن هناك الكثير من التجارب المؤثرة والاستثنائية التى مكنت الكثير من البشر قبلنا على تحمل الألم وايجاد طريقة لتحجيمه وابعاد تحطيمه لنا. من أهم الحلول الناجحة التى تمت تجربتها، التواصل مع طاقة الكون الايجابية وتوجيهها نحو تخفيف الألم او مسحه. ما نعرفه طبيا ان للالم مراكز خلقت لتنبهنا بوجود عطب بأحد أجزاء أجسامنا، ولان الله لم يخلقنا لنتعذب فخلق لنا طرقا عديدة لتجاوز الالم. طرقا ظاهرة واخرى مخفية. طرقا تأتى بدون مجهود منا ولا قوة، واخرى تحتاج الى حالة نورانية ووجدانية خاصة نتمناها من الله أو يمنحها لنا هو فى يوم معلوم. تلك الحالة هى نقاء القلب. إلا من أتى الله بقلب سليم. كم من اية ارسلها الله عن طريق ملائكته وانبيائه وحكمه المتعددة لتنبهنا ان صفاء القلوب هو مفتاح الراحة والطمأنينة والاستكانة. ورغم ان الجميع يتمنى ذلك، الا ان القليل هم من يغيرون من انفسهم ويطلبون العون من الله ليكونوا فى الحياة زوارا نبلاء، معطاءين، يفعلون الخير وينبذون الشر ويحاربون الأنا بداخلهم. والانا من أسوأ مظاهر دنيانا، لأنها تعمق الثقة المفرطة التى نتعامل بها مع كل الأمور، ولومنا لكل الناس ولكل الامور ماعدا انفسنا. نحن لن ننجو الا اذا نقينا قلوبنا و غسلناها من كل شيء يعوقها عن الرضا والقبول والحب. لابد ان نتوقف عن القول لماذا حظى سيئ، لماذا اذانى فلان، لماذا ظلمت فى هذا الموقف. لن نصل الى صفو القلوب ونحن نكره الغير، ونكره أقدارنا أو نكره أكثر مما نحب فى العموم. ونسوق الف سبب وسبب لممارستنا الكراهية. وحتى إذا استطعنا مداراة الكراهية عن ظاهر سلوكنا، سيعرف الناس لأن الله سيظهرها لهم بتصرف أو بكلمة او بنظرة او بإيحاء منا. ومن تراكم الكراهية تأتى اذيتنا لبعضنا البعض وللحيوانات وللطبيعة. فنصبح مصدر اذى للكون الذى يمنحنا الحياة، وتتراكم الطاقة السلبية بكل صورة ولنا من كم الكراهية التى يمارسها البشر فى الأرض. وما وسائل التواصل الاجتماعى والفيس بوك الا أكبر مرآة للتشوهات التى لحقت بأرواحنا. تعليقات مليئة بالكراهية ربما تعطى انطباعا أن سوء الخلق أصبح هو الغالب، لكن الحمد لله ان الامور نسبية والفيسبوك يعكس فقط فئة واحدة من البشر. اما المصريون الطبيعيون فتراهم فى الشوارع والحقول والاسواق ومعسكرات الجنود وغيرها. هؤلاء بشر لم تلحقهم بشاعات العصر الالكترونى.. أما نحن الذين اصابتهم لعنة العصر الالكترونى، فتلزمنا خطة روحية جديدة. خطة تجعل الخالق يمنحنا نفحة نقاء عندما يتيقن من صدق نوايانا، ومن رغبتنا ان نصبح طاقة خير، فننضم الى طاقة الحياة وليس الى طاقة الهدم والتشاؤم والبغضاء التى يقودها الشيطان..طاقة الحياة هى التى تتجلى فى كل صورة جميلة. طاقة الحب وطاقة الإبداع وطاقة العمل وطاقة تعليم الاخرين وطاقة الفن وطاقة الشفاء وطاقة الزراعة وطاقة التعاون وغيرها من الطاقات الخيرة التى تجعل للحياة معنى وقوة وتوازنا. التغيير فى بوصلتنا الروحية يبدأ من توقفنا ان نحزن على أى شىء، وان نغضب وان نلوم والا نقبل يومنا وكوننا وزماننا. فكل شيء حولنا جميل والله قد سخر لنا الكون كله والكائنات كلها. ما المانع إذن أن نتقبل العثرات والآلام؟ حتى لو زادت أو طالت، فالله له حكمة من وراءها. ولابد لنا أن ننزع من ذواتنا الزيف مثل نفاق الآخرين الذى نستخدمه لنصل لما نريده، أو محاربة الآخرين عندما نتصور أنهم سيمنعونا من تحقيق أحلامنا. لقد أصبحنا عبيدا لهذه الثنائية ولن نصل إلى النور إلا بخروجنا من ظلام قلوبنا. حرر داخلك لكى تتحرر..