أحمد عبدالتواب كلمة عابرة من غرائب الأمر الواقع، التى لم يكن من الممكن للخيال أن يصل إليها، أنه لا يزال لدينا شقق فى أرقى أحياء القاهرة بقيمة إيجارية شهرية لا تزيد عن بضعة جنيهات، وفق ما يُسمَّى ب(عقود الإيجار القديمة)! وهى حالة تشهد رأيين متضاربين، حيث يرى السكان المحظوظون أنها عين العدل، لأن هذه القيمة، كما يقولون، كانت هى السائدة عند التعاقد قبل أكثر من نصف القرن. فى حين يرى المُلَّاك أن هذا أكبر ظلم، لأن أغلب العقود تنصّ على أن المدة الإيجارية شهر واحد، ولكن الاستمرار إلى أجل غير منظور، كان نتيجة قرارات إدارية أعقبت التعاقد. المهم، أن المتفق عليه أن هذا الوضع جعل من كانوا يقبلون على الاستثمار فى العمارات السكنية يهربون من هذا المجال لسنوات، وهو ما كان أحد أهم أسباب بدايات أزمة السكن فى السبعينيات، وذلك حتى صدرت قرارات أخرى لتعالج الأوضاع المستجدة ولكنها لم تمس الحالات المذكورة، وها نحن ندخل العقد الثالث فى الألفية الثالثة بقيم إيجارية كانت مناسِبة قبل أكثر من نصف القرن! والملاحَظ أنه قد تلاشى سريعاً جمال وفخامة هذه العمارات، ثم تدهورت، وبدأت تئن بسبب إهمال الصيانة..إلخ، ويتحجج معظم السكان بأنه ليس من المنطق أن يدفعوا للصيانة ما يزيد كثيراً على القيمة الإيجارية! وعلى الناحية الأخري، فإن كثيراً من الملاك صاروا لا يحصلون الإيجارات، التى يقل إجماليها فى بعض الحالات عن 100 جنيه فى الشهر، ويتنازلون عنها لأى أحد!. المشكلة عويصة لأنها لن تُحَلّ إلا بإلغاء هذه التعاقدات المختلة، ولكن ليس بإلقاء السكان فى الشارع، وإنما بما يحقق التراضى لكل الأطراف. ولقد لاحت بوادر أمل فى أثناء عهد مبارك عندما سُمِح لبعض الشركات العملاقة أن تبدأ بالتدخل بأموال ضخمة لتشترى هذه العمارات على حالها، ثم تدفع للسكان ما يرضيهم مقابل الإخلاء، ثم تنفق على المبنى ليس فقط ليعود إلى سابق عهده، وإنما بمده بكل الخدمات وسبل الرفاهية الأكثر حداثة، لإعداده لاستثمارات كبري. وليس معروفاً لماذا أحبط عهد مبارك هذا المشروع!!. * نقلًا عن صحيفة الأهرام