أحمد عبدالتواب كلمة عابرة اقتربت المدن الجديدة من فتح أبوابها للسكني والعمل، بما يتجاوز كثيرا الحلم البسيط بالخروج من الوادي الضيق كحل وحيد للاكتظاظ السكاني بكل مشكلاته، الذي تبلور منذ عقود طويلة، ولكنه لم يأمل إلا في الخلاص بآفاق متواضعة من مشكلات المدن والقري القديمة، بعد أن تدهورت وضاقت علي سكانها الموجودين، وانعدمت بها أي إمكانية لاستقبال الزيادة السكانية . وبعد أن استنفدت كل سبل التوسع المنضبط الذي يلتزم بالقانون، ولم يعد ممكناً أن تلبي الاحتياجات المتزايدة إلا بهدر الضمانات العلمية في التخطيط والبناء ، وهو ما كان له أن يحدث إلا بانتهاك القانون وبمزيد من عمليات الفساد، التي أسست لفوضي العشوائيات بالتراخيص غير القانونية، مع التغافل مدفوع الثمن عن مخالفات المباني غير المُطابِقة للمواصفات، والتقاعس عن المساءلة..إلخ. ولكن المدن الجديدة جاءت بهذه المستويات الفائقة طوق نجاة من دوّامات شدَّت المجتمع كله إلى أعماق خطيرة وضربت اليأس في إمكانية النجاة. سوف تجذب المدن الجديدة أعدادا ضخمة من سكان الوادى، ليس فقط بما يحل أزمة الاكتظاظ، ولكن بما يوفر مستويات عليا لم تكن متاحة قط، بمنشآت علي أعلي مستوى، مع أحدث شبكة طرق وكباري وأنفاق، وأحدث وسائل نقل، مترو وقطار كهربائي ومونوريل..إلخ. مما وفر ممكنات حقيقية تجعل المواصلات سهلة وسريعة لأول مرة في مصر، مع إمكانات واعدة بتوفير حلول لاحتياجات أجيال مستقبلية في العمل والسكن، وسوف تستقبل الوزارات والهيئات الكبري التي ستخلي منشآتها القديمة وفق خطط تعود بفوائد كبيرة علي الخزينة العامة . صارت الآمال معقودة الآن، ليس فقط بأن تتخلص المدن الجديدة من أخطاء الوادي القديم، وإنما بأن تؤسس أساليب وأوضاعاً جديدة تكون مثلاً يُحتذَي للوادي القديم في تطوير أحواله، وعلاج جذور مشكلاته، وأهمها الضوضاء، وأخطر ما فيها العدوان المنفلت علي سكينة المواطنين باستخدام الميكروفون. فليت المدن الجديدة تقوم، بدءاً من ساعة افتتاحها، بتقييد الميكروفون وعدم استخدامه بالمطلق خارج المنشآت، وأن تتحرر من الابتزاز باسم الدين، علي الأقل بمنطق أن نهضة الدين وانتشاره كانت قبل الميكروفون الذي اختُرِع عام 1887. * نقلًا عن صحيفة الأهرام