مؤتمر مستقبل وطن | الفنان أحمد فؤاد سليم: "الرئيس بيثق فينا ولازم نكون قد الثقة"    مياه الفيوم تُجري استطلاع رأي للمواطنين بعزب منشأة بني عثمان بسنورس    بين دعوات الاتحاد العالمي وواقع النظام المصري: السيسي ليس بوابة لغزة بل حارِسٌ للحصار    بريطانيا: سنعترف بدولة فلسطين في سبتمبر إذا لم تُنه إسرائيل حربها على غزة    خالد بوطيب ينفي اقترابه من الانتقال إلى الوداد المغربي    لويس دياز يوقّع عقود انتقاله إلى بايرن ميونخ    تفتيش وتحرير محاضر.. وكيل تموين الإسكندرية يقود حملات على السلاسل التجارية    رئيس جامعة القاهرة يهنئ أساتذة الجامعة الفائزين بجوائز الدولة النيل والتقديرية والتفوق والتشجيعية    أمين الفتوى: الشبكة ليست هدية بل جزء من المهر يرد فى هذه الحالة    أمين الفتوى: تأخير الصلاة عن وقتها دون عذر ذنب يستوجب التوبة والقضاء    ما حدود تدخل الأهل في اختيار شريك الحياة؟.. أمين الفتوى يجيب    التريند الحقيقي.. تحفيظ القرآن الكريم للطلاب بالمجان في كفر الشيخ (فيديو وصور)    خالد الجندي: الذكاء الاصطناعي لا يصلح لإصدار الفتاوى ويفتقر لتقييم المواقف    ضخ المياه بعد انتهاء إصلاح كسر خط رئيسى فى المنصورة    من أجل قيد الصفقة الجديدة.. الزمالك يستقر على إعارة محترفه (خاص)    تقرير: برشلونة يصدر قميصا خاصا ل الكلاسيكو بذكريات ثلاثية 2005    بدء انتخابات التجديد النصفى على عضوية مجلس نقابة المهن الموسيقية    إكسترا نيوز ترصد تفاصيل وصول مساعدات مصرية إلى غزة ضمن قافلة "زاد العزة"    الغزو الصينى قادم لا محالة.. عن قطاع السيارات أتحدث    لطلاب مدارس STEM.. تعرف على جدول امتحانات الدور الثاني للثانوية العامة 2025    حريق بمركز للطب النفسي في الأقصر بدون معرفة الأسباب.. صورة    جدول امتحانات الثانوية العامة 2025 الدور الثاني (نظام قديم)    الحوثيون يحتجزون 10 أفراد من طاقم سفينة أغرقوها قبالة سواحل اليمن كانت متجهة لميناء إيلات    هآرتس تهاجم نتنياهو: ماكرون أصاب الهدف وإسرائيل ستجد نفسها في عزلة دولية    حتى لا تسقط حكومته.. كيف استغل نتنياهو عطلة الكنيست لتمرير قرارات غزة؟    38 قتيلا حصيلة ضحايا الأمطار الغزيرة والفيضانات العارمة فى الصين    تجديد حبس 12 متهما في مشاجرة بسبب شقة بالسلام    وزير العمل: مدرسة السويدي للتكنولوجيا تمثل تجربة فريدة وناجحة    النقابات العمالية تدشن لجنة الانتقال العادل لمواجهة التحول الرقمي    برلمانية تطالب بإصدار قرار وزاري يُلزم بلم شمل الأشقاء في مدرسة واحدة    وزير العمل ومحافظ الإسكندرية يفتتحان ندوة للتوعية بمواد قانون العمل الجديد    وزارة الأوقاف تعقد (684) ندوة علمية بعنوان: "خيرُكم خيرُكم لأهله وأنا خيرُكم لأهلي"    نقابة الموسيقيين تكشف تفاصيل التحقيق مع محمود الليثي ورضا البحراوي |خاص    من عبق الحضارة إلى إبداع المستقبل| فعاليات تبهر الأطفال في «القومي للحضارة»    أحمد التهامي يكشف كواليس العمل مع عادل إمام ويشاركنا رحلته الفنية|خاص    خاص.. الزمالك يفتح الباب أمام رحيل حارسه لنادي بيراميدز    "ياعم حرام عليك".. تعليق ناري من شوبير على زيارة صلاح للمعبد البوذي    "3 فرق يشاركون في دوري الأبطال".. خالد الغندور يزف خبرا سارا    وزير الدفاع يلتقي رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستانية - تفاصيل المناقشات    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    وزير الصحة يشهد توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الصحة وشركة روش مصر لتطوير رعاية مرضى التصلب المتعدد    لماذا يتصدر الليمون قائمة الفاكهة الأكثر صحة عالميا؟    ماء المخلل.. هل هو مفيد؟    الأمراض المتوطنة.. مذكرة تفاهم بين معهد تيودور بلهارس وجامعة ووهان الصينية    مقتل وإصابة خمسة أشخاص في إطلاق نار بولاية نيفادا الأمريكية    منال عوض: تمويل 16 مشروعا للتنمية بمصر ب500 مليون دولار    «بيفكروا كتير بعد نصف الليل».. 5 أبراج بتحب السهر ليلًا    رئيس الوزراء يستعرض خطة إحياء واستدامة الحرف اليدوية حتى 2030    انتخابات مجلس الشيوخ 2025.. 8 محظورات خلال فترة الصمت الانتخابي    جولة مفاجئة لمحافظ الدقهلية للوقوف على أعمال تطوير شارع الجلاء بالمنصورة    «الإسعاف»: نقل أكثر من 4 آلاف طفل مبتسر على أجهزة تنفس صناعي خلال النصف الأول من 2025    أُسدل الستار.. حُكم نهائي في نزاع قضائي طويل بين الأهلي وعبدالله السعيد    الخارجية الفلسطينية: الضم التدريجي لقطاع غزة مقدمة لتهجير شعبنا    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025 في شمال سيناء    معيط: دمج مراجعتي صندوق النقد يمنح مصر وقتًا أوسع لتنفيذ الإصلاحات    الكهرباء: الانتهاء من الأعمال بمحطة جزيرة الذهب مساء اليوم    موعد مرتبات شهر أغسطس.. جدول زيادة الأجور للمعلمين (توقيت صرف المتأخرات)    السيطرة على حريق بمولد كهرباء بقرية الثمانين في الوادي الجديد وتوفير البديل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا لو كان موراكامي عربيا ؟
نشر في صوت البلد يوم 23 - 06 - 2016

أتساءل بصدق ماذا لو كان كاتب عالمي مثل «موراكامي» عربياً؟ مجرد فرضية. كيف كان النقد سيستقبله؟ هل سيُعلى إلى السماء السابعة، كما يفعل اليوم بعض نقادنا به؟ أم سيبحثون عن نقائصه وسلبياته الكتابية والسياسية حتى يجعلوا منه «لا شيء»؟ هناك عينان في الرأس نفسه واحدة نائمة أبداً، والثانية متسامحة، تنظر للآخر الذي تقذف به الميديا الغربية، من منظور التقديس، وتخرجه من أية دائرة نقدية. والعين المتربصة نفسها تنظر للمنتج العربي بشكل يهين الذات ويحتقرها، وينزلها إلى الحضيض، وتنتظر متى ما تحرك النقد الموضوعي إيجابياً تجاه هذا النص العربي او ذاك لتبدأ هذه العين في اصطياد سلبيات النص وتتفيهه.
لهذا أسعد لبعض كبار الكتاب العالميين الذين يثيرون جدلاً ثقافياً في بلدانهم وخارجها، حول القيمة الفنية والثقافية، أنهم ليسوا عرباً. وإلا لأصبحوا دون العادي. لأن موراكامي لم ينتظر المؤسسة الغربية، فقد باع في وطنه مليون نسخة في أقل من شهر من روايته 1Q84 سيتحول نص الخيميائي لباولو كويلو إلى نص سطحي وخفيف، ومسروق من نص ألف ليلة وليلة، وأن الدرس الذي يقدمه أو الحكمة، مضحك للغاية. وتتحول رواية «شيفرة دافنشي» إلى رواية منقولة حرفياً عن قصة مريم المجدلية التي أخذتها بعض التيارات المسيحية وطورتها باتجاه أنسنة سيدنا المسيح، واعطائه امتداداً من خلال علاقته بمريم المجدلية التي أنجب من خلالها ذرية، ظلت سرية إلى اليوم. ويتحول إلى نسخة باهتة لغواية المسيح الأخيرة لنيكوس كزانتزاكي التي صدرت قبلها بسنوات. وسيتحول كتاب «ملينيوم» للارسن ستيغ الذي أثار جدلاً كبيراً في وطنه وخارجه، وقرأه قرابة الثمانية ملايين في اسكندنافيا وحدها، وهو ما يعادل عدد سكان بلده السويد تقريباً. سيقال عنه أيضاً أنه كتاب مصاب بالبدانة، بلا معنى، ويحتاج إلى ضغطه إلى الثلثين ليستقيم فنياً. وآخر النصوص التي اكتشفها بعض نقادنا ومبدعينا المتابعين؟ هي ثلاثية الياباني موراكامي 1Q84علماً بأن الرواية صدرت في 2009، أي قبل أكثر من ست سنوات. لنقل مبرر التأخر هو أحادية اللغة وانتظار الترجمة إلى العربية المتأخرة دوماً. طبعاً، كان يمكن أن يكون الأمر عادياً لو لم يكن مشفوعاً بدروس مسبقة من المكتشفين؟ عن القراءة وتخلفها في بلادنا العربية. ظاهرة غريبة هي ظاهرة التخفي وراء كاتب عالمي كبير مثل موراكامي لإظهار القيمة الذاتية المتهالكة، مع أنه لا ضرورة لذلك، لأن لا أحد يستطيع أن يكون الآخر. باستثناء التباهي المرضي بالآخر وجلد الذات دوماً والاستهانة بقدرتها على إنتاج القيمة. بل أقول إن في الموقف عنصرية مقيتة تجعل من الآخر قيمة مطلقة مع أن الثقافات العالمية علمتنا بان القيمة الإبداعية ليست قسراً على مجموعة بشرية دون غيرها، مهما كانت درجة تقدمها. لم يمنع تخلف ألبانيا من إنجاب الكاتب إسماعيل كداري، ولا انهيار الدولة في أفغانستان من ولادة روائي عالمي كخالد الحسيني، ولا منع نجيب محفوظ من الحصول على نوبل، ولا تأخّر السودان حرمها من قيمة عالمية كالطيب صالح. القيمة مطلقة، في أي مكان وأي زمان، والعرب ليسوا مستثنين منها.
حتى أن النظرة التقديسية للآخر غير مؤسسة على ثقافة أجنبية عميقة. وأستطيع، من خلال تقديم بعض النقاد العرب والمبدعين، التعميمي لرواية 1Q84، أن أجزم بأنهم لم يقرأوها، وفي أحسن الأحوال فتحوا الكتاب ومسحوه بأعينهم عبوراً لا تأملاً. لا شخصيات مدروسة. لا أحداث، لا بنية سردية، لا مكان، لا إشكالية كتابية، لا فكرة، إلا لغة فضفاضة، وقضايا فوقية عائمة يمكن أن نجدها مكرورة في كل الأعمال الأدبية وبقايا مقالات غوغل التي توصّف الرواية ذاتها.
ماذا عن ثلاثية «ملينيون» لستيغ لارسن، بعد ان تصلهم ترجمتها بعد سنوات؟ وماذا عن ثلاثية التدرجات الخمسين لغري ل: أ. جيمس. التي رفعتها الميديا إلى سقف المنتج الإنساني، فوزع منها قبل سنوات أكثر من 120 مليوناً. أستغرب عربياً من أحد النقاد العرب الذي يجزم وهو يكتشف الجزء الأول من رواية موراكامي 1Q84 أن علاقتها برواية جورج أورويل مبطنة وتكاد لا تظهر.
لا يحتاج القارئ العربي العاقل إلى جهد كبير ليدرك أن التناص يبدأ أولاً من العنوان. فقد اختارت رواية موراكامي السنة نفسها التي كتب عنها جورج اورويل روايته. وهي 1Q84 والتي تعني 1984، لسبب بسيط يمكن تفسيره بالرجوع إلى اللغة اليابانية وتصريحات الكاتب. نطق Q كيو في الإنكليزية هو نفسه نطق العدد 9 في اليابانية أي كيو. الأحداث تدور في السنة الكابوسية التي افترضها جورج أوروبل مادة لروايته. ويتجلى التأثير عميقاً خارج العنوان أيضاً، فيمس إحدى الشخصيات الأساسية، رئيس إحدى الملل المتعصبة Secte تاموستو فوكادا، فهو يشبه في كل مواصفاته بيغ بروذر أو الأخ الكبير، الذي يتماهى مع تاموستو. قصة آوومامي صاحبة الثلاثين سنة، القادمة من عائلة عضو في ملّة دينية غامضة وأستاذة الفنون القتالية، وتينغو صديق الطفولة لا تختلف كثيراً من حيث الجوهر عن جوليا ووينسطن سميث في 1984، في صراعهما من أجل تثبيت قيمة الحب في مجتمع سمته الأساسية التوحش. نرى تحولات السنة الافتراضية التي أصبحت حقيقة كابوسية التي سمتها أومامي 1Q84 من خلال نظراتهما إذ خصص موراكامي لكل شخصية جزءاً من ثلاثيته. ناهيك عن أن كل شيء يصلنا متأخراً، وعندما يصل تكون فاعليته الإعلامية نفسها قد توقفت. لأن البيست سيلر محكوم أيضاً بلحظة زمنية محددة لا أكثر. وعندما تنتهي هذه الحظة، يحل محلها نص آخر. منذ ثلاثية موراكامي جاءت نصوص أخرى للكاتب نفسه مثل تسوكورو تازاكي وسنوات حجه في 2013، أو مجموعته «رجال بلا نساء» التي صدرت في 2014. ماذا لو تسلينا وأخذنا رواية موراكامي، الكبيرة عالمياً، وغيّرنا عنوانها، ووضعنا عليها اسم أي كاتب عربي معروف؟ متأكد مليون في المئة؟ أنه؟ باستثناء النقاد الجادين والقليلين، لن ينتبه لها أحد. وإذا أظهرها النقد العربي، ودافع عنها، سيصبح الكاتب عدواً. سيشتمه سدنة الاكتشافات العظيمة، وسيشتمون كتاباته الضعيفة والمنحطة، التي تسيء الى الكتابة، وإلى مستوى الكتابة في بلاده. بالخصوص اذا افترضنا اسم كاتب معروف. لأن كل كاتب مشهور في العالم العربي هو عدو مفترض للفاشلين، أو الذين خابت ظنونهم في أوطانهم وفي العالمية التي تأتي ولا تأتي.
روايات موراكامي تجسد انهيار حداثة تأكل نفسها بقوة. ماذا لو وضعنا أمامها منجز عبد الرحمن منيف وجرأتها وصدقها، أو بعض كتابات نجيب محفوظ، أو الياس خوري، أو اسماعيل فهد اسماعيل؟ وغيرهم. لا أعتقد أننا أقل قيمة مطلقاً من الآخرين، بل قد تعلو نصوصنا العربية في بعض نماذجها. الفرق، هناك ماكينة الميديا التي ترفع وتنزل من تشاء. وهنا لا أبالية وعدم اهتمام بالميديا. لهذا، لن ترقى نصوصنا إلى أي عالمية محتملة في ظل عالمية سياسية وإيديولوجية يساعدها في ذلك سدنة الجهل والأمية المتخفية الذين لن يخفوا سر زيارة موراكامي العربي إلى إسرائيل وحصوله على جائزة أورشليم الإسرائيلية في شباط/فبراير 2009، التي استلمها من يد رئيس الاحتلال الإسرائيلي شيمون بيريس، في عز حرب غزة. وقال في كلمته التي ألقاها بمناسبة الجائزة: «نبهني البعض إلى أن مجيئي لإسرائيل هو تزكية لحرب غزة. ولكني في الأخير اتخذت قراري بالمجيء لأني كباقي كتاب الروايات، أقوم دائماً بعكس ما أنهى عن فعله».
أتساءل بصدق ماذا لو كان كاتب عالمي مثل «موراكامي» عربياً؟ مجرد فرضية. كيف كان النقد سيستقبله؟ هل سيُعلى إلى السماء السابعة، كما يفعل اليوم بعض نقادنا به؟ أم سيبحثون عن نقائصه وسلبياته الكتابية والسياسية حتى يجعلوا منه «لا شيء»؟ هناك عينان في الرأس نفسه واحدة نائمة أبداً، والثانية متسامحة، تنظر للآخر الذي تقذف به الميديا الغربية، من منظور التقديس، وتخرجه من أية دائرة نقدية. والعين المتربصة نفسها تنظر للمنتج العربي بشكل يهين الذات ويحتقرها، وينزلها إلى الحضيض، وتنتظر متى ما تحرك النقد الموضوعي إيجابياً تجاه هذا النص العربي او ذاك لتبدأ هذه العين في اصطياد سلبيات النص وتتفيهه.
لهذا أسعد لبعض كبار الكتاب العالميين الذين يثيرون جدلاً ثقافياً في بلدانهم وخارجها، حول القيمة الفنية والثقافية، أنهم ليسوا عرباً. وإلا لأصبحوا دون العادي. لأن موراكامي لم ينتظر المؤسسة الغربية، فقد باع في وطنه مليون نسخة في أقل من شهر من روايته 1Q84 سيتحول نص الخيميائي لباولو كويلو إلى نص سطحي وخفيف، ومسروق من نص ألف ليلة وليلة، وأن الدرس الذي يقدمه أو الحكمة، مضحك للغاية. وتتحول رواية «شيفرة دافنشي» إلى رواية منقولة حرفياً عن قصة مريم المجدلية التي أخذتها بعض التيارات المسيحية وطورتها باتجاه أنسنة سيدنا المسيح، واعطائه امتداداً من خلال علاقته بمريم المجدلية التي أنجب من خلالها ذرية، ظلت سرية إلى اليوم. ويتحول إلى نسخة باهتة لغواية المسيح الأخيرة لنيكوس كزانتزاكي التي صدرت قبلها بسنوات. وسيتحول كتاب «ملينيوم» للارسن ستيغ الذي أثار جدلاً كبيراً في وطنه وخارجه، وقرأه قرابة الثمانية ملايين في اسكندنافيا وحدها، وهو ما يعادل عدد سكان بلده السويد تقريباً. سيقال عنه أيضاً أنه كتاب مصاب بالبدانة، بلا معنى، ويحتاج إلى ضغطه إلى الثلثين ليستقيم فنياً. وآخر النصوص التي اكتشفها بعض نقادنا ومبدعينا المتابعين؟ هي ثلاثية الياباني موراكامي 1Q84علماً بأن الرواية صدرت في 2009، أي قبل أكثر من ست سنوات. لنقل مبرر التأخر هو أحادية اللغة وانتظار الترجمة إلى العربية المتأخرة دوماً. طبعاً، كان يمكن أن يكون الأمر عادياً لو لم يكن مشفوعاً بدروس مسبقة من المكتشفين؟ عن القراءة وتخلفها في بلادنا العربية. ظاهرة غريبة هي ظاهرة التخفي وراء كاتب عالمي كبير مثل موراكامي لإظهار القيمة الذاتية المتهالكة، مع أنه لا ضرورة لذلك، لأن لا أحد يستطيع أن يكون الآخر. باستثناء التباهي المرضي بالآخر وجلد الذات دوماً والاستهانة بقدرتها على إنتاج القيمة. بل أقول إن في الموقف عنصرية مقيتة تجعل من الآخر قيمة مطلقة مع أن الثقافات العالمية علمتنا بان القيمة الإبداعية ليست قسراً على مجموعة بشرية دون غيرها، مهما كانت درجة تقدمها. لم يمنع تخلف ألبانيا من إنجاب الكاتب إسماعيل كداري، ولا انهيار الدولة في أفغانستان من ولادة روائي عالمي كخالد الحسيني، ولا منع نجيب محفوظ من الحصول على نوبل، ولا تأخّر السودان حرمها من قيمة عالمية كالطيب صالح. القيمة مطلقة، في أي مكان وأي زمان، والعرب ليسوا مستثنين منها.
حتى أن النظرة التقديسية للآخر غير مؤسسة على ثقافة أجنبية عميقة. وأستطيع، من خلال تقديم بعض النقاد العرب والمبدعين، التعميمي لرواية 1Q84، أن أجزم بأنهم لم يقرأوها، وفي أحسن الأحوال فتحوا الكتاب ومسحوه بأعينهم عبوراً لا تأملاً. لا شخصيات مدروسة. لا أحداث، لا بنية سردية، لا مكان، لا إشكالية كتابية، لا فكرة، إلا لغة فضفاضة، وقضايا فوقية عائمة يمكن أن نجدها مكرورة في كل الأعمال الأدبية وبقايا مقالات غوغل التي توصّف الرواية ذاتها.
ماذا عن ثلاثية «ملينيون» لستيغ لارسن، بعد ان تصلهم ترجمتها بعد سنوات؟ وماذا عن ثلاثية التدرجات الخمسين لغري ل: أ. جيمس. التي رفعتها الميديا إلى سقف المنتج الإنساني، فوزع منها قبل سنوات أكثر من 120 مليوناً. أستغرب عربياً من أحد النقاد العرب الذي يجزم وهو يكتشف الجزء الأول من رواية موراكامي 1Q84 أن علاقتها برواية جورج أورويل مبطنة وتكاد لا تظهر.
لا يحتاج القارئ العربي العاقل إلى جهد كبير ليدرك أن التناص يبدأ أولاً من العنوان. فقد اختارت رواية موراكامي السنة نفسها التي كتب عنها جورج اورويل روايته. وهي 1Q84 والتي تعني 1984، لسبب بسيط يمكن تفسيره بالرجوع إلى اللغة اليابانية وتصريحات الكاتب. نطق Q كيو في الإنكليزية هو نفسه نطق العدد 9 في اليابانية أي كيو. الأحداث تدور في السنة الكابوسية التي افترضها جورج أوروبل مادة لروايته. ويتجلى التأثير عميقاً خارج العنوان أيضاً، فيمس إحدى الشخصيات الأساسية، رئيس إحدى الملل المتعصبة Secte تاموستو فوكادا، فهو يشبه في كل مواصفاته بيغ بروذر أو الأخ الكبير، الذي يتماهى مع تاموستو. قصة آوومامي صاحبة الثلاثين سنة، القادمة من عائلة عضو في ملّة دينية غامضة وأستاذة الفنون القتالية، وتينغو صديق الطفولة لا تختلف كثيراً من حيث الجوهر عن جوليا ووينسطن سميث في 1984، في صراعهما من أجل تثبيت قيمة الحب في مجتمع سمته الأساسية التوحش. نرى تحولات السنة الافتراضية التي أصبحت حقيقة كابوسية التي سمتها أومامي 1Q84 من خلال نظراتهما إذ خصص موراكامي لكل شخصية جزءاً من ثلاثيته. ناهيك عن أن كل شيء يصلنا متأخراً، وعندما يصل تكون فاعليته الإعلامية نفسها قد توقفت. لأن البيست سيلر محكوم أيضاً بلحظة زمنية محددة لا أكثر. وعندما تنتهي هذه الحظة، يحل محلها نص آخر. منذ ثلاثية موراكامي جاءت نصوص أخرى للكاتب نفسه مثل تسوكورو تازاكي وسنوات حجه في 2013، أو مجموعته «رجال بلا نساء» التي صدرت في 2014. ماذا لو تسلينا وأخذنا رواية موراكامي، الكبيرة عالمياً، وغيّرنا عنوانها، ووضعنا عليها اسم أي كاتب عربي معروف؟ متأكد مليون في المئة؟ أنه؟ باستثناء النقاد الجادين والقليلين، لن ينتبه لها أحد. وإذا أظهرها النقد العربي، ودافع عنها، سيصبح الكاتب عدواً. سيشتمه سدنة الاكتشافات العظيمة، وسيشتمون كتاباته الضعيفة والمنحطة، التي تسيء الى الكتابة، وإلى مستوى الكتابة في بلاده. بالخصوص اذا افترضنا اسم كاتب معروف. لأن كل كاتب مشهور في العالم العربي هو عدو مفترض للفاشلين، أو الذين خابت ظنونهم في أوطانهم وفي العالمية التي تأتي ولا تأتي.
روايات موراكامي تجسد انهيار حداثة تأكل نفسها بقوة. ماذا لو وضعنا أمامها منجز عبد الرحمن منيف وجرأتها وصدقها، أو بعض كتابات نجيب محفوظ، أو الياس خوري، أو اسماعيل فهد اسماعيل؟ وغيرهم. لا أعتقد أننا أقل قيمة مطلقاً من الآخرين، بل قد تعلو نصوصنا العربية في بعض نماذجها. الفرق، هناك ماكينة الميديا التي ترفع وتنزل من تشاء. وهنا لا أبالية وعدم اهتمام بالميديا. لهذا، لن ترقى نصوصنا إلى أي عالمية محتملة في ظل عالمية سياسية وإيديولوجية يساعدها في ذلك سدنة الجهل والأمية المتخفية الذين لن يخفوا سر زيارة موراكامي العربي إلى إسرائيل وحصوله على جائزة أورشليم الإسرائيلية في شباط/فبراير 2009، التي استلمها من يد رئيس الاحتلال الإسرائيلي شيمون بيريس، في عز حرب غزة. وقال في كلمته التي ألقاها بمناسبة الجائزة: «نبهني البعض إلى أن مجيئي لإسرائيل هو تزكية لحرب غزة. ولكني في الأخير اتخذت قراري بالمجيء لأني كباقي كتاب الروايات، أقوم دائماً بعكس ما أنهى عن فعله».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.