ذكريات لا تمحوها السنون، ومن منا لا يحن إليها.. ليتها تعود، ومن منا لا يتمني أن يزور جامعته مرة كل عام دراسي، يلتقي فيها زملاء وأصدقاء الدراسة القدامى، وكلما تقتادني الضرورة للمرور أمام جامعة القاهرة ، استمتع بمشاهدة قبة الجامعة تلك التحفة الهندسية التي لا يضاهيها أي معلم تعليمي آخر في العالم وأتمنى أن أستمع لدقات أجراس وبرج الساعة التي اعتاد أبناء جيلي علي الاستماع إليه علي رأس نشرات أخبار إذاعة البرنامج العام. منذ أيام تحققت أمنية حياتي التي طالما كانت تداعب خيالي ودخلت حرم جامعة القاهرة العتيقة مرتحلا سيارتي لاستكمال باقي إجراءات التقديم للجامعة لابنتي التي بدأت أولي خطواتها في الدراسة الجامعية، وسرت أمام برج الساعة لأستعيد أجمل ذكريات أيام الجامعة التي لا تزال محفورة في الوجدان، وقمت بجولة بدأتها من بوابة الجامعة التاريخية بطرازها الفريد التي تحوي من خلفها صروح العلم والمعرفة وتنفست عبق التاريخ القريب الذي لا يزال شاهدا على حركة التنوير. ومررت أمام كل مباني الكليات العتيقة التي تخرج من داخل مدرجاتها عمالقة الأجيال من رموز مصر والعالم العربي في كافة مجالات الفكر والأدب والعلوم والسياسة والحقوق ولا تزال تنجب عقول المستقبل، لقد عشت دقائق أعادتني لأجمل الذكريات. كما تذكرت بائع الصحف الذي لا يزال يحتل مكانه أمام البوابة العتيقة حيث دأب أن يحتشد أمامه الطلاب لاستطلاع عناوين الصحف والمجلات خلال الثمانينيات ونستعرض أشهر العناوين التي تحمل أسماء مؤلفيها من مشاهير الأدب والثقافة في هذا العقد من الزمان، إنها يا سادة جامعتي.. جامعة القاهرة التي أنجبت الأجيال، فهي الكيان التاريخي الذي تستحق أن ننحني أمامه إجلالا وتقديرا رمز الانتماء والوطنية التي نشعر أمامها بالحنين إلى الماضي المفعم بالحيوية والطاقة الايجابية الخلاقة، إنها جامعة القاهرة التي تستحق تصنيفا علميا أفضل، بما تملكه من قدرات وعقول وكفاءات البحث العلمي، ومخطئ من يزعم أن جامعة القاهرة معزولة عن واقع المجتمع الذي نعيشه فقد تفاجأت بأن معظم كليات جامعة القاهرة تحتضن معاهد ومؤسسات علمية جديدة تخدم المجتمع وتسخر كل إمكاناتها البحثية والعلمية والفكرية والتي تقدم الاستشارات أمام أصحاب الأفكار أو من يرغب في الإقدام علي أي مشروع تجاري أو فكري. جامعة القاهرة وكل جامعات مصر الحكومية والأهلية والخاصة، تستقبل هذه الأيام زهورا جديدة من طلابها داخل مدرجاتها وبين أروقة المكتبة المركزية وباقي مكتبات الكليات التي تحوي أمهات المراجع البحثية، للجامعة دين في أعناقنا منذ أن أطلق عميد الأدب العربي مقولته الخالدة "التعليم كالماء والهواء" وعلي كل أعضاء هيئات التدريس في جامعة القاهرة مع طلابها مسئولية وواجب وطني لإعادتها إلى مكانتها العلمية التي تستحقها بين أفضل عشر جامعات علي مستوي العالم علي الأقل، وهذا يجعلنا دائما نقدم تحية إجلال إلى الأميرة فاطمة احدي بنات الخديوإسماعيل التي ولدت عام 1853 وتوفيت عام 1920 والتي يرجع إليها الفضل في تطور فكرة بناء جامعة القاهرة قبل أن يتم وضع حجر الأساس لها رسميا بعد أن تبرعت بستة أفدنة من حيازتها الملكية في ذاك الوقت في موقع الجامعة الحالي الفريد بالقرب من النيل لتشيد هذه المنارة العلمية والثقافية حتى الآن لتظل باقية لتساهم في تقديم الإضافة الحضارية والإنسانية لمصر بل وللعالم أجمع. وستبقي جامعة القاهرة منذ إنشائها وإلي الآن رمز الوطنية والانتماء لمصر الشعب والأرض وتشهد عليها القبة النحاسية التحفة المعمارية الرائعة التي بناها عباقرة المهندسين المصريين وتحتضن تحت قاعاتها المهيبة أحداثا تاريخية وثقافية وسياسة وفنية عظيمة، تلك القبة التي استعدت معها أجمل الذكريات مع باكورة إنتاجي الصحفي الذي سطرته في بداية حياتي المهنية والصحفية قبل 33 عاما تحت إشراف أستاذي الأول في بلاط صاحبة الجلالة عبدالوهاب مطاوع -رحمه الله- الرئيس الثاني لمجلة الشباب بعد مؤسسها الأول الأستاذ صلاح جلال-رحمه الله- وقد سطرت تحقيقا صحفيا خاصا بمناسبة ترميم القبة النحاسية وقت ذاك وتحديث قاعة الاحتفالات الكبرى، تلك القبة التي لا تزال رمزًا شاهدًا شامخا علي مكانة جامعة القاهرة مصر العلمية. أيام الجامعة يا شباب مصر هي بالتأكيد نقطة التحول في حياتكم العملية والعلمية عليكم باستثمارها وعليكم جميعا أن تفخروا بجامعتكم وبكل جامعات مصر ولابد أن تعود أيام الجامعة كما كانت لتفجر بداخلكم كل الطاقات الإبداعية لخدمة مصر ولتشكل الوجدان والشخصية من داخل مدرجات العلم وبكافة الأنشطة الخلاقة داخل أروقة مباني الكليات، أيام الجامعة هي الأرض الخصبة التي تقدم بين أياديكم المستقبل المفروش بالأمل، هي أيام لا تنسي بحلوها وبمرها، وهي أجمل محطة في حياة كل شاب والتي يستعيد معها الذكريات ويتجول بين الأفنية والمباني وحتما سيعود إليها بصحبة الأبناء لكي تتواصل معها مسيرة الأجيال فالارتباط بالمكان يبقي دائما هو الحلقة الأقوى والأجمل في حياة الشباب قبل أن يتحول للبحث عن محطة جديدة مع قطار الحياة ووقتها سوف نتمنى جميعا أن يعود بنا الزمان إلى أيام الجامعة . * نقلًا عن مجلة الشباب