وافق مجلس النواب فى جلسته الأخيرة على العديد من مشروعات القوانين المهمة يأتى على رأسها قانون الإجراءات الضريبية الموحد ، الهادف إلى توحيد الإجراءات على جميع أنواع الضرائب (الدخل و القيمة المضافة والدمغة ورسوم التنمية.. إلخ) وذلك سعيا لتبسيط النظام الضريبي وتسهيلا للإجراءات وتجنبا للتكرار، الأمر الذى يسهم فى رفع كفاءة الإدارة الضريبية ويساعد على حل العديد من المشكلات التى تؤثر بالسلب فى العلاقة بين الممول والمصلحة، وتحد كثيرا من التهرب الضريبى. خاصة أن الوضع الحالى يعانى الكثير من أوجه الخلل والتعقيدات والافتقار إلى المرونة، وكلها أمور أدت الى الانخفاض الكبير فى مساهمة الضرائب فى الاقتصاد القومى والضعف الشديد في الطاقة الضريبة إذ لا تزيد نسبة الحصيلة الضريبية من الناتج المحلى عن 14% وهى نسبة ضئيلة للغاية لا تتناسب مع الأوضاع السائدة، ويتميز النظام الضريبى المصرى بارتفاع نسبة التخلص من الضريبة إما عن طريق التهرب أو عن طريق التجنب, والثانى هو الذى يتم وفقا للقانون بينما يتمثل التهرب فى مخالفة القانون وعدم التقدم بالإقرار الضريبى رغبة فى إخفاء النشاط، وهنا نلحظ أنه بينما بلغ عدد الممولين بضرائب الدخل 5.325 مليون إلا أن الإقرارات الضريبية لم تتجاوز 2.408 مليون (بنسبة 45%) فيما يعتبر جريمة فى حق المجتمع يجب محاربتها بقوة. وهو ما حاول مشروع قانون الإجراءات الضريبية التعامل معها عن طريق تشديد العقوبات على عدم تقديم الإقرارات فى مواعيدها القانونية وتنظيم عملية الكشف عن سرية الحسابات. خاصة مع المحاولات العديدة لحل المنازعات الضريبية والتى بلغ وعاؤها نحو 900 مليار جنيه فصدر العديد من القوانين لإنهاء هذه المنازعات منذ 2016 وحتى الآن وتم الانتهاء من تسوية منازعات على وعاء ضريبة على الدخل بنحو 162 مليار جنيه، وكانت الضريبة المتنازع عليها 42.6 مليار وتم الاتفاق على ضريبة بنحو 13.8 مليار. ومع تسليمنا الكامل بأن الإصلاح الضريبي الكفء هو الذي يساعد على إيجاد مناخ جيد للاستثمار، مع ضمان تحقيق أكبر قدر ممكن من العدالة، ويوفر الموارد المالية اللازمة لتمويل الإنفاق الاجتماعى فى آن واحد. شريطة أن يتحقق ذلك فى إطار من التنسيق والتناغم، بحيث لا يطغى هدف على آخر. وبالتالى يجب بذل المزيد من الجهود لتوسيع المجتمع الضريبي بحيث يشمل جميع أصحاب الدخول والأرباح، إلا ما يراه المشرع فى غير صالح الاقتصاد القومي، وذلك بدلا من السياسة الحالية التى تركز على زيادة الأعباء على الممولين الفعليين، خاصة متحصلى الأجور. فعلى سبيل المثال بلغت الضرائب على الأجور والرواتب 59 مليار جنيه فى ختامى 2018/2019 وفي مقابل ذلك لم تحقق الضريبة على المهن الحرة إلا 2506 ملايين جنيه فقط، وهو مبلغ ضئيل للغاية لا يتناسب بأي حال من الأحوال مع ما تقوم به هذه الفئات من نشاط داخل الاقتصاد القومي، ومازال هناك العديد من الانشطة والقطاعات التي لا تخضع للنظام الضريبي المصري يقع معظمها لدى أصحاب الدخول العليا وأصحاب الثروات. وعلى الجانب الآخر فإن معدل الاستثمار الحالى مازال دون المستوى المأمول بل ومن المنتظر تراجعه، فى ظل الآثار السلبية لفيروس كورونا، الى نحو 11% فقط مما سيؤدي الى تراجع معدل النمو المستهدف الى 3.5% فى خطة عام 2020/2021 من هنا تأتى أهمية وضرورة العمل على جذب الاستثمارات الخاصة. من هذا المنطلق يمكننا مناقشة ما طرحه البعض فيما يتعلق بالإجراءات الضريبية، والذين يرون أنها المعوق الاساسى لهذه الاستثمارات، وهو غير صحيح على الإطلاق. فالضرائب لا تشكل عائقا أساسيا أمام القرار الاستثماري، وهو ما أكده تقرير الاستثمار العالمى والذى أشار الى عشرة مسارات للإصلاح من ضمنها الشفافية فى صنع القرار الاقتصادى، والقدرة على التنبؤ بالسياسات الاقتصادية ومدى اتساقها وتناغمها، وتحسين كفاءة وفعالية الإجراءات الإدارية، بالإضافة الى ضرورة إيجاد جهة واحدة تعمل فى مجال تسهيل الاستثمار والحصول على التراخيص وحل المنازعات وغيرها. وعلى نفس المنوال سار تقرير البنك الدولى عن معوقات القطاع الخاص فى المنطقة، مشيرا إلى أنها تكمن فى الاستقرار السياسى وصعوبة الحصول على التمويل بالإضافة إلى الفساد والتراخيص والتصاريح واتساع نطاق القطاع غير الرسمى وتزايد الجريمة. وهو نفس ما خلص إليه تقرير ممارسة الأعمال مع الأخذ بالحسبان انه يأخذ بتعريف أوسع للضرائب يشمل جميع ما تلتزم به المنشآت من رسوم وأعباء مثل التأمينات والضرائب وغيرهما. أما فيما يتعلق بسرية الحسابات فقد أجمعت الدراسات على أنها تمثل إحدى الآليات الاساسية للتهرب الضريبى، حيث يتم إخفاء الدخل الحقيقى عن الإدارة الضريبية مستغلين فى ذلك عدم قدرة الجهاز الضريبى على الاطلاع على هذه الحسابات ومعرفة الدخول الحقيقية للشركات والافراد، ولهذا السبب قامت 158 دولة و15 منظمة دولية بإنشاء منتدى عالمى لتطبيق معايير الشفافية المالية وتبادل المعلومات لاغراض الضرائب، وأصبحت البلدان معرضة لتطبيق بعض الإجراءات التحفظية اذا لم تنضم لهذا المنتدى، كما يأخذ العديد من المنظمات الدولية فى اعتباره، هذا الوضع كأحد المؤشرات فى التعامل مع الدولة، مما يؤثر في قدرتها على الاقتراض والحصول على المساعدات الفنية والمالية. وهو ما يتطلب تعديل الوضع القائم فى مصر بما يسمح باستخدام هذه الالية مع وضع جميع الضوابط والاطر المناسبة لحسن استخدام هذه الاداة.كل هذه الامور وغيرها تؤكد ضرورة إعادة النظر من جديد فى الفلسفة التى تحكم الاستثمار الخاص فى المستقبل مع تأكيد مبدأ الشفافية، وكذلك الالتزام بالاتفاقيات الدولية، وهو ما يؤدى فى النهاية الى تحسن المناخ الاستثماري. * نقلًا عن صحيفة الأهرام