تغريدة غامضة، صورة مصحوبة بتعليق مبهم، رد فعل مفاجئ، أو حركة "يوجا" استعراضية بعد إحراز هدف، كلها ممارسات مثيرة للجدل والتساؤل، تخرج عن النجم المصري محمد صلاح ، لاعب ليفربول الإنجليزى، الذي تباينت الآراء حول موقفه الأخير، وعدم حضوره حفل تسليم جوائز الأفضل في إفريقيا، الذي استضافته بلاده، وما زاد الأمور تفاقما وغموضا، هو عدم تقديم صلاح أسباب عدم حضوره، ما فتح فرصة لإلقاء سهام النقد في وجه اللاعب الذي وصل لمكانة لم يسبقه إليها لاعب مصري وعربي، وبات هناك سؤال ملح يطرح نفسه وهو كيف يفكر محمد صلاح ؟ وجاءت الإجابة من علماء النفس بأن اللاعب تحولت عقليته من العاطفة إلى الاحترافية . بين العاطفة والاحتراف، يؤكد علماء النفس أن محمد صلاح الذي ظهر في مباراة الكونغو الديمقراطية، بالتصفيات الإفريقية المؤهلة إلى كأس العالم 2018، غلبت العاطفة على الاحترافية في تصرفاته، ولعل صورة اللاعب عقب إحراز منتخب الكونغو هدف التعادل قبل نهاية المباراة بدقيقتين، لاتزال عالقة في الأذهان، حيث جلس على ركبتيه وضع يديه على رأسه معربا عن حزنه خوفا من ضياع حلم التأهل إلى المونديال، ثم وقف سريعا ولوح بيديه إلى الجمهور، ليثير حماسهم وهو ما يبث الروح في نفوس اللاعبين، وبالفعل تحقق الحلم بأقدام صلاح الذى سجل هدف الفوز من ركلة جزاء، أعقبته فرحة هستيرية وخلع اللاعب قميصه وجرى فى اتجاه الجماهير. تغريدة صلاح أما الآن، فإن الاحترافية الممزوجة بالقليل من اللامبالاة ، تفوقت على العاطفة في تصرفات صلاح، والدليل أنه لم يخرج ويوضح للجماهير سبب عدم حضوره الحفل، بل نشر صورة عبر "إنستجرام"، تشير إلى كيفية التحكم بالذات عن طريق 5 أشياء هى: التحدث مع الذات، الاعتقاد، طريقة النظر للأحداث، العواطف، والسلوك. كال الكثيرون الاتهامات على صلاح، بينهم فئة اتهمته بالغيرة، كونه لم يحصل على الجائزة التى ذهبت إلى السنغالي ساديو ماني زميله في ليفربول، وهم أيضا من قارنوا بين موقف مانى مع صلاح الذي نال الجائزة في آخر عامين، وقتها حرص اللاعب السنغالى على الحضور لمشاركة صلاح فرحته بالتتويج. هناك فئة أخرى رأت ضرورة وجود صلاح في الحفل، واعتبروه كمصرى "صاحب الفرح"، وكان عليه أن يوجد للترحيب بالضيوف، ويعطي الحفل ثقلا، فضلا عن أن وجوده كان ضروريا لدعم السياحة في بلاده، خصوصا أن الحفل أقيم في مدينة الغردقة السياحية، وسبقه مباراة احتضنتها منطقة الأهرامات الآثرية، بين أساطير العالم وأساطير إفريقيا. فئة ثالثة التمست العذر للاعب في عدم حضوره، مهما كانت الأسباب، بداعى أن صلاح تعرض لمضايقات كثيرة من اتحاد الكرة فى مصر، وأنهم لم يقدروا قيمة شاب نجح فى وضع اسمه بين كبار كرة القدم في العالم، خصوصا بعد وصوله إلى القائمة النهائية لجائزة أفضل لاعب فى العالم 2018، ومن قبلها ذاع صيته فى الدورى الإنجليزى وبات معشوق جماهير ليفربول، بسبب إنجازاته وتربعه على عرش هدافي الفريق، وحصوله عدة مرات على جائزة لاعب الشهر، والأهم هو أن صلاح قاد فريقه الإنجليزى للفوز بلقب دوري أبطال أوروبا. ومع كل موقف أو أزمة، يكتفى صلاح بالرد عبر حساباته على مواقع التواصل، وفى وقت انشغلت فيه الجماهير بمتابعة الحفل وسط تساؤلات عن أسباب غياب صلاح والتعاطف مع مانى الذي احتفل وحيدا بجائزته على مسرح التتويج، خرج "مو" ونشر صورة لابنته "مكة" عبر حسابه على "إنستجرام"، وكتب عليها:«أما جائزة أفضل لاعب ل"دون أن يكمل"». هذه الصورة كانت بقصد السخرية من حصول اتحاد الكرة المصرى على جائزة أفضل اتحاد في إفريقيا، وصعود هانى أبوريدة رئيس اتحاد الكرة السابق، لاستلام الجائزة فى وجود الرئيس الحالى عمرو الجناينى، برغم أن أبو ريدة ومجلسه قدموا استقالة جماعية، على خلفية الخروج المخزي لمنتخب مصر الأول من دور ال 16 لكأس الأمم الإفريقية الأخيرة. تغريدة صلاح كما جاءت تهنئته لصديقه ماني مقتضبة، حيث اكتفى بوضع صورة اللاعب السنغالي وكتب عليها: " مبروك يا أخي"، في حين أكد البعض، أن صلاح أبلغ ماني قبلها بعدم الحضور وأوضح له الصورة كاملة. أسباب عديدة تناقلتها وسائل الإعلام حول عدم حضور صلاح، إما لأسباب إعلانية، أو لوجود عائلته في ليفربول في نفس توقيت الحفل، أو حتى لأنه لايزال غاضبا من موقف اتحاد الكرة، الذي خذله في عملية التصويت في استفتاء الاتحاد الدولي لأفضل لاعب في العالم. لكن الواضح، أن هناك أزمات مخفية بين محمد صلاح واتحاد الكرة، وهو ما تكشف عنه تعليقات اللاعب على مواقع التواصل الاجتماعى، هذه التعليقات تظهر الغضب والاحتقان الكامنين في نفسه تجاه مسئولى الكرة في بلاده، حتى إن عرّضه ذلك للهجوم، بداعى أن طلباته من اتحاد الكرة غير منطقية، ولابد أن يعامل مثله مثل أى لاعب فى المنتخب. قبل نحو عام ونصف العام تقريبا، بدأت الأزمات بين صلاح واتحاد الكرة، وتحديدا في معسكر استعداد المنتخب لخوض منافسات كأس العالم 2018 في روسيا، وظهر للقاصي والدانى كم المخالفات والعشوائية التى ضربت المعسكر، وأكد شهود أنه تحول إلى سوق مفتوحة للزبائن، لدرجة أن اللاعب لم يتمكن من مغادرة غرفته لتناول الطعام بأمر مسئولي الأمن. قبلها نشبت أزمة كبيرة بسب وضع صورة صلاح على طائرة المنتخب، بالمخالفة للحقوق الإعلانية المرتبط بها اللاعب، أحداث أخرى كثيرة تتابعت، أبرزها ما أثير حول طلب اللاعب تخصيص حارس شخصي له أثناء وجوده في المعسكر. في كل مرة كان صلاح يرد بطريقته على "السوشيال ميديا"، وفي كل مرة يزداد الجدل، خصوصا أن بعض تعليقاته تكون انفعالية بصورة مبالغ فيها، لا تتناسب مع عقلية اللاعب الاحترافية ، كما يردد هو دائما بكلمة mentality، أي العقلية، قاصدا أن هناك فارقا واسعا بين ما يدور في كرة القدم عالميا، وما يفعله اتحاد الكرة في مصر، إلا أن هذ الكلمة تحديدا فتحت الباب للسخرية من صلاح ولقبوه ب "المنتاليتى". استخدم الكثيرون من رواد مواقع التواصل الاجتماعي هذه الكلمة ضد اللاعب في كثير من المواقف، منها عندما دافع عن زميله عمرو وردة وقت أن كان متهما بالتورط فى واقعة تحرش، أثناء وجوده مع منتخب مصر فى كأس الأمم الإفريقية، ووصفه رواد مواقع التواصل ب "منتاليتي التحرش"، وفي أثناء عدم حضوره حفل أفضل لاعب وصفوه ب "منتاليتي النفسنة". الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسى، أكد قبل تحليله لطريقة تفكير محمد صلاح وردود أفعاله، على وجود حقائق مخفية لا يعلمها أحد، يمكن أن تتعلق بعقود إعلانية أو توتر في علاقته مع اتحاد الكرة وغيرها، لكنه أشار إلى أن سلوك اللاعب أصبح سلوك محترف، تختلف تصرفاته حاليا عن البدايات، وقال ل "الأهرام العربي"، أنه بات يتحكم في انفعالاته ولا يتأثر بردود الأفعال من حوله، فضلا عن أنه يراجع نفسه قبل أي رد فعل. لكن المؤكد أن الاحترافية لا علاقة لها بأن يقوم صلاح بحذف هويته كلاعب كرة مصرى، من على صفحته الشخصية على "تويتر"؟، وهو ما فعله اللاعب عندما اخطأ اتحاد الكرة في التصويت على جائزة أفضل لاعب في العالم، ورد فرويز على هذا التصرف قائلا، إن نجم ليفربول كان يشير إلى هوية اتحاد الكرة وليس بلده مصر، خصوصا أن له تصرفات تؤكد اعتزازه بهويته ووطنيته، آخرها عندما تعمد أن يتشح بعلم مصر ويجول في أرجاء الملعب، بعد فوز فريقه ببطولة كأس العالم للأندية بالدوحة، بل وتعمد أن يقول في تصريح تليفزيونى، إن فخور كونه لاعبا مصريا، وأن بلاده هي صاحبة الفضل فيما وصل إليه، ويتمنى أن يعود مع منتخب "الفراعنة" للمشاركة في كأس العالم هناك. صلاح الذي نشر صورة له عبر "تويتر"، وهو يقرأ في كتاب يظهر جزء من غلافه، شغل الملايين التي ملأها الشغل لمعرفة هوية الكتاب الذي يقرأه أحد أفضل لاعبى الكرة في العالم، وتوصلت إلى عنوان الكتاب "فن اللامبالاة "، وكانت هذه الصورة كافية لأن تنطلق مبيعات الكتاب كالصاروخ، ويبدو أن فن اللامبالاة بات منهجا فى حياة اللاعب، لكن هذا لا يعنى تجاهل محبيه وخسارة جماهيريته. نقلا عن مجلة "الأهرام العربي".