«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذكرى التأسيس ال 145 .. لبنانيون فى عشق «الأهرام»
نشر في بوابة الأهرام يوم 27 - 12 - 2020

145 عاما بالتمام مرت على تأسيس مقر صحيفة «الأهرام» بموطنها الأول «الإسكندرية» فى 27 ديسمبر 1875. وقتها وكما كتب أخيرا، هنرى زغيب الكاتب والشاعر اللبنانى الكبير حول قرار سليم وبشارة تقلا اللبنانيين تسمية صحيفتهما ب«الأهرام»: «إجلالا لمصر التى تلقفتهما فى ربوعها، هاربين من لبنان ومن طغيان وصرامة السلطة العثمانية على بلادهما».
ويصف زغيب فى مقاله المعنون «145 عاما على الأهرام: أرومة لبنانية» الذى نشرته الصحافة اللبنانية بمناسبة ذكرى تأسيس الصحيفة المصرية، بأنها «عميدة الصحف العربية» مؤكدا أنها كانت ومازالت أفضل تكريس للرابط الثقافى والإبداعى بين مصر ولبنان. فيقول عن نشأة «الأهرام» قبل 145 عاما: «كانت مصر تلك الحقبة تشهد ورشة نهضة صحافية وأدبية كبرى، أسهم فيها لبنانيون أحبوا مصر فبادلتهم مصر هذا الحب».
ودوما ما كانت سيرة سليم وبشارة تقلا حاضرة، عند كل ذكر لبدايات «الأهرام» والتأثير الثقافى المتبادل ما بين التجربتين المصرية واللبنانية بداية القرن العشرين. ولكن هناك افتتانا لبنانيا راسخا بالمشهد الثقافى والصحفى المصرى حينذاك، مما جعل «الأهرام» «قبلة» للعديد من أصحاب القلم والفكر من بنى لبنان. وبين الوافدين المؤثرين أسماء لامعة تولت رئاسة التحرير وأثرت وتأثرت برابط وثيق بين الثقافتين.
وفى الذكرى ال145 للتأسيس، وجب التذكير ببعض هذه الأسماء، بعض أقطاب الافتتان اللبنانى بتجربة «الأهرام» فى مصر فكانت السطور التالية..
أنطون الجميل..الباشا الذى أحب مصر كما أحب لبنان
فى عام 1910، جاء شاب صغير من بلدة بكفيا فى لبنان اسمه «أنطون الجميل» كان قد تلقى دروسه فى مدرسة الحكمة ببيروت، ثم مدرسة الآباء اليسوعيين، ثُم التحق بجامعة القديس يوسف فى «بيروت» وبعد تخرجه تولى تدريس مادة البيان بها، ثم أُسند إليه تحرير جريدة «البشير» فى «بيروت».
وحين جاء إلى مصر أصدر مجلة «الزهور» الأدبية بالاشتراك مع أمين تقى الدين، واستكتب فيها كبار الكُتَّاب والأدباء. وقد ظلت تصدر حتى عام 1911. بعد ذلك، عمل أنطون الجميِل فى وزارة المالية المصرية، مستغلا دراسته القديمة وتفوقه كمحاسب حتى وصل إلى درجة مراقب عام حسابات الحكومة المصرية. ونال «البكوية» من الدرجة الثانية، ليصبح رئيسا للجنة الموازنة فى وزارة المالية المصرية.
عرض نفسه على «الأهرام»، يساعده فى ذلك حبه للأدب والشعر، فعمل بكل حب وإخلاص، وسرعان ما تميز فى الصحيفة. وكان ذلك كله استعدادا لما هو آت. فعندما مات فجأة رئيس التحرير داود بركات، جلس أنطون على كرسيه فى اليوم التالي.
يقول دكتور جوزيف مرسال، عن فترة تولى الجميل دفة «الأهرام»: «دخلت الأهرام فى عهده مرحلة جديدة، متخطية أشواطا لتدفع بالصحافة العربية إجمالاً إلى التطور السريع، وساعده فى ذلك صاحب الجريدة جبرائيل تقلا، وأمن له الدعم المادي الذى لم يعرف الحدود، وكان من الجميل أن رفع من شأنِها المعنوي، فجعلها تلك القوة التى تهيمن على الناس وتسمو على الأحزاب».
فقد كان الجميل كاتبا متأنقا فى أسلوبه، يجيد الفرنسية كأهلها. وبخلاف منصبه على رأس «الأهرام»، انتُخِب عضوا فى مجلس الشيوخ المصرى عدة دورات، بعد أن نال الجنسية المصرية عام 1927. كما انتخب عضوًا فى المجمع العلمى العربى بدمشق، والمجمع اللغوى فى مصر. والأهم، أنه كان عضوا بلجنة القيد بنقابة الصحفيين المصريين إثر تأسيسها مطلع أربعينيات القرن الماضي. ومُنح لقب «باشا» عام 1940 قبل وفاته بثمانى سنوات.
بقى عازبا، وعن سر هذا القرار المصيري، كشف فى حوار للكاتب أحمد الصاوي، ووفقا لما أورد دكتور مرسال «لأننى لم أجد وقتا، فإن حياتى كانت دائمًا «مشغولة جدا» ولا عجب فى ذلك، فقد عرف عن الرجل إخلاصه الشديد فى عمله وحبه الشديد لوطنيه مصر ولبنان، فقد كان يقول: «أنا أعمل 18 ساعة فى اليوم الواحد، وجهاز تليفونى متصل بكل أركان الدولة وبالقصر الملكى وبالبرلمان وبمعظم باشوات مصر وبالسفارات، وكلهم يتصلون بى للاستفسار عن (حقائق) الأحداث لا عن مظاهرها ولا عن الإشاعات». وأركان الدولة يعتبرون «الأهرام» ورئيس تحرير»الأهرام» خاصة، أكبر دعامة لضمان الهيبة والاستقرار للدولة المصرية.. بالإضافة إلى ضيوف مصر من العواصم العربية الذين يأتون إلى «دار الأهرام» بمجرد وصولهم إلى القاهرة.. ونستمع إليهم، ويتقبلون كلامنا فى السياسة مهما كان قاسياً.. وكل ذلك لا يأتى بسهولة ولا بالمجان، وإنما يستدعى الكثير من الصبر والطاقة والقدرة والمثابرة والجهد المعنوى المستمر».
وفى ليلة وفاته فى 13 يناير عام 1948، وإثر ذيوع خبر الوفاة، تحول فيضان الدمع الجماعى إلى قصائد ومقالات اتسعت لها صفحات «الأهرام»
عزيز ميرزا .. التائه بين العمالقة
ربما تكون شخصية عزيز ميرزا الحادة والمكفهرة، لها دور فى ألا يأخذ شهرة سابقيه ولاحقيه، رغم توليه رئاسة تحرير «الأهرام» خلال فترة بالغة الأهمية بين عامى 1948 و1955.
فكان حظه أن سبقه العملاقان الكبيران داود بركات الذى رأس تحرير الأهرام 33 عاما، وأنطون الجميل الذى رأس التحرير 15 عاما، ثم جاء من بعده الأستاذ محمد حسنين هيكل الذى استطاع أن يحدث طفرة فى جريدة الأهرام لم يستطع أحد من قبله ولا من بعده أن يحدثها.
كان عزيز ميرزا، مارونيا من جبل لبنان، عمل فى البداية مترجما خاصا للملك فؤاد الذى لم يكن يتقن العربية جيدا، فكان يلخص له الجرائد المصرية يوميا، ثمّ عمل فى القسم الاقتصادى بالأهرام، وتولى رئاسة التحرير بالنيابة عام 1948، وعين فى الوقت نفسه أحمد الصاوى محمد، كأول تجربة لتعيين مصرى ولبنانى معا فى رئاسة التحرير.
وصفوه بأنه كان زاهدا فى الحياة، جادا صارما وحازما يتمتع بقدرة فولاذية على العمل الدءوب، لدرجة أنه كان يعيش كالرهبان. كانت كتاباته الإنسانية «من وحى وطن» فى الصفحة الأولى من الأهرام تفيض بالمشاعر الإنسانية الرقيقة، وتدعو إلى الخير والمحبة والتكافل الاجتماعي، ومشاركة الآخرين فى أفراحهم وأحزانهم.
بمناسبة مرور 75 عاما على تأسيس الأهرام كتب عزيز ميرزا فى صدر الصفحة الأولى «رسالة الأهرام» وكان مما جاء فيها، قوله: «العَلَم الذى نحييه اليوم بنظرة من الفخر وبسمة من الأمل. ليس علما ناعم الملمس مزدهر الألوان، لا يُنشر إلا فى مباهج الزينات. هو علم مُجعّد ممزق، بقعته دماء الأبطال، لأنه جرّر أذياله خمسا وسبعين سنة فى ساحات القتال، ولا نملك تحية له أوفى بتكريمه من رفعه إلى أوج ساريته، لينشدنا المعانى الروحية التى تعمر ثناياه ويصطفق بها فى زرقة سمائه». ثم يضيف «وشاءت فعلة من الأقدار أن تتفرق الكلمة بعد جمعها كأن الاستقلال لم يكن ثمرة اتحادها، فتحتم علينا أن نتعلم كيف يصير الشعب الحر شعبا قويا، وكانت الأهرام أول من سمع الأموات يشكون الأحياء، فدعت الأحياء إلى الوفاء بدينهم للأموات، وكان عقوق الأحياء تنابذا وقطيعة، فصاحت بهم: فيم الخصام ونحن إخوة لأم واحدة هى الحرية»
«قامت الأهرام تفتّح العيون وتفتّح القلوب، وتستخرج صوت الرجاء من أعماق القبور. تقول للقوي: إن الظلم قوة الجبان، وتقول للضعيف: لا أسألك ما حزبك، ما دينك، بل أسألك ما تشكو للديان».
ثم يشير فى تلك الرسالة فيقول: «وتلفت الفتيان الحائرون يطلبون وميض نار فى رماد الفوضى الفكرية أو الإباحة الخلقية، الفتيان الذين علموا كيف يستخدمون سواعدهم لا يعلمون كيف يستخدمون قلوبهم، فدلتهم الأهرام إلى القمم من المُثل العليا». «هى المثل العليا التى تيقظ على نغمها الوعى القومي، وبروحها اشترعت الأهرام استقلالها فى الرأي، ونضالها فى الحق، فكان استقلالها ترفعا فوق ما يحجب الأفق من تراب ودخان، وكان نضالها تقديسا لقيمة الإنسان».
يقول جورج ضرغام، الأمين العام للمركز المارونى اللبنانى للثقافة والإعلام، إنه بسبب عزوف «ميرزا» عن الظهور، تسيد الصاوى المشهد فى الأهرام. يضاف إلى ذلك أن الصاوى كان تلميذا لأنطون الجميل، ما أهله ليكون أعلى حظا من ميرزا عند الإدارة، فكتابة اسم الصاوى قبل ميرزا على الترويسة لم تأت أبجديا، كما قيل بل لرغبة الإدارة فى ذلك.
ويضيف جورج: «كان يمر فى الأهرام ولا يصافح أحدا سوى الإيماءة برأسه، مخاطبا الصحفيين بالفرنسية، حتى إن مكتبه كان محرما على الكثيرين بخلاف سلفه أنطون الجميل. ومثلما مرت حياته فى هدوء، كانت نهايته أيضا، حيث خرجت جنازته من كنيسة (مار مارون) بمصر الجديدة يوم 23 ديسمبر 1969، ولم يكن حاضرا فيها سوى بضعة رجال حملوا جثمانه فى غياب أولاده الذين كانوا فى أمريكا والمكسيك وألمانيا».
أمير البيان.. شكيب أرسلان
حين بلغت سنه الحادية والعشرين من عمره، أى سنة 1890، وكان قد توفى والده قبل ذلك بزمن قصير، فيمّم أمير البيان شكيب أرسلان وجهه شطر مصر، زاده شعر متين ونثر قوى وذكاء حاد، تدعمه أسرة عريقة وجاه واسع، وتشفع له معرفة شخصية بالإمام محمد عبده. فاستطاع أن يدخل حلقة ذلك الرجل العظيم، وأن يلازمه، وأن يمكث بقربه شهرين كاملين، تعرف فيهما إلى أرقى الشخصيات فى مصر، بل فى العالم العربي.
يقول د. سليم حمادة، أحد القائمين على تراث أرسلان: «لاشك أن هذه البيئة كانت تمثل أكبر جامعة من الجامعات دخلها الشاب وخرج منها على اطلاع وثقافة وسياسة، فزادته يقيناً برسالته التى راحت تراود أحلامه وأمانيه، وهى رسالة الإسلام والذود عن العرب ومناضلة الاستعمار، إنها رسالة جمال الدين الأفغانى انحدرت إليه عن سبيل محمد عبده. فوقر فى نفسه أن يتصل بجمال الدين وأن يسافر إليه لينهل من الينبوع ويقف على كثير مما كان يعتلج فى قلبه من الأسئلة».
ويضيف حمادة: وكما كان نهضوياً فى «تأريخه» كذلك كان «صحفياً» من الطرازالأول. امتهن الأمير شكيب بشغف قل نظيره، الكتابة الصحفية التى مارسها حتى التخمة وفى أهم المجلات والجرائد المصرية مثل «الأهرام» و«المؤيد» و«الشوري» و«الفتح» و«المنار»، وفى وسع المرء أن يتخيّل الجهد الشخصى والعقلى واليدوي، الذى كان يبذله شكيب فى تأليف وتحرير وكتابة مئات المقالات والمحاضرات. ويروى الذين رافقوا شكيب فى حله وترحاله، أنهم كانوا لا يفارقونه مساء إلا وهو يكتب، ولايأتونه صباحاً إلاوقلمه وأوراقه أمامه على طاولته يدبج مقالة أو نصاً. وقد كان غزيراً فى إنتاجه الصحفي. وذكر محمد كرد على صاحب مجلة المجمع العلمى أن شكيباً جمع نتاج قلمه سنة 1932 فبلغ 1153 مكتوباً خصوصياً و108 مقالات وقصيدة واحدة ونحواً من ألف صفحة عن الحاضر الإسلامي.
وقد حكى شكيب عن زيارته مصر سنة 1890 فقال: «وكنت أوانئذ أراسل جريدة الأهرام، وكان صاحب الأهرام يكاتبنى كثيراً، ويبنى الكثير من الآراء على ملاحظاتي، وإذا أرسلت إليه بمقالة جعل عنوانها «لأحد الأفاضل السياسيين» فإذاراجع القارئ الأهرام سنة 1890 والتى بعدها، وجد ما كتب «بقلم أحدالأفاضل السياسيين» فصولاً سياسية كثيرة. وفى رد على الأديب خليل السكاكينى الذى اتهمه بأنه «يكثر من المترادفات، اقتضاها المقام أم لم يقتضها» يقول الأمير شكيب: «لى ماض يشهد بذلك، و38 سنة فى عالم المطبوعات من أهرام ومؤيد ومقتطف ومقتبس ومجلات عديدة عشت فيها مع الجيل الذى أنا فيه، اجتهدت أن أفهم الناس وأن يفهمنى الناس. ولكنى حرصت أن يبقى أسلوبى عربيا، وأن أقتدى بنعمة السلف فى دولة فصاحتهم» .
داغر القومى .. رئيس القسم الخارجى ربع قرن
أسعد داغر (1893-1958) ربما لم يسمع الكثير عنه، لكنه كان قوميا عروبيا منذ نعومة أظفاره، اسمه أسعد بن مفلح داغر، كان من طلائع النهضة القومية العربية، ومن مجيدى الترجمة عن الفرنسية. ولد فى بلدة تنورين فى جبل لبنان الشمالي، وتعلم ببيروت، وقصد الأستانة بتركيا خلافا لرغبة والده الذى طالبه بالسفر إلى فرنسا عام 1907 لدراسة الحقوق، فكان فيها من شباب «المنتدى الأدبي». حملته باخرة إلى مصر قبيل الحرب العالمية الأولى عام 1914، حيث عمل بصحيفة «المقطم» خمس سنوات.
ومع بداية عام 1919، التحق بالحكومة العربية فى دمشق، تعرف هناك على قادة الحركة العربية وأصدر جريدة «العقاب» اليومية، وكانت لسان حال الثورة العراقية يومئذ على الإنجليز. ومع دخول الفرنسيين سوريا عام 1920، خرج منها عائدا إلى مصر ليرأس تحرير القسم الخارجى فى جريدة الأهرام، وذلك لأكثر من ربع قرن.
يقول دكتور خالد زيادة، السفير الأسبق للبنان بالقاهرة فى كتاب أسعد داغر الذى حققه أخيرا، ويحمل عنوان «مذكراتى على هامش القضية العربية» إن من بين ما ذكر فيه علاقته بالأهرام: «قال لى جبرائيل تقلا صاحب الأهرام، وقد كاشفته بشوقى إلى زيارة العراق، فقال: «وإذا دعوتك أن تكون ضيفاً على الأهرام فى بغداد.
قلت شكراً ياسيدي
قال: إذن ستكون ضيفاً على الأهرام،ثم تناول سماعة التليفون وطلب شركة الطيران فحجز لى مكانا للذهاب والإياب فى الطائرة، فكنت مديناً له بألذ ساعات حياتي، أعنى الساعات التى قضيتها فى الجو بين مصر وبغداد. فحق له على جزيل الشكر، وإذا كان كتابى هذا الذى يعود معظم الفضل فيه إليه لا يستحق أن يشاركنى القرّاء فى شكره عليه، فإن ما له من أياد بيضاء على نهضة العرب من وجهتيها الأدبية والسياسية، وعلى الصحافة العربية التى تسير الأهرام فى مقدمتها، جدير بشكر الناطقين بالضاد فى كل صقع وناد».
ويروى لنا الكاتب والشاعر شربل داغر، ابن عم أسعد فيقول: «تزوج أسعد أليس، ابنة الصحفية اللامعة فى مصر، لبيبة هاشم، الروائية التى أصدرت مجلة (فتاة الشرق)، كما كان لأسعد ابنة عم هى «ألماظة جرجس أنطون مخايل سركيس داغر» التى اشتهرت باسم «آسيا» حيث رتب أسعد بنفسه انتقالها إلى القاهرة، لتصبح من نجوم السينما، كما رتب أيضا هجرة ابنة خاله آسيا، أى «مارى يونس» التى ستشتهر فى مصر باسم «مارى كويني» الممثلةالفاتنة، ووالدة المخرج المصرى اللامع «نادر جلال».
ويضيف شربل: «ولم ينتقل أسعد إلى باريس لدراسة الحقوق فيها، وفق رغبة والده، بل إلى إستانبول، لكن دون أن يكمل دراسته، حيث سيعقد فى هذه العاصمة السلطانية الآيلة إلى أفول، صداقات وعلاقات مع عدد من رفاق السياسة والفكر من العرب المتعلمِين، قوامها الانفصال عن الأتراك، وفى حين كانت السلطنة تتفكك، كان هناك جيل عربى يُعدُّ العدة للنهوض، لتدبرِ حكمٍ ذى قواعد محلية و عربية، بعد طول ابتعاد للعرب عن السياسة والحكم».
وهكذا كان مكتبه فى الأهرام نادياً فكرياً مصغراً للمشتغلين بالفكرة العربية من الشوام المتمصرين، والشوام الذين يزورون مصر، حين لم يكن فيها متشيع للفكرة العربية بمعناها السياسى سوى عدد قليل. وقد يكون فى نجاح ثورة «الضباط الأحرار» فى صيف عام 1952، علامة مجزية لما أمل به فى سنوات عمره المصرية.
الجميل..وصحافة «الحقائق»
أنطون الجميل فى اجتماع مع عباس محمود العقاد وعلى الجارم وخليل مطران
أنطون الجميل «يسارا» خلال حديث باسم فى لبنان
ميرزا..صاحب «رسالة الأهرام»
أرسلان..«أحد الأفاضل السياسيين»
شكيب أرسلان خلال لقاء فى المغرب
داغر.. نصير القومية العربية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.