بدأ تلاقينا بأنهار الدماء التى أراقتها الخلافة التركية العثمانية ، مع غزو السلطان سليم الأول ، المسمى الرهيب والقاطع، والعابس، تاسع سلاطين الدولة العثمانية، للشام ثم مصر سنة 1517 م / 923 ه .. حيث امتد حكمها فى مصر تحت عنوان الخلافة نيفًا وخمسة قرون سالت فيها الدماء أنهارًا فى مصر وباقى الأقاليم التى احتلها العثمانيون الأتراك، مثلما أُريقت الدماء فى تركيا حيث رئاسة ورأس الدولة. ولم تكن الدماء التى أراقها سليم الأول فى مصر، وشنقه طومان باى انتقامًا لدوره الوطني، على باب زويلة.. لم تكن هذه الدماء هى بداية عهد سليم الأول الذى راق له لقب أمير المؤمنين لم تكن بداية عهده بالدماء، فقد صاحبته هذه النزعة الدموية لإزاحة والده بايزيد الثانى فقام ضده بانقلاب أوصله إلى عرش السلطة بدعم من الانكشارية وخاقان القرم، وترددت بين الروايات فى تفسير موت الأب أن الابن سليم الأول قتله بالسم، وهى رواية يحلو للإسلاميين طلاب الحكم بالخلافة، أن يصفوها بأنها رواية مرجوحة، بيد أن أحدًا لم يستطع إنكار أن سليم الأول أمير المؤمنين قد بلغت به نزعته الدموية مطاردة إخوته وأبنائهم، والقضاء عليهم واحدًا تلو الآخر، حتى لم يبق له منازع فى الحكم . إثر انقلاب سليم على أبيه، أعلن أخوه أحمد العصيان، ورفض الخضوع له، وتولى حكم أنقرة فجرد سليم جيشًا لتعقبه وأرسل ابنه علاء الدين فاحتل مدينة بورصة فى يونيو 1512 م، ولكن علاء الدين بعث إلى مصطفى باشا يخبره بعزمه على توطيد نفوذه وخلع أخيه، واعدًا إياه بمنصب كبير إذ نقل إليه تحركات سليم ونواياه. وكان السلطان سليم وقد عقد العزم على القضاء على إخوته وأبنائهم ليصفو له الحكم، قد عين ابنه سليمان المسمى بالقانونى فيما بعد، حاكمًا للقسطنطينية، وخرج سليم بنفسه على رأس جيش إلى آسيا الصغري، فاقتفى أثر أخيه أحمد إلى أنقرة، الذى تمكن من الفرار منه إلى الجبال، فقام سليم بقتل مصطفى باشا شر قتلة، متهمًا إيّاه بأنه الذى نقل إلى أخيه خبر مقدمه، ثم استدار على باقى إخوته وأبنائهم، فقبض فى بورصة على خمسة من أولاد إخوته قتلهم جميعًا بمن فيهم علاء الدين الذى كان قد أرسله إلى مدينة بورصة. ثم توجه سليم بسرعة إلى صاروخان مقر أخيه قرقود، الذى فر منه إلى الجبال، ولكنه تمكن من القبض عليه وقتله! والواقع أن سليم الأول استأنف سياسة إراقة الدماء التى سنها سابقوه, وقد حدثتك سلفًا عن قيام مراد خان الأول ابن أورخان الأول بقتل ولده المتمرد عليه، وطلب من ملك الروم قتل ابنه، وكيف بدأت سياسة قتل الإخوة حتى الأطفال احترازًا من طلب السلطة، وكيف قتل بايزيد خان الأول شقيقه الأصغر يعقوب. ومع إغارة المغول بقيادة تيمور لنك على الدولة العثمانية، وأسر السلطان با يزيد، ثم وفاته بالأسر، تفرقت السلطة بين أولاده، وتمكن ابنه محمد بن با يزيد من إعلان نفسه خليفة بعد سماعه خبر وفاة أبيه فى الأسر، ولكن نازعه فيما تقدم ذكره أخوه عيسي، فسار إليه وهزمه فى عدة مواقع، وقتله فى الأخيرة منها، ولم يبق لمحمد با يزيد منازع فى آسيا الصغري، فانتدب أخاه موسى إلى أوروبا لمحاربة أخيهما سليمان، حيث نجح فى حملته الثانية فى قتل أخيه سليمان خارج أسوار مدينة أدرنة فى سنة 813 ه / 1410م، بيد أن موسى سرعان ما طمع فى الحكم لنفسه، ولكنه أخفق فى النهاية بعد أن خانه أغلب قواده وانفضوا عنه، فنجح محمد بن بايزيد فى القبض عليه، وأمر بقتله سنة 816ه /1413م، لينفرد بالمُلْك بمسمى السلطان الغازى محمد جلبي. وتولى الحكم من بعده السلطان الغازى مراد خان الثانى فى سنة 824 ه / 1421م، وصحبته المشكلات من البداية، فطالبه أخوه إيمانويل بالتعهد بعدم محاربته، وتسليمه اثنين من إخوته تأمينًا لتنفيذ هذا التعهد، وهدده بإطلاق سراح عمهما مصطفى بن با يزيد، فلما لم يجبه أخرج مصطفى من منفاه، وزوده بعشرة مراكب حربية حاصر بها مدينة جاليبولى حتى سلّمت إلاَّ القلعة ، فتركها مصطفى محاصرةً بجانب من قواته، وسار بجيشه قاصدًا أدرنة، وخاطب جنده بأنه أحق بالمُلْك من ابن أخيه، فأطاعته الجيوش وقتلت با يزيد باشا الموفد من السلطان مراد الثاني، إلاَّ أنه تعرض لاحقًا لخيانة وتخلى أغلب جنده، وانتهى أمره إلى القبض عليه، فأمر ابن أخيه مراد الثانى بشنقه . ثم إن السلطان مراد خان الثاني، حين أراد الانتقام من ملك الروم لإطلاقه سراح عمه مصطفي، لم يفلح فى فتح القسطنطينية، واضطر للرجوع بعد أن خانه أخ له يدعى مصطفى أيضًا ، ولكنه أخمد الفتنة وقبض على أخيه مصطفى ، وقام بقتله مع كثير من أتباعه، مما بث الرعب فى القلوب. تولى السلطان الغازى محمد الثانى المُلْك بعد أبيه مراد خان الثاني، إلاَّ أنه ما كاد يلى السلطة، حتى أمر بقتل أخيه الرضيع: أحمد، حتى لا ينافسه عندما يكبر على المُلْك، ودعنا من فتوحاته فهى ليست غايتنا هنا، وقد خلفه السلطان الغازى با يزيد خان الثانى ومع أنه كان صوفيًّا ميالاً للسلم، إلاَّ أنه دخل فى حروب داخلية مع أخيه جم الذى طلب بعد دخوله مدينة بورصة عنوة, تقسيم المملكة بينهما، وامتدت الحروب تنازعًا على تقسيم المُلْك، حتى انتهزها شارل الثامن ملك فرنسا للإغارة على إيطاليا لتنفيذ مشروعه فتح مدينة القسطنطينية، ويُقال إنه فى أثناء حصاره روما طلب من البابا تسليمه جم العثمانى ففعل, ويُقال إنه دس له السم قبل تسليمه إليه، وبقى مصاحبًا لجيوش فرنسا حتى مات فى جمادى الأولى سنة 900 ه / فبراير 1495 م . * نقلًا عن صحيفة الأهرام