لا يوجد أحد في العالم لم يتضرر نفسيًا وذهنيًا وماديًا، بنسب متفاوتة من فيروس كورونا . ولا يكتفي الكثيرون بالضرر الذي لحق به، ويضاعفه بيديه، من خلال انتظار الأسوأ والاستعداد له نفسيًا وأحيانًا بشراء ما يلزم لمريض الكورونا ووضعه بالمنزل. ويقال، عن حق، إن وقوع البلاء (أهون) من انتظاره، فانتظار البلاء يجهد القلب والعقل ويسرق الصحة النفسية ويؤثر بالسلب على صحة الجسد ويضاعف التوتر والعصبية والعدوانية ، فيفسد على صاحبه حياته الأسرية والاجتماعية، فلا أحد سيتحمله وسيخسر الكثير من علاقاته، وتزداد سيطرة التفكير السلبي عليه واجترار ما يؤلمه وتضخيمه، ليسهل لأي فيروس النيل منه.. حفظ ربي الجميع.. لا ننكر الخوف (الطبيعي) من حدوث الأسوأ من كورونا وغيره، شرط أن يكون ذلك دافعًا للمزيد من الحذر والاهتمام الأكبر بالأخذ بالاحتياطات وللوقاية وألا يصل لدرجة الهلع.. مع ملاحظة أن الهلع (أسرع) بالانتشار من محاولات زرع الطمأنينة في النفوس، فالأول لا يستلزم أي جهد، فيكفي الاستسلام له كالنزول من منحدر، بينما زرع الطمأنينة أو أي شيء يستلزم الوعي والمثابرة حتى ينبت الزرع وتصبح له جذور (راسخة) لا يسهل اقتلاعها. لذلك نوصي (بالفرار) من أي تلميحات توحي بأن الكارثة تحيط بنا وتوشك أن تلتهمنا، وسواء أكانت بكلام مباشر مع من نتقاسم الحياة معهم، أو عبر الفضائيات أو مواقع التواصل الاجتماعي، فالكثيرون يفعلون ذلك للتخلص من مخاوفهم (بإلقائها) على الآخرين، والبعض يفعل ذلك بوعي أو بدون وعي لجذب انتباه الآخرين وزيادة نسب المشاهدة وعدد المعجبين، وآخرين يجذبهم (الفراغ) لفعل ذلك، ولا يفكرون بالتأثير الضار لما يفعلونه على غيرهم، فكل ما يهمهم قتل الفراغ وإن تسبب في الأذى.. لذا فكل منا مسئول عن نفسه نفسيًا كما هو مسئول عن نفسه صحيًا.. لا أحد يستطيع منع نفسه من التفكير بالأسوأ سواء لنفسه أو لمن يحب، خاصة مع تزايد الإصابات، ولكننا نستطيع (حرمان) هذا التفكير المنهك بالسيطرة علينا وبالإقامة في قلوبنا وعقولنا، وتذكير النفس بأن معظم مخاوفنا السابقة لم تحدث، وما حدث منها لم يكن "بالبشاعة" التي انتظرناها، والأهم أن الأبحاث والدراسات الموثوق بها أكدت أن هناك الكثيرين الذين أصيبوا بكورونا ولم يشعروا بأعراضه ولم يعانوا منها وتعافوا و(نجوا) منه وهذا أمر مطمئن.. كما أن نسب من يتعافون منه في العالم تزداد بل إن بعض البلاد التي شهدت (ذروة) كورونا وتضررت منه كثيرًا بدأت بالعودة تدريجيًا مع مواصلة الالتزام بكل إجراءات الوقاية.. يجب تذكر أن نسبة الوفيات منه ليست (مخيفة) جدًا كما نتوهم، ففي إحصائيات نسبة الوفيات اليومية بالعالم نجد أن 150 ألف شخص يموتون يوميًا وفقًا لبحث أجري منذ 3 سنوات، ولا شك أنه زاد، ومنهم 49 ألف شخص بسبب أمراض القلب والأوردة و26 الفًا بسبب مرض السرطان، أما كورونا فمات بسببها 2205 أشخاص يوميًا ببداياته ليصل إلى 7 آلاف ونص في ذروة انتشاره.. كما أن الانتباه للأعراض في بدايتها والمسارعة بالعزل المنزلي وتناول الغذاء الجيد والاهتمام بالنوم لساعات جيدة (واليقين) بالشفاء بمشيئة الرحمن وتناول الأدوية التي يصفها الطبيب كل ذلك سيسارع بالشفاء. متع ربي الجميع بالصحة وأبعد عنكم كل الأمراض.. ولننتبه، فإن توقع الإصابة لا قدر الله - بكوورنا وانتظار ذلك يضرنا، فمع زيادة القلق تتناقص فرصنا بالفوز بنوم جيد واستراحات نفسية وجسدية خلال اليوم، ولن نتمكن من تناول جيد للطعام وكل ذلك يضعف الجسد، وإذا تعرض من يفعل ذلك للفيروس سيكون جسده لا قدر الله- منهكًا جدًا وسيزيد من فرص بقاء الفيروس وربما عرضه للمضاعفات، وما كان أغناه عن ذلك بالتوقف إلى الأبد عن التفكير في الأسوأ والبقاء منشغلًا بما يفيده، وألا يقع في الخطأ (القاتل) بإيقاف حياته حتى انتهاء كورونا، التي يبدو واضحًا أنها ستستمر لبعض الوقت.. ولنركز جيدًا بما يمكننا فعله بالوقت الحاضر وليس بما نتمناه ولنتعلم من " جوستين باتي " الرائعة، وهي سيدة بريطانية صماء عمرها 42 عامًا لم تكتف بالضيق من انتشار كورونا وارتداء الناس للكمامات، وما تلي ذلك من حرمانها هي وابنتها (10 أعوام) التي تعاني مثلها الصمم من التواصل مع الآخرين لارتدائهم الكمامات وعدم مقدرتهما على قراءة حركات الشفاه كما كانتا تفعلان سابقًا.. ابتكرت جوستين كمامات بغطاء بلاستيكي شفاف عند منطقة الفم، ونفذت عدة أشكال منها وعرضتها على مواقع التواصل الاجتماعي وتقدم العديد للشراء منها، واستفاد منها كبار السن الذين يعانون ضعف السمع واشتراها أهل بعض الأطفال المصابين بالتوحد الذين يخافون ممن يرتدون الكمامات العادية.. صرحت جوستين: لم أكن أهدف لجمع المال؛ بل أن أجعل حياة ابنتي أسهل فقد قلقت لعدم تمكنها من التعامل مع الناس ما لم تكن قادرة على قراءة شفاههم.. وهو (واجبنا) على أنفسنا، بأن نسعى لجعل حياتنا أسهل عامة، وبأوقات الأزمات ومنها كورونا خاصة، حتى لا نساعد الأخيرة ونؤذي أنفسنا بأيدينا أليس كذلك؟