لماذا لا يعترف الموساد الإسرائيلى أن تاريخه مع مصر كان، ولا يزال، وسيظل يكسوه اللون الأسود، وأن أجهزة المخابرات المصرية لن تدعه يُبيّض ماء وجهه أمام دولته العبرية، ورغم مرور أكثر من ثلاثين عاما على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل التى وقعها كل من الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ورئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجن، لكن تل أبيب لم تتوقف عن نشاطها فى تجنيد أفراد للتخابر على المصالح القومية المصرية. القضية التى تم الكشف عن ملامحها أخيرا، لم تكن الأولى، ولن تكن الأخيرة، مادامت إسرائيل تعتبر نفسها، وقعت على معاهدة السلام من منطلق إنهاء الحرب الساخنة، وإعلان الحرب الباردة مع مصر، من خلال التجسس، لكنها تناست أن أجهزة المخابرات المصرية، لا تجعلها تهنأ بإنشاء شبكة تخابر على مصر، حتى تعكر صفوها، بإعلان الكشف عن الشبكة وأعضائها، وكافة التفاصيل الدقيقة جداً منذ التفكير فى استقطاب جاسوسيين على مصر. تاريخ التجسس بين مصر وإسرائيل يكشف أن أول جاسوسة أطلقت مصر سراحها منذ بدء نشاط الموساد فى 14 مايو 1948 تحمل اسم "بولاند هارس" المتهمة باغتيال ضابط إنجليزى فى مصر، وتم إطلاق سراحها فى 22 سبتمبر علم 1987. لكن ، لم يكد "الحبر" الذى كتبت به معاهدة السلام أن "يجف" حتى جندت إسرائيل الجاسوس عامر سلمان، من بدو سيناء عام 1982، حتى تم القبض عليه، وحكمت عليه محكمة العريش بالسجن مدى الحياة. وفى عام 1985، وجهت أجهزة الأمن المصرية صفعة جديدة بالقبض على شبكة تجسس إسرائيلية مكونة من 9 أفراد ينتمون إلى الموساد الإسرائيلى ، وكان التسعة قد دخلوا مصر على دفعتين ضمن أحد الأفواج السياحية، لكن الموساد الإسرائيلى ، حاول تبييض ماء وجهه، وقام بزرع جاسوسيين له فى المركز الأكاديمى الإسرائيلى بالقاهرة، من خلال عدد من العاملين بالمركز، لكن أجهزة الأمن المصرية، لم تمهل الموساد حتى يفيق من صفعته الماضية ، وقامت بإلقاء القبض على الشبكة الجديدة . لم يجد الموساد الإسرائيلى مفراً ، وحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من تهاوى سمعته بين الدول الأوروبية ، فقرر تحريض فتاة مصرية تدعى " سحر " على التخابر معه ضد مصر ، لكن سماح لم تغب عن ذاكرتها دماء شهداء حرب أكتوبر ، ولا علم مصر الذى رفعته مصر مرفرفاً على أرض سيناء ، وقررت إبلاغ أجهزة الأمن المصرية بمحاولة تجنيدها للتخابر على مصر لصالح إسرائيل ، وتم القبض على إبراهيم مصباح عوارة ، لاشتراكه مع أحد ضباط المخابرات الإسرائيلية فى تحريض " سحر". جاء عقد التسعينيات ، بشبكة تخابر جديدة لصالح إسرائيل ، تقمصت بطولتها الإسرائيية فائقة مصراتى ووالدها اللذان كانا يعيشان فى القاهرة ، واتضح أن فائقة ووالدها ، كان يخفيان عملهما فى التجسس خلف ستار "الدعارة" التى كانت تمارسها فائقة مع أبناء الطبقة الراقية فى حى مصر الجديدة ، ومن خلال دعارتها بمساعدة والدها ، كانت تصب المعلومات التى يجمعانها لصالح جهاز المخابرات الإسرائيلى ، حتى تم القبض عليهما. فى هذه الحين ، لم يقتنع كثيرون بأن السلام الذى تتحدث عنه إسرائيل ، ما هو إلا سلام زائف ، دونت موافقتها عليه بالحبر فقط ، دون قناعة تامة ، بأهميته ، أو قواعد احترامه ، مع مصر ، لتثبت شبكات الموساد الإسرائيلى ، أن الدولة العبرية ، لا تؤتمن ، ولا تحترم ما وعدت به ، لكن مصر لم تغفل عن تلك الحقائق ، بعدما أعادت حساباتها مرة أخرى ، فى قضية سفر أبنائها إلى إسرائيل ، ووضعت قيودا مباشرة ، وأخرى غير مباشرة ، على سفر المصريين إلى إسرائيل ، لكن الهدف المنشود من تلك القيود ، توجيه صفعة جديدة للموساد الإسرائيلى ، بأنه لن يستطع استقطاب مصريين فى إسرائيل للعمل معه ، لكن ليته اكتفى بالصفعات السابقة لتلك الصفعة. كانت قضية الجاسوس الإسرائيى عزام عزام، من أشهر القضايا التى استخدمت فيها إسرائيل الأنشطة الاقتصادية لتتجسس على مصر من خلال تجنيد بعض ضعاف النفوس لجمع المعلومات عن كافة الأوضاع فى مصر ، وكان ذلك فى 1996 ، عندما كانت الاستعدادات تسير فى مصر على قدم وساق لاستضافة المؤتمر الاقتصادى للشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، بمشاركة إسرائيل ، وتمكنت المخابرات المصرية من اعتقال عزام عزام الذى كان يعمل مديرا لمصنع إسرائيلى مصرى للنسيج فى القاهرة. حاولت إسرائيل مع مصر طى صفحة القضية ، بطلبها الإفراج عن عزام ، لكن حكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة 15 عاما ، والحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة بحق شريكيه المصرى عماد إسماعيل ، والإسرائيلتين الهاربتين زهرة يوسف جريس ، ومنى أحمد شواهنة ، ووقتها اتهمت أسرة عزام "اليهودى" بإهمال قضية ابنهم رغم الخدمات العظيمة التى قدمها للدولة العبرية بالتخابر على مصر. ومن أشهر قضايا الجاسوسية كانت قضية الجاسوس «سمير عثمان» فى أغسطس 1997 عندما سقط فى يد رجال الأمن أثناء قيامه بالتجسس مرتدياً بدلة غوص، حيث كانت مهمته التنقل عائما بين مصر وإسرائيل بعد أن جنده الموساد، واعترف بأنه تم تجنيده عام 1988 على يد الموساد بعد أن ترك عمله فى أحد الأجهزة المصرية، حيث سافر إلى اليونان والسودان وليبيا ثم إلى تل أبيب، حيث جهز له الموساد 4 جوازات سفر كان يستخدمها فى تنقلاته، وأثناء تفتيش منزله عثر على مستندات هامة وأدوات خاصة تستخدم فى عمليات التجسس التى قام بها وفى الربع الأخير من عام 2000 تفجرت قضية الجاسوس المصرى المهندس شريف فوزى الفيلالى، وتتلخص قضيته ، بأنه سافر لاستكمال دراسته فى ألمانيا ، وتعرف خلال إقامته بها ، بامرأة يهودية ، قامت بتقديمه إلى رئيس قسم العمليات التجارية بإحدى الشركات الألمانية الدولية ، والذى ألحقه بالعمل بالشركة وطلب منه تعلم اللغة العبرية تمهيدا لإرساله للعمل فى إسرائيل ، لكنه فشل فى تعلم العبرية وسافر إلى إسبانيا بحثا عن فرصة عمل قيمة لكونه كان يعشق الثراء السريع وتزوج من امرأة يهودية ، وتعرف عن طريقها على ضابط بجهاز المخابرات السوفيتى السابق ، والمتهم هو الآخر فى القضية ، وبدأت لقاءات الفيلالى مع ضباط الموساد ، إلى أن نجحت أجهزة المخابرات المصرية فى القبض عليه ، وكانت أشهر قضية تجسس مع بداية عام 2000 وحكم عليه بالسجن 15 عاما. قضية الفيلالى كشفت الستار عن حجم المأساة التى يعانيها الشباب الذى يحلم بالثراء السريع مهما كانت وسائله ، شرعية كانت أم عرفية ، حتى لو جاء حساب الوطنية ، كما كشفت الستار – أيضا – عن مدى الصراع بين قيم وعادات مجتمع مصرى " مسالم" وبين قيم دنيئة ، يريد أن ينشرها العدو الذى لا يحترم وعداً مهما تنوعت بنوده ، لكن هدفه واحد ، وهو اختراق هذا البلد. قضية تجسس أخرى أحبطت قبل أن تبدأ وهي قضية مجدي أنور توفيق، الذي حكم عليه بالسجن 10 سنوات أشغالاً شاقة للسعي للتخابر مع الموساد الإسرائيلي ووجهت له أجهزة تهمة السعي إلى التخابر مع دولة أجنبية وأيضا تهمة التزوير في أوراق رسمية حيث قام المتهم بتزوير شهادة من الأمانة العامة للصندوق المصري للتعاون الفني مع أفريقيا التابع لوزراء الخارجية تشير إلى عمله كوزير مفوض على غير الحقيقة، واعترف الجاسوس أنه قام بالاتصال بالقنصلية الإسرائيلية بالإسكندرية عن طريق الفاكس مبرراً أنه كان يريد عناوين بعض الأجهزة الدولية. تحليل ما سبق يكشف أنه على مدار أكثر من 50 عاما ماضية ، لم تحاول دولة أيا كانت ، أن تتخابر على مصر مثلما حاولت إسرائيل ، وبالتدقيق فى ذلك ، يتضح أن السبب لا يخرج عن كونه رعباً ، وفزعاً ، من مصر ، لأن مسيرات الحياة تثبت أن أى أحد لا يسأل ، ويحاول التخابر على أحد غيره ، إلا إذا كان متخوفاً مما يفكر فيه ، ويحاول وضع سيناريوهات عدة ، لمواجهة ما يمكن أن يقوم به تجاهه ، لكن الحظ السيئ ، كان ، ولا يزال ، وسيظل ، ملاحقاً لأية دناءات قد تقوم بها إسرائيل مجدداً بالتخابر على مصر.