الانتماء للوطن إحساس طبيعي يسري في دماء كل مؤمن بالوطن وينتمي إلى ترابه، حالة عامة يشترك فيها كل البشر مجرد أن يستمع المواطن للسلام الوطني لبلده. يعيش لحظات من التأثر تصل في كثير من الأحيان إلى درجة البكاء دون أن يفسر علم النفس وعلم الاجتماع سببا لهذه الظاهرة . في أبسط الأشياء مثل المنافسات الرياضية ترتفع درجة الانتماء إلى أعلى معدلاتها في الحروب تصعد إلى المرتبة القصوى وسط شعور عارم بالتأهب لفعل كل شىء من أجل الوطن وانتصاره. مجرد كلمات ترمز للسلام الوطني لكنها تؤثر في قلب وعقل كل غيور ومحب لبلده وترابها، وقد يمتد هذا التأثير إلى خارج أبناء الوطن وهنا أتذكر واقعة عندما كنت أحضر احتفال السفارة المصرية ب ذكرى ثورة 23 يوليو وكان الحضور يضم ممثلين لكل القوى والتيارات السياسية في لبنان يومها ذكر قيادي لبناني بعد أن استمع للسلام الوطني المصري أنه يشعر بتأثر كبير كلما استمع إلى السلام الوطني المصري وإن هذه الحالة سببها الارتباط بمصر العربية في مواقف عديدة كانت مصر فيها ملهمة ومؤثرة . في السنوات الأخيرة غادر مصر البعض واستقروا في عواصم تضمر الشر للوطن و لقاهرة المعز وعكس هؤلاء نظرية جديدة في عدم الانتماء للوطن والوقوف في الشاطىء الآخر ضده في كل المواقف والأزمات وتبرير ذلك بذرائع رخيصة ينطبق عليها دون نقاش الخيانة للتراب والأرض والعرض. في العالم الفسيح المترامي الأطراف لن تجد ألمانيا يتبنى موقف دولة معادية لألمانيا ويعقد مقارنات بينها وبين غيرها من أجل محاولة إظهار تفوق وهمي للدولة الأخرى، هذا نوع من العمالة التي تحتار اللغة في وصفها. هذا على مستوى الأشخاص المارقين الذين فقدوا عقولهم و أصابتهم لوثة العقل فما عادوا يفرقون بين الأبيض والأسود، واختلطت عليهم الألوان وشاع بينهم الفكر المسموم وهم يتباهون بأن ما يفعلونه تحديا للنظام والدولة ويتناسون بكل غباء أن الوطن يحتضن أبناءه ينعمون بنسمات الحرية والأمل في الغد المشرق وبين ضلوع الوطن يحتمي وتنعم أسر وعائلات هؤلاء المارقين دون أن يربط أحد بين وضاعة فكر هؤلاء المارقين وبينهم. لا أدري هل يكون مفيدا أن يجري أحد أساتذة علم الاجتماع دراسة عن بعض هؤلاء المارقين ويتوقف أمام ملابسات سفره وكيف كانت حياته في مصر قبل أن يرحل؟ - غير مأسوف عليه - ربما ستكشف الدراسة عن أن عددا كبيرا منهم كان لديه نوع من الرفاهية الزائدة التي قد تكون وراء بحثه عن تجربة جديدة لكسر ملل الرفاهة ولو على حساب الوطن وسمعته. في الدوحة نماذج صارخة لهذه الحالات وفي تركيا نماذج أخرى والرابط بينهما هو فقد حاسة الانتماء و محاربة مصر بوجوه لا تخجل ولا تعرف شرف الدفاع عن تراب الوطن ، وتتحصن خلف شاشات وهي تطل برائحة الخيانة والعمالة تتساوى في ذلك مع كل العملاء على مر التاريخ. هذه النماذج لم تضبط قبل رحيلها غير المأسوف عليه في مواقف وطنية أو كانت تنتمي إلى مشروع وطني مستقل بالعكس كانت مجرد نماذج عادية تمارس الحياة في مجال تخصصها بشكل طبيعي ميسورة الحال وعدد كبير منهم كان محط اهتمام وتقدير معنوي ومادي غير أن الحسابات التآمرية والتخطيط المريض دفعها إلى الاندفاع نحو المجهول ومعادة الوطن لخدمة الأنظمة التي تؤديها مثل النظام القطري الذي يحتار العقل في فهمه او توصيفه فهو نظام أحمق بكل ما تعني الكلمة يوجد حالة عداء غير مبررة مع كل الدول العربية وفي المقدمة مصر دون سبب أو منطق ودون الخوض في أسبابه ودوافعه يبقي هذا النظام أسير مشروع وأجندة ينفذها حتما ستكون نهايتها مروعة، وعند الحديث عن النظام التركي والأطماع التركية لا نامت أعين الخونة، هذا النظام الذي يستبيح الأراضي العربية في العراق وسوريا وليبيا وهناك مرتزقة تدافع عنه وتتحدث عن انتماء لمصر كل هذا هو العيب بعينه والانحطاط الاخلاقي والوطني، ومن حسن الطالع أن رصيد هؤلاء نفد وتراجعت معنوياتهم وفاقد الشىء لا يعطيه. من اليسير ذكر أسماء لهذه النوعية لكن هم لا يستحقون شرف ترديد أسمائهم ومن يستحق هذا الشرف هو كل مواطن لم يفقد حاسة الانتماء. * نقلا عن صحيفة الأهرام