من أوضح الأمثلة على أخطار كارثة الضجيج هذه العصبية التى تبدو على الأطفال، خاصة الرضع، إلى حد الصراخ والبكاء، كعَرَض من أعراض قلة النوم، أو من النوعية السيئة من النوم التى يتسبب فيها الضجيج! ولكن، يبدو وكأن المسئولين عن توفير السكينة للمواطنين يظنون أن الأمر يدخل فى باب الترف، وأن القضايا الأخرى أهم، رغم أن كل التشريعات متوافرة ولا يبقى سوى الجدية! تتعدد مصادر الضجيج، ومنها كلاكسات السيارات، والمقاهى التى سطت على الأرصفة والشوارع ووضعت شاشات التليفزيون العملاقة تبث المباريات الرياضية والأغانى الصاخبة، إلى ورش السمكرة والحدادة والنجارة..إلخ، التى تحصلت على تراخيص مريبة تسمح لها بممارسة أعمالها فى قلب المناطق السكنية! إضافة إلى صخب الجيران بالأجهزة الحديثة المزعجة، حيث أعطى بعض السكان لأنفسهم حق أن يستمتعوا بما يريدون وقتما يريدون بأعلى صوت! وقد تكون أغرب التصرفات من بعض مسئولى الشرطة الذين يتشككون فى القوى العقلية لمن يتقدم بشكوى من الضجيج، بل ويُظهِرون التذمر من أنه جاء ليعطل مهامهم الأهم! ومن غرائب المشكلة أن الميكروفون لم يُختَرَع إلا عام 1887، كما أنه لم يُتَح فى الأسواق إلا بعد عقود، ولكن سرعان ما اعتمدته المساجد، وأضفى عليه الوعاظ والمؤذنون قداسة غير مفهومة. لاحظ أن الإسلام انتشر شرقاُ وغرباً قبل اختراع الميكروفون الذى تصادف أن تدهورت معه أحوال المسلمين حول العالم وفى بلادهم! مما يزيد من علامات التعجب عن التمسك به بشراسة واعتباره أهم أدوات نشر الدعوة. ولاحظ أيضاً أن لاختراع الميكروفون مزايا ضخمة استفادت منها الحضارة الحديثة، من تسجيل الصوت، مما جعل لأول مرة فى تاريخ الإنسانية إمكانية حفظ الصوت والقدرة على استرجاعه، فكان إنقاذ التراث الفذ لأداء عباقرة قراءة القرآن الكريم، وكذلك الكتب المسموعة للمكفوفين، إضافة إلى التطور النوعى فى عالم السينما وفى تسجيل الأغاني. كما يمكن بالميكروفون تكبير الصوت فى حيِّز محكوم، مثل قاعات المحاضرات والمسارح..إلخ. إلا أننا، كالعادة، نأخذ من بعض انجازات التكنولوجيا الحديثة أسوأ جوانبها، وأسوأ ما يمكن أن يخرج منها! فهل يجوز لنا ان نحلم بأن تخلو المدن الجديدة من هذه المشاكل؟ لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب