من أنجح الحيل النفسية التى يلجأ إليها الإنسان فى مواجهة الأزمة، أن يعتمد على مهاراته وسماته الشخصية التى تحقق له التوازن وتؤمن له القدرة على مواصلة المواجهة وتخطى الأزمة .. وهذا تماما ما نجحت فى تطبيقه اثنتان من الفنانات الشابات اللاتى وظفن أدواتهن الفنية فى توثيق أزمة المرض بفيروس كورونا. خلود وعهود كمال الدين حسين، شابتان مصريتان تعرضتا للإصابة بفيروس «كوفيد-19» وخاضتا تجربة العزل الصحي، ونجحتا فى تجاوز المحنة. وكان من أدواتهما، اللجوء إلى مهارتهما الفنية للتعبير عن المشاعر الملتبسة فى وقت المرض وتوثيق هذه التجربة لعله يكون فيها دعم ومساندة لآخرين. تحكى خلود ( 31 عاما) عن مشروعها التوثيقي، فتقول: « أنا خريجة قسم جرافيك بكلية الفنون الجميلة ، واستخدام الأقلام والألوان فى التعبير هو أكثر ما أجيده وأحبه، ولكن لم أتصور أن تكون الأقلام والألوان أيضا سبيلا لإنقاذى خلال تجربة المرض». وتضيف خلود وهى تسرد تفاصيل تجربتها: « تأكدت إصابتى بالفيروس نهاية مايو الماضى فى أعقاب عيد الفطر، وأول ما تأكدت وبدأت مرحلة العزل المنزلي، ورد إلى ذهنى ما كان من مسيرة الفنانة المكسيكية فريدا كاهلو، التى وثقت تجربتها المرضية عبر عدد من اللوحات ، وقررت أن أقوم بمشروع مشابه». كاهلو ألهمت خلود لتوثيق تجربتها مع «كورونا» عبر سلسلة من اللوحات التى بلغت 20 لوحة، لتوثيق يوميات العزل والاعتراف بجميل من وقفوا معها وفى مقدمتهم والداها، وحتى آخر يوم فى المحنة بإعلان سلبية التحليل. ولكن هل كانت حالة خلود الصحية تسمح لها برسم لوحات متكاملة؟، تجيب الفنانة الشابة: «كنت التزم بإعداد إسكتش يومى مبدئى لتوثيق المرحلة التى أمر بها جسديا ونفسيا، ولكن التنفيذ الفعلى والنهائى للوحات، تم فى أعقاب التعافي». وحول أدواتها، فقد لجأت خلود إلى « الألوان المائية » التى ترى أنها الأقدر على التعبير عن قوة مشاعرها ومدى اضطرابها خلال هذه التجربة. وأشارت إلى أنها حاولت عدم تجاوز أى تفصيلة وتسجيل كل ما مرت به، وتحديدا مع اشتداد المرض، أو فى الأيام التى كانت تتمنى الوجود فيها مع أفراد أسرتها ولم يتحقق لها ذلك، كما فى يوم عيد ميلاد أختها الصغري. وحسب خلود ، فقد كانت دوما تسعى إلى توثيق مواقف بعينها أو مشاعر استفزتها فى حياتها اليومية، ولكن للمرة الأولى تنجح فى إعداد مشروع متكامل من سلسلة لوحات للتعبير عن تجربة بعينها وتوثيقها. ولكن بخلاف التعبير، هل كانت ل خلود أهداف أخري؟، تجيب الفنانة المصرية: «هدف آخر هو طمأنة المتابعين بأن تلك التجربة المرضية التى تبدو مجهولة ومخيفة لكثيرين يمكن أن تمر بسلام» . وتضيف مؤكدة سعادتها بردود الفعل الإيجابية التى وصلت إليها حول سلسلة اللوحات. ولكن خلود لم تكن وحدها فى تجربة المرض أو تجربة التوثيق الفني. فشقيقتها عهود ( 24 عاما) تخرجت أيضا من كلية الفنون الجميلة، واكتشفت بعد عشرة أيام من إصابة خلود شقيقتها الكبرى ، أنها أيضا تعانى من هجوم الفيروس، واختارت أن يكون توثيقها لمعاناتها المرضية، عبر وسيط مختلف بتنفيذ سلسلة من خمسة صور متحركة Gifs، بواسطة مزيج من الفتوغرافيا وتقنيات التحريك والفنون البصرية، مستغلة فى ذلك دراستها الديكور. وحول تجربتها لتوثيق يوميات العزل، تحكى عهود: «أردت أن تكون المشاهد طبيعية تماما، فظهر المحيط الذى يضمنى خلال أيام العزل دون تجهيز مسبق أو تزيين، وأردت أيضا لتلك المشاهد أن تعبر عما بداخلي، عن ما عجزت فى التعبير عنه عندما كان يسألنى أحد السؤال اليومي: حاسة بإيه؟». وتضيف عهود: « كان كل ما يرد بذهنى عند محاولة الرد على أسئلة أفراد أسرتى عن حالتى الجسدية والنفسية، صور يصعب التعبير عنها بكلمات، ولذلك رأيت التعبير عنها بصور». وحول أهم رد فعل ورد إليها، أوضحت عهود أن مصدره لم يكن الجمهور، وإنما والدتها التى حالت ظروف الحجر الصحى دون التواصل المباشر معها، وبلغها أنها تأثرت بشدة عند رؤيتها لمشروع التوثيق المصور الخاص بها. ومثل خلود ، التى تتطلع لاستخدام لوحاتها العشرين فى جهود العلاج والدعم النفسى عن طريق الفن، فالشقيقة عهود تتطلع إلى تطوير مشروعها ليوثق يوميات ما بعد « كوفيد»، ونظرتها للمستقبل فى ما بعد التعافي.. لتكون رسالة دعم لكل من يمر بالتجربة. * نقلًا عن صحيفة الأهرام