بداية العنوان أعلاه ليس من عندياتى، بل هو وصف دقيق لأعضاء نافذين فى الحزب الجمهورى الأمريكى من حصول ما سموه مجزرة أو مذبحة انتخابية فى الثالث من نوفمبر، أى بعد أيام قليلة، قد تؤدى إلى خسارتهم انتخابات الرئاسة ومجلسى الشيوخ والنواب وبعض حكام الولايات فى ظل استطلاعات رأى تظهر عدم تمكن الرئيس ترامب من تقليص الفارق مع غريمه اللدود جو بايدن حتى بعد أجواء المناظرة الثانية التى كانت الأفضل بكل حال من سابقتها الأولى، والتى أكلت كثيرا من رصيد السيد ترامب ونالت من شعبيته وجماهيريته بسبب عصبيته وعدد مرات مقاطعة غريمه بايدن ، ولكن على أى حال كان ترامب فى الثانية موفقا بعض الشىء، ولكن لا نستطيع القول إنه استطاع هزيمة خصمه و تقليص الفارق أو تفوق عليه بالضربة القاضية أو نزيف النقاط قبل ذهاب مناصريه أو فريق المترددين حتى هذه اللحظة قبل الذهاب للجان الاقتراع. ربما قد تكون مخاوف الجمهوريين فى محلها، لو تحققت، وربما تكون المرة الأولى منذ عشرات الأعوام التى يمنون فيها بكل هذه الخسائر دفعة واحدة، وإن كان السيد ترامب قد بدد مخاوفهم واتهم فريقا من أعضاء حزبه الجمهوري بالأغبياء والمهووسين وأن تأثيرات وتداعيات كورونا كانت بادية عليهم، حيث الرجل يجيد فن صناعة المفاجآت فى اللحظة الأخيرة ويحدث زلزال التحول الدراماتيكى فى أصوات الولايات الأربع المتأرجحة، وقد سبق له أن فعلها وأنزل الهزيمة القاسية بهيلارى كلينتون عام 2016، وبالتالى فإن الرهان على استطلاعات الرأى ما هى إلا وهم كبير وخدعة مضللة وأى انسياق وراءها هو تجديف فى الوهم وهذا ما يؤيده فريق كبير من أنصار وقيادات الحزبين الجمهورى والديمقراطى الذين يرون أنه لايمكن بأى حال الأخذ بأرقامها ونتائجها بصورة مقنعة، بل ربما تكون خادعة باعتبار مراكز الاستطلاع والأبحاث ووسائل الإعلام مسيسة ونتائجها غير مضمونة ومنحازة مسبقا لخيارات القائمين عليها حزبيا. ومن هنا لو أردنا فهم سبر أغوار ورهانات فرسى السباق ترامب وجو بايدن حتى الآن فى سباق الأمتار العشرة الأخيرة قبل الوصول لأى منهما للبيت الأبيض فهما يعتمدان حتى الدقيقة الأخيرة على الأنصار من جماعات الانتماء الحزبى للعائلات والأفراد، وتحقيق الحد الأعظم من سقف المصالح والمنافع الشخصية والاقتصادية والاجتماعية وفق النسق الفكرى والايديولوجى للغالبية من المقترعين بغض النظر عن وهم استطلاعات الرأى وجماعات المصالح المضادة، ولذا فإنه من الصعوبة بمكان حتى اللحظة الجزم بمن سيكون له قصب السبق ويحظى بالإقامة لأربعة أعوام مقبلة في البيت الأبيض، خاصة أن الجميع فى الولاياتالمتحدة وحتى فى سائر بلدان العالم يرون أن معركة الانتخابات الأمريكية هذه المرة كانت استثنائية وفاصلة ربما لم تشهدها أمريكا وتحظى بكل زخم الاهتمام من الدول الصديقة أو المناوئة لها منذ مايقارب الخمسين عاما وأكثر بل إن بعضهم يصور الأمر بمن يمشون فى حقول ألغام أو السير فوق الجمر المشتعل وصولا إلى لحظة ترقب من سيكون الرئيس الفائز القادم للبيت الأبيض. ولأول مرة منذ سنوات بعيدة تتوقف محركات السياسة الدولية عن التشغيل لعدة أسابيع كما يحدث حاليا، يتزايد سكون وترقب العالم الخارجى بأسره مثله مثل الشعب الأمريكى نتائج هذا السباق، فضلا عن أن حالة الشلل الذى مازالت تضرب العالم بعد جائحة كورونا أوجدت مناخات متباينة تماما عما كان قائما طيلة العقود الماضية، خاصة أن الخلل الذى ضرب تشابك المصالح والشراكات الاستراتيجية والاقتصادية ونهوض سباق العولمة وخفوتها بعد تلك الجائحة سيغير الكثير من تفوق أو تباعد المصالح، وربما تأثرها أيضا بشخص ساكن البيت الأبيض بالرغم من المتعارف عليه من ثبات السياسات والمؤسسات الأمريكية، إلا أن ذلك لا يمنع من القول إن شخص الرئيس ربما يكون له تأثير يفوق النسبى وما أحدثه وفعله ترامب فى الداخل الأمريكى وعديد دول العالم خير نموذج ومثال حى على صحة هذا القول. لا مبالغة فى القول إن الغالبية من دول العالم مازالت متأهبة، الجميع يساورهم الخوف والانقسام حول شخص الرئيس القادم، البعض يتمنى ويطارد أسوأ الكوابيس باختفاء وأفول عهد ترامب والبعض الآخر يحلم، ويمني النفس وسنوات الحكم المقبلة بوصول بايدن ، بكل تأكيد الدول الكبرى الصين وروسيا وغالبية بلدان الاتحاد الأوروبي وإيران وتركيا ودول أمريكا اللاتينية التى تضررت من سياسات ترامب يريدون اختفاءه من المشهد، البعض الآخر حتى داخل الولاياتالمتحدة نفسها وهم غالبية يرون فى فوز السيد بايدن امتدادا لسياسات باراك أوباما، ونحن فى إقليم الشرق الأوسط باستثناء إيران والغالبية إن لم يكن كل الدول العربية ترى فيه أنه عودة منفرة لسياسات أوباما وما أحدثه من عمليات فوضى وتخريب ممنهجة بتشجيع ثورات الخريف العربي، وما أدراك ما حدث فيها طيلة الأعوام العشرة الماضية وما دفعه العرب ودولهم من أثمان ومازالوا حتى اللحظة يسددونه من فواتير الوحول التى سقطوا فيها وفتح المجال أمام جماعات الإسلام السياسى وعقد تحالفات مريبة ومأزومة مع جماعة الإخوان المسلمين , للتآمر والتخريب والتلاقى مع جماعات الإرهاب والقتل وتغيير الخرائط فى الاقليم بحجة تغيير المعادلات بالهدم الكامل. فى كل الأحوال أيا كان قرار وغلواء الناخب الأمريكى فإننا فى العالم العربى، وهذا مايعنينا، أن نسارع ونعد المبادرة والمبادأة من الآن بوضع الاستراتيجية الكاملة للتعاطى الأنسب مع الرئيس القادم فى البيت الأبيض بما يخدم مصالحنا فى إطارها الأوسع والأشمل، وألا نخشي فوز بايدن أو بقاء ترامب، فالمصالح وامتلاك أوراق الضغط وتوحيد المواقف هى ما ستحدد وجهة واستراتيجية القادم فى أمريكا معنا. نقلا عن صحيفة الأهرام