خلال اجتماعها الذى عقد أخيرا، أعلنت لجنة العدالة الاجتماعية برئاسة رئيس مجلس الوزراء ،عن مقترح بإنشاء صندوق لتمويل تكافل وكرامة ، بهدف العمل على استدامة التمويل المتوافر للمشروع، والتوسع فى أعداد المستفيدين وكلفت وزير المالية بالتنسيق مع وزيرة التضامن الاجتماعي ، لتحديد آليات ومصادر التمويل. وهو ما يدفعنا للتساؤل عن مغزى هذه المسألة ومدى تأثيرها على استمرارية البرنامجين وكفاءتهما؟ ان تنفيذ هذين البرنامجين بدءا فى يناير 2015، ويتم بمقتضاهما تقديم دعم نقدى مشروط للفقراء. ويختص برنامج تكافل ب الأسر التى تعانى الفقر الشديد على أن يكون لديها أطفال فى الفئة العمرية حتى 18 سنة. أما برنامج كرامة فيستهدف الفئات التى تعانى الفقر الشديد وغير قادرة على الكسب أو العمل ككبار السن «65 سنة فأكثر»، أو من لديه عجز كلى أو إعاقة تمنعه من العمل. ويتحدد قيمة المبلغ المستحق بكل برنامج بنحو 425 جنيها للأسرة فى حالة برنامج تكافل، بالإضافة إلى منحة لكل تلميذ فى مراحل التعليم «من60-80-100جنيه شهريا» بحد أقصى ثلاثة تلاميذ للأسرة الواحدة، بالإضافة إلى زيادة شهرية بحد أقصى 100 جنيه. أما فى حالة برنامج كرامة فيتم صرف مبلغ 450 جنيها للفرد بحد أقصى ثلاثة أفراد للأسرة الواحدة. وارتفعت قيمة هذا البرنامج من 6.7 مليار جنيه فى 2014/2015 إلى 19 مليار جنيه فى موازنة 2020/2021. وكذلك وصل عدد المستفيدين إلى 3.6 مليون مستفيد مقارنة ب 63.880 ألف مستفيد فى 2015. يأتى التمويل أساسا من الخزانة العامة انطلاقا من الدور الأساسى للإنفاق العام، وللأسف فغالبا ما يتم النظر إلى هذه البرامج باعتبارها عبئا غير قابل للاستمرار لان تكلفتها ليست فى المتناول على الموازنة. وهذه النظرة تعانى خطأين أساسيين اولهما أن الحديث عن ضرورة توفير الموارد المالية للإنفاق على بند واحد من بنود الموازنة، يغفل احد المبادىء الأساسية للمالية العامة ألا وهو وحدة الموازنة، والقاضى بأنه لا يجوز تخصيص مورد معين لنفقة محددة، وبمعنى آخر فانه لا يجوز مثلا تخصيص إيرادات الضريبة العامة على الدخل، للإنفاق على الدعم أو الأجور. ويرجع السبب فى شيوع هذه الظاهرة إلى الحكومة نفسها التى تقول إن عائدات مرفق معين قد تم توجيهها إلى هذا المشروع أو ذاك وهو خطأ كبير، إذ إنه ينبغى تجميع كل الموارد السيادية للدولة فى وعاء واحد ووحيد، ثم يتم بعد ذلك إعادة توزيعها على بنود الإنفاق العامة المختلفة، وفقا للأولويات التى حددها المجتمع، عبر ممثليه فى مجلسى النواب والشيوخ، عند إقرارهما الموازنة العامة للدولة. وثانى الأخطاء يتعلق بالحديث عن كون الإنفاق على مثل هذه البرامج هو بالضرورة اقتطاع من بنود الإنفاق الأخرى مثل الصحة والتعليم والإسكان وغيرها، وهذه نظرة أحادية الجانب إذ تنظر إلى جانب واحد من الموازنة وهو جانب الإنفاق ولا تنظر إلى الجانب الآخر وهو الموارد. ويشير بحث الدخل والإنفاق الى ان هذه البرامج قد ساعدت كثيرا فى التخفيف من وطاة الفقر على هذه الشرائح إذ ان 73% ممن يتلقون مساعدات تكافل هم من الاسر الفقيرة التى لديها اطفال. ونحو66% ممن يتلقون مساعدات كرامة من الفقراء المسنين او المعاقين، وبالتالى أدى تكافل الى خروج 10% من المستفيدين من الفقر، كما أدى كرامة الى خروج 6% من المستفيدين من الفقر. وهذا لاينفى وجود بعض التسرب فيها حيث إن 27% من برنامج تكافل و34.3% من كرامة تذهب إلى غير الفقراء ولهذا يجب العمل على إيقاف التسرب من هذه البرامج. من هنا يمكننا مناقشة مشروع الصندوق المقترح، وهنا نتساءل عن الشكل القانونى المزمع، فمن المعروف أن هذه الصناديق إما أنها مستقلة بذاتها أى أنها تمثل فى حد ذاتها كيانا إداريا يدخل فى الموازنة العامة للدولة بمسماه، مثل صندوق التنمية الثقافية وصندوق السجل العينى وصندوق أبنية دور المحاكم وغيرها. أو انها تتبع الوحدات الإدارية التى أنشئت بداخلها سواء فى الجهاز الإدارى او المحافظات او الهيئات الخدمية والاقتصادية، من أمثلة ذلك حساب الخدمات والتنمية المحلية وحساب الإسكان الاقتصادى بالمحافظات وكذلك الحسابات الخاصة التى تمول من الرسوم والأنشطة بالمدارس وصناديق تحسين الخدمة وغيرها، او صندوق مستقل تماما. وتختلف كل منها حسب مصادر التمويل وأوجه الإنفاق وغيرهما من الأطر القانونية والتنظيمية. وتعتمد هذه الصناديق على الرسوم التى تفرضها على الخدمات التى تؤديها وأرباح المشروعات التى تديرها والتبرعات والهبات التى تحصل عليها، بالإضافة الى الدعم من الخزانة العامة، وهى مسألة تختلف تماما عن برامج الحماية الاجتماعية التى يجب ان تمول بالكامل من الخزانة العامة.كما انها تتعارض مع رغبة الحكومة فى الحد من هذه الصناديق، وعلى الجانب الآخر فان القائمين على هذه البرامج هم الموظفون الدائمون فى وزارة التضامن والمنتشرون فى جميع انحاء المجتمع وبالتالى فان تحويلهم الى صندوق خاص سوف يترتب عليه العديد من المشكلات الوظيفية والأجرية. والاهم مما سبق هل ستطبق عليه القوانين الخاصة بأيلولة نسب محددة من الإيرادات الى الخزانة العامة مما يؤثر بالسلب على التدفقات النقدية له؟. لذا يتطلب الأمر الدراسة المتأنية لهذا الاقتراح حتى لايؤثر بالسلب على هذه البرامج، فضلا عن ضرورة العمل على تعزيز شبكات الحماية الاجتماعية وإلغاء البرامج المتكررة ومنع التشتت فيها، وهو ما يتطلب سرعة إصدار تشريع متكامل وموحد للحماية الاجتماعية يأخذ بعين الاعتبار الفئات التى لن تستطيع المساهمة فى التأمينات الاجتماعية، خاصة بعد أن ارتفعت قيمة الاشتراك الى 9% من الحد الأدنى لأجر الاشتراك أى 79 جنيها شهريا مقابل 28 جنيها حاليا والعمل على ضم فئات جديدة من المحتاجين عن طريق تطوير آليات الاستهداف بما يسمح بتصنيف أكثر دقة للأسر الفقيرة والأشد فقرا مع العمل على تحديث آلية العمل عن طريق تعزيز المتابعة والتقييم.