«الصورة أبلغ من ألف كلمة» .. إنها حقيقة، فكم من الصور التى التقطتها الكاميرات القديمة ذات التقنيات المحدودة، وثقت لحظات تاريخية وجسدت مآسى وأدانت جناة إلى حد أنها أوقفت حروبا. فلا أحد ينسى الصورة التى التقطت لطفلة فيتنامية وهى تهرول عارية بعدما أحرقت جسدها النحيل قنابل النابالم، فجسدت فظائع الحرب الأمريكية على فيتنام وكانت سببا فى إنهائها. ليس هذا فقط فحسب بل إنه فى الإطار الأسري، كان من المعتاد توثيق المناسبات السعيدة واللحظات المميزة بصور لتتحول مع مرور الوقت لذكريات يرحل أصحابها وتبقى هى . ومع ما نشهده من تطور تقنى وطفرة تكنولوجية، خاصة فى الهواتف الذكية، أصبح فى يد كل فرد كاميرا ذات تقنيات حديثة، وهذا التطور إن أحسن استخدامه بات إيجابيا وإن ساء كان وبالا. وخلال السنوات القليلة الماضية انتشر هوس «التصوير الذاتي» أو «السيلفى»، ذلك المصطلح الذى ظهر للمرة الأولى فى قاموس أكسفورد عام 2013، ولم يقتصر على فئة دون غيرها بل وصل إلى النجوم والمشاهير والملوك والرؤساء. ومن بين أشهر اللقطات كانت التقاط رئيس السلفادور نجيب أبو كيلة سيلفى لنفسه وهو على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما أصبح الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما «أسير صور السيلفى» كما يصفه البعض، وقد صرح بأنه «يمكنه التنزه أينما شاء شرط أن يلتقط سيلفى كل خطوتين». والسيلفى فى حد ذاته لا يعد مشكلة، ولكنه تحول بالفعل لأزمة بعد تمادى البعض فى رغبتهم فى الحصول على «اللقطة» غطى على الهدف الأساسى من استخدام الكاميرا كوسيلة لتسجيل الذكريات، بل إن انشغالهم بوضعية التقاط الصورة كثيرا ما يحول دون استمتاعهم باللحظة التى يعيشونها، والأدهى أنه كثيرا ما تتصدر المواقع الاخبارية أخبار تحمل عنوان «السيلفى القاتل» تروى قصصا عن أشخاص دفعوا حياتهم ثمنا لالتقاط «السيلفى». ففى عام 2018، كشفت صحيفة «ديلى ميل» البريطانية عن تسجيل 259 حالة وفاة حدثت بسبب السيلفى فى الفترة ما بين عامى 2011 و2017، وكان أغلب أسباب الوفاة حوادث سير وغرق وسقوط من أماكن شاهقة، وهو ما دفع عددا من الخبراء النفسيين إلى المطالبة بحظر السيلفى خاصة فى الأماكن الخطرة. ويصف الخبراء النفسيون ظاهرة «السيلفى» بأنها حالة من النرجسية وحب الذات المبالغ فيه تنمو تدريجيا لتسيطر على أصحابها وقد تصل إلى حد الإدمان، وهو ما يفسر بعض الصور الاستفزازية، كتلك التى تلتقط بجانب جثث الموتي، وكان أخرها قيام 3 أشخاص بتصوير أنفسهم بجانب جثمان لاعب كرة القدم الارجنتينى مارادونا. كما أن هناك بعض الصور التى سلطت الضوء على الجانب اللا إنسانى، كتلك التى تلتقط بجانب الحوادث والحرائق. ففى عام 2018 أثار سيلفى التقطه شاب إيطالى ظهر خلفه سيدة مصابة سقطت على السكة الحديدية، سخطا كبيرا ووجهت له اتهامات بأنه عديم الرأفة وأنه فضل التقاط الصورة بدلا من تقديم العون لها، مما تسبب فى اعتقاله. و فى عام 2016 اثار التقاط رجل وامرأة صورة لهما أمام حريق فندق فى دبى انتقادات جمة.