سنظل لأعوام قادمة نتحدث ونستعيد بفخر واعتزاز التأثير الكبير والممتع، الذي تركه مسلسل "الاختيار" في عقل ووجدان المصريين، الذين التفوا حوله وتفاعلوا معه بكل ذرة وخلجة في أنفسهم؛ لأنهم كانوا يتابعون شخصيات واقعية عظيمة من لحم ودم، كتبوا سيرتهم العطرة بصنيعهم المجيد، وفاق ما عاصروه ومروا به في حياتهم وعملهم الخيال الخصب لأي مؤلف، مهما كانت براعته الفائقة على رسم أبطال أعماله الفنية والدرامية، وتطعيمها بالإثارة والتشويق. فالمصريون امتزجوا وذابوا مع كل تفصيلة ومشهد من مشاهد "الاختيار" وكانوا داخل العمل وليس خارجه، ويترقبون، وكأنهم يقفون أمامهم، ما سيقوم به الشهيد أحمد منسي ورفاقه، وملاحقتهم بلا هوادة للتكفيريين وبؤر الإرهاب في سيناء ، وما سددوه من ضربات وصفعات مؤلمة لخوارج عصرنا وكيف جن جنون التكفيريين من وقع تلك الصفعات وأثرها عليهم وعلى محركيهم من خلف الستار، وسعيهم المتواصل للنيل من منسي، وفشلهم الذريع في تحقيق ذلك بفضل عزيمة وصلابة رجال قواتنا المسلحة، وشاهدنا كيف دافع هؤلاء الرجال الشجعان عن مواقعهم، ولم يسمحوا لتكفيري أن يقترب منها ويدنسها بقدمه القذرة، وقاتلوا ببسالة حتى الرمق الأخير، ولنا في ملحمة "البرث" نموذج دال على ما سلف. تماهي المصريين مع الاختيار جعلهم يتمنون في قرارة أنفسهم أن يكونوا قريبين منهم ويشاركوهم بعضًا من بطولاتهم الأسطورية، فمنسي ورفاقه كانوا مثالًا ناصعًا للشجاعة والإقدام والثبات والتفاني؛ لأن ما يحركهم ويزيدهم قوة وتصميمًا إيمانهم بعقيدة سليمة، وأنهم أهل حق مبين بدون أدنى شك. عقيدتهم الحق جعلتهم لا يهابون ولا يخشون شيئًا، ويتسابقون بنفس راضية مطمئنة لتقديم التضحية تلو الأخرى دفاعًا عن وطنهم وترابه المقدس، وتحولوا إلى أيقونات للشرف والعزة والكرامة يهتدي بها من سيأتي بعدهم من أجيال سوف تتسلم الراية منهم، بينما اختار أعداؤهم الجبناء سبيل الضلال والبهتان والمتاجرة بالدين والتخريب واللهث خلف الملذات الشخصية، والسبايا والجواري والمتع الدنيوية في أخس وأحط مظاهرها وصورها. ولم يكن التفاف المصريين حول الاختيار سوى تعبير عن مدى ارتباطهم بجيشهم العظيم وعشقهم له، ذلك الجيش الساهر على حماية أمننا القومي، ولا يكف عن التطوير والتحديث، حتى في أحلك الظروف والأوقات التي تمر بها البلاد، ويعد رجالا متمسكين بالعهد وقادرين على إنهاء ودحر من يواجههم. جيش اتخذ من البناء والتعمير طريقًا لا ولن يحيد عنه، وتجولوا بأبصاركم في المحافظات واحصوا ما أقيم فيها من مشروعات تنموية وعمرانية في السنوات الماضية؛ بغرض تحسين أحوال المواطن، وأن يعيش حياة كريمة، وتعويضه سنوات طويلة حُرم فيها من أبسط احتياجاته وفرص العمل وسماع شكواه وأنينه، ويكفينا كمثال - من بين أمثلة عديدة بالإمكان إيرادها - مواجهة ظاهرة العشوائيات والمناطق الخطرة بحسم وحزم، وانتشال الآلاف من براثن الفقر والعوز وتردي الأوضاع الصحية، ولم يكن افتتاح الرئيس السيسي مشروع "بشائر الخير 3" بالإسكندرية الأسبوع الماضي سوى حلقة جديدة في جهود الدولة المصرية المضنية للقضاء على هذه الظاهرة غير اللائقة بمصر وشعبها وتاريخه المجيد والممتد في التعمير. وبحكم تاريخهم العريض في البناء والتشييد، فقد اختار المصريون الوقوف في صف جيشهم وشرطتهم المدنية، وقيادة يلمسون في كل لحظة قدر تفانيها وإخلاصها في صون الوطن وتعميره، والتصدي لجحافل المخربين والساعين للمساس بالأمن القومي المصري، ومَنْ يحاول تغييب الناس وسرقة وعيهم، مثلما تفعل جماعة الإخوان الإرهابية التي يستقي المتطرفون والإرهابيون من أفكارها المغلوطة والشاذة المبرر والسند لمهاجمة مؤسسات الدولة المصرية، وتنفيذ عملياتهم الإرهابية الوضيعة ضد القوات المسلحة والشرطة المدنية. لهذا يُقدر المصريون التقدير المستحق والواجب الذين يضحون دون انتظار لأي مقابل لأجل توفير الأمن والاستقرار لهم، ويؤمنون مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، ويعدون العدة لازدهاره ونمائه وليس لهدمه وتخريبه، وإعادة عجلة الزمن للوراء باتجاه زمن سحيق، وأجاد "الاختيار" خلال حلقاته بشهر رمضان الفضيل في كشف الوجه الحقيقي للتكفيريين وتعرية أفكارهم الشيطانية مقطوعة الصلة بالدين الإسلامي الحنيف، وكم كان عبقريًا المشهد الأخير الذي جمع بين النجم أحمد السقا الذي قام بدور المحقق، والإرهابي هشام العشماوي الذي جسده الفنان أحمد العوضي، ولخص الحوار على لسان السقا القضية، وأوضح بجلاء فساد وخراب معتقداتهم الواهية المضلة. لقد ترك منسي ورفاقه ومن سبقهم على درب الشهادة إرثًا مشرفًا وتاجًا يُزين رؤوسنا ورؤوس أسرهم حتى يوم الدين، فهم مؤمنون مخلصون لدينهم وبلدهم، وجنود وفرسان حملوا لواء الحق، فسلام على شهدائنا الأبرار الأحياء عند ربهم يرزقون وفي وجداننا، وتعظيم سلام لجنود وضباط القوات المسلحة والشرطة المصرية الساهرين على أمننا وتأمين حدودنا ورد كل خطر يتهدد بلادنا.