قلنا: قبل التوغل فى أدغال مدينة موراكامى الفاسدة «1Q84»، يحسُن بنا نحن العرب أن نتعرف على ذلك الكاتب اليابانى هاروكى موراكامي ، الذى لم يحصل على جائزة كبرى مثل نوبل لكنه مقروء بشدة فى اليابان، لدرجة أن هذا العمل الذى نحن بصدده «1Q84» نفدت جميع نسخه فى اليوم الأول من طرحه فى الأسواق وفى خلال شهر باع مليون نسخة. وقبل هذه الرواية بسنوات قليلة أصدر موراكامى فى عام 2002 رواية كافكا على الشاطئ التى حصلت فى 2006 على جائزة أدب الفانتازيا العالمية . وقد بدأ موراكامى الكتابة فى سن متأخرة نسبيا، وهو فى الثلاثين تقريبا، ولم يكن يفكر قبلها فى أن يكون كاتباً. فبعد تخرجه فى الجامعة أدار مشروعا تجاريا. وفى أحد الأيام كان يِشاهد مباراة رياضية، وإذا به يحس فجأة وهو فى زحام الناس بدفء عجيب فى قلبه، وأحس ساعتها أيضاً بأنه يستطيع ويريد أن يكتب، وفى نفس الليلة بدأ موراكامى الكتابة. كان ذلك عام 1978، وبدءاً من تلك السنة صار موراكامى يكتب وينشر بغزارة , إلا أن أول عمل له حاز ترحيبا نقديا صدر فى عام 1982، وكان رواية بعنوان مطاردة الخراف البرية . أما العمل الذى نقله إلى عالم الشهرة فكان روايته الغابة النرويجية «1986». نعود لرواية «1Q84» ، حيث التباس الرؤية، وحيرة أبطال الرواية: هل نعيش فى نفس العام، الذى بدأ من شهور قليلة، «عام 1984»، أم أن العام والعالم تغيرا فأصبحنا نعيش فى علامة استفهام؟ وعلامة هذه الحيرة أن بطلى الرواية، تنجو وأومامه، حين ينظران للسماء صارا يريان قمرين بدلا من قمر واحد. وقد استغرق الأمر شهورا، من إبريل حتى ديسمبر من ذلك العام، حتى يفهم العاشقان، تنجو وأومامه، أن عنكبوتا عملاقا قد مد خيوطه ليصطادهما معا، وأن تلك الشبكة العنكبوتية هى أحداث رواية الشرنقة الهوائية، تلك الرواية داخل الرواية التى أشرنا إليها فى المقالة السابقة، وإلى الفكرة التى لمعت فى عقل كوماتسو، المحرر الأدبى المسئول عن مسابقة الكتاب الأول لشباب الأدباء، وأوعز بها لتنجو: أن يعيد الأخير بنفسه صياغة الشرنقة الهوائية فينقذها من بؤسها اللغوي، ويضمن بذلك فوزها بالجائزة، لأن بها من طزاجة الخيال ما يؤهلها لذلك. وما كان يجهله تنجو وكوماتسو ونحن معهما، أن الأمر لم يكن خيالاً، وأن الحكاية التى ظناها خرجت من خيال موهبة بكر لفتاة فى السابعة عشرة قد حدثت فعلا بكل تفاصيلها. وأن ما وراء إرسال الرواية للمسابقة لم يكن طموحا أدبيا لكاتبة ناشئة، لأن فوكا - إرى أو إيكو فوكادا لم ترسل الرواية للنشر، بل لم تكتبها أصلا، بل أملت أحداثها على صديقة لها هى ابنة البروفيسور إبيسونو صديق والدها الذى فرت إلى بيته من قرية جاكى ساكة المدينة الفاضلة التى أسسها ذلك الوالد تاموتسو فوكادا، الأستاذ الجامعى المفعم بالأحلام المثالية، فحولها الواقع والطبيعة البشرية إلى مدينة فاسدة، ديستوبيا بدلا من يوتوبيا, تحولت الكومويونة اليسارية إلى ديانة نبُّيها هو فوكادا نفسه، تقوم على الزهد والتقشف لكنها تسحق فردية وإنسانية أتباعها، وتسيطر نخبة مجهولة على كل شيء فيها حتى الزعيم الروحى نفسه. أما العجيب والمحير، أن الأحداث تكشف لنا أن ذلك الزعيم الروحى هو شخص ملهم بالفعل يتلقّى الوحى من جهات نورانية غامضة تسميها فوكا - إري، ابنة ذلك الزعيم التى فرت بإيعاز منه لبيت صديقه القديم وأملت حكايتها على ابنة ذلك الصديق، تسميها ب «الناس الصغار». وسر العجب والحيرة، أن تلك الكائنات النورانية، كما توحى لنا الحكاية، حكاية فوكا ذ إرى الصغيرة وحكاية موراكامى الأكبر، لا يصدر عنها إلا الدمار والتنكيل.. كما سنرى فى المقالة المقبلة. * نقلًا عن صحيفة الأهرام