تكتب جميل أن تبدأ الدولة من خلال وزارة الشباب والرياضة فى مد النشاط الرياضي والاجتماعي الى محافظات مصر. لقد عشنا فترة غير قصيرة نشكو من انحصار النشاط الاجتماعي والرياضي والفني من مدارسنا ومن محافظاتنا حتى باتت مدارسنا عقيمة لا يعرف فيها التلاميذ، الا الفصل والمدرس والكتاب ثم التلقين ثم انتظار الثانوية العامة. في حين أننا في الزمان السابق كنا نعرف الفصول الدراسية بالأنشطة والرحلات وجماعات الشعر والكتابة والموسيقى والرقص التوقيعي والغناء بجانب تلك الانشطة التعليمية المذكورة. كانت المدرسة مبهجة. بجانب ذلك كانت المحافظات تضم الاندية الاجتماعية ثم الرياضية الصغيرة التي يتجه اليها الموظفون العاملون المنقولون الى المحافظات للعمل بجانب بعض الشباب الذين يستمرون ينتظرون دعوة القاهرة ليلتحقوا بناد من النوادي الكبيرة. كانت نوادي متواضعة ولكنها كانت موجودة بشكل أو بآخر مع وجود بعض دور العرض السينمائي الصغيرة. وكان المسرح يجد مكانا له في المحافظات. هكذا عرفنا مسرح رمسيس ليوسف وهبي الذي كان يلف الأقاليم كلها الواحد بعد الآخر. ثم أصبحت القاهرة مسيطرة على الموقف. فيها الاوبرا ودور العرض السينمائي والمسارح وكل مكان لمتعة الإنسان وفي مقدمتها النوادي وعلى رأسها الناديان الغريمان الأهلي والزمالك. بينما تركت المحافظات لحالة من المتاهة الفكرية والرياضية سمحت بنمو الفكر المتخلف الذي سيطر على فكر الشباب. ولا يمكن إنكار أن الدولة اهتمت ببعض الهياكل الثقافية كدور الثقافة في العواصم الا انها لم تفعلها بشكل يعطي حريات فكرية عامة تسمح بنمو بناء فكري يصد التخلف. والآن تتقدم الدولة بالتصدي لحالة المتاهة هذه بتأسيس 15ناديا كبيرا في عواصمالمحافظات بالشراكة مع القطاع الخاص لتبدأ مرحلة جديدة لنشر الفكر التنويري وفروع الرياضة في صفوف شبابنا. فماذا نريد من هذه النوادي الرياضة الاجتماعية؟ أولا: نريدها أن تعمل بالتعاون مع قصور الثقافة وتنسق معها برامج الانشطة الثقافية بحيث يتكامل عملها مع عمل الهياكل التي تهدف لذات النتيجة في كل محافظة. بهذا الشكل يمكن أن نوفر المال مع تعظيم النتائج. كما أنه بهذا الأسلوب يمكن ان نلغي منذ البداية اي ازدواجية في العمل او التنافسية فيه. فقصور الثقافة تحتاج الى التنشيط الثقافي والفني بحيث تؤدي الدور الذي تأسست من أجله إبان فترة الدكتور ثروت عكاشة وان تتحول الى بؤرة تجمع المثقفين والشعراء المحليين حولها وتنمو معهم بحيث تتحول المحافظات الى بؤرة جذب مهمة للموهوبين والمبدعين. ثانيا: أن نراعي منذ البداية ان الاشتراك في هذه النوادي يكون في متناول أهالي كل محافظة. وبهذا الشأن يمكن ان نجعل من الاشتراكات نوعين، جانب منها جماعية والثاني فردية. تكون الاشتراكات الجماعية للأسر. اما الفردية فتكون للشباب الفرد الساعي الى الرياضة والتمايز في رياضة من الرياضات. الخلاصة في هذا الشأن ان نجعل من فكرة تأسيس النوادي خدمة عامة للشباب في حين انها احد المتنزهات والملتقى للأسر بتكلفة اعلى بعض الشيء. وعلينا أن نتذكر في كل وقت ان القوى الشرائية تتفاوت بين كل محافظة واخرى. فعدد القادرين في محافظات الصعيد يتفاوت مع عدد القادرين الكثر في القاهرة حيث اشتراكات النوادي تفوق قدرات الطبقة الوسطى الصغيرة. وبالتالي باتت النوادي تجمعات الطبقات العليا. واتصور أن الدولة لا تريد تكرار هذه الظاهرة في المحافظات. وثالثا: نريدها نوادى تقدم الخدمات الرياضة بكل فروعها الى كل الشباب من الإناث والذكور. فنحن لا نريد تكرارا لما هو حادث الآن بحيث نوسع من رياضة كرة القدم على حساب الرياضات الأخرى وإنما نريدها نوادى لكل الرياضات بحيث يخترق الشباب المصري كل فروع الرياضية بأسلوبها العلمي السليم. كفانا رياضة كرة القدم التي باتت تبدو وكأنها الرياضة الوحيدة التي نعرفها في القاموس الرياضي والتي نراها تقسم الجماهير الى قسمين إما قسم اهلي او آخر زمالك.. رابعا: و لا شك ان وجود ثم نمو هذه النوادي في المحافظات سيهدئ من تلك المنافسة غير الصحية بين الناديين الكبيرين. خاصة بعد ما شاهدناه في الفترة التي لحقت بكأس إفريقيا من تصرفات لا تنم إلا عن عنصرية شديدة بدأت تسيطر على حياتنا الرياضية. فالرياضة في النهاية متعة بها الربح والخسارة وعادة ما تنتهي في النهاية بالمصافحة بين المتنافسين ونسيان الماضي وبداية الإعداد للمستقبل. وهو عكس ما شاهدناه في المرحلة السابقة التي انقلبت المصافحة إلى مشاهد عداء وشتائم وتحركات اقل ما توصف بها انها خالية من الذوق و الروح الرياضية. وإذا كانت الدولة قد تنبهت الى هذا الموقف الأخير بأن نادت بإلغاء أو تحديد المنافسات الحامية بين الناديين إلا انها لن تنجح في هذا التوجه ولن تحوله الى حقيقة فعلية في البلاد الا إذا امتدت بالنشاط الرياضي الى خارج ملاعب كرة القدم بجانب امتدادها الى خارج القاهرة بحيث تصبح الأقاليم بذاتها داخل المنافسة الرياضية في عدة ألعاب وليس في رياضة واحدة. فالحياة الرياضية هي العمل والنشاط في عدد من الألعاب وفي ذات الوقت دخول جماهير جديدة الى كل رياضة. وخامسا: نريد من هذه النوادي ان تكون بوتقة تلغى فيها الخلافات من كل نوع سواء كانت عرقية او جنسية او جندرية او دينية. فالهدف هو تجميع الشباب في نواد تنشئ اللحمة الوطنية بينهم وتجمعهم على كل ما هو اصيل وطيب بغض النظر عن الفروق وذلك من خلال التدريب والتثقيف ثم المباريات فيما بينهم ثم بينهم وبين النوادي الاخرى ومنها الأهلي والزمالك وغيرهما من نواد كبيرة قديمة. ننتظر من هذه النوادي ما ستقدمه لنا من أنشطة ليس فقط على مستوى المحافظات ولكن على مستوى الوطن كله، ننتظر منها الكثير. ما اجملها إذا ما ضمت دور عرض سينمائية صغيرة.