حينما تنتشر بيننا مشاعر المحبة والاهتمام والحرص على بعضنا تصبح الحياة أجمل وأنقى, فلا قيمة للحياة التي نعيشها ولا معنىً لها دون وجود مشاعر الحب والرحمة بين الناس؛ فالحب هو أسمى المعاني والقيم الإنسانية، خاصّةً إذا كان هذا الحب نقيًّا طاهرًا بلا غاية مادية أو مصلحة شخصية, حينها يكون هذا هو الحب في الله. ما هو الحب في الله يختلف معنى الحب في الله سبحانه تعالى عن معاني الحب الأخرى وأشكاله؛ فمن نعم الله العظيمة علينا أن جعل بيننا رابطة عظيمة تربطنا يبعضنا، ونتقرّب من خلالها إليه، ألا وهي رابطة الحبِّ في الله، والحبُّ في الله هو أن يحبّ المرء أخاه حبًا صادقًا مخلصًا, وليس من أجل مصلحةٍ زائلةٍ، بل من أجل القيم الإيمانيّة التي تجمعهما كأن يجتمعا على فعل الخير أو الحث عليه أو يجتمعا على طاعة أو عبادة ما، فيكون هذا الحب طريقًا لهما إلى الحب الأكبر؛ وهو حب الخالق جل وعلا والذي يوصلهما إلى الجنة. عَنْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ "صلى الله عليه وسلم" يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ فيَقُولُ: "الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، يَغبَطُهم النَبيُّون والشُّهَداء". قل له إنك تحبه والحبُّ في الله له مظاهر سلوكيّة تعبِّر عنه وتترجمه، ويترتب عليه آثار عظيمةٌ على الفرد وعلى المجتمع، ومن هذه المظاهر التي تعلمناها من نبينا أن نخبر من نحب بهذا. يقول النبي "صلى الله عليه وسلم": " إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته في منزله، فليخبره أنه يحبه لله" - رواه أحمد وعندما أمر النبي "صلى الله عليه وسلم" بالإخباربذلك الحب، فلأن هذا يوجب زيادته، فإن عرف أنك تحبه أحبك بالطبع لا محالة، فإذا عرفت أنه أيضًا يحبك زاد حبك، فلا يزال الحب يتزايد من الجانبين ويتضاعف، فتحصل البركة، ويعم الخير، ونقبل النصيحة من بعضنا, فالتحابب بين المسلمين مطلوب في الشرع ومحبوب في الدين. ومما يزيد ذلك الحب بينكما أن تدعوه بأحبّ أسمائه إليه في غيبته وحضوره، وعن هذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ثلاث يصفين لك ودّ أخيك: أن تسلّم عليه إذا لقيته أولًا، وتوسّع له في المجلس، وتدعوه بأحب الأسماء إليه. ومن مظاهر الحب في الله أيضًا أن تثني عليه بما تعرف من جميل صفاته؛ سواء بينك وبينه أو بين الناس، وما أجمل أن تثني عليه بين الناس حتى في غيابه. ثمرات هذا الحب للحب في الله ثمرات حلوة يجنيها المتحابون من ربهم في الدنيا والآخرة منها محبته سبحانه وتعالى لهم، ويزداد حبه سبحانه وتعالى لأشدّهما حبًا لصاحبه. يقول نبينا: "زار رجل أخًا له في قرية، فأرصد الله له ملكًا على مدرجته، فقال: أين تريد؟ قال: أخًا لي في هذه القرية، فقال: هل له عليك من نعمة تريدها؟ قال: لا إلا أني أحبه في الله، قال: فإني رسول الله إليك أخبرك أن الله أحبك كما أحببته" رواه مسلم ومن ثمرات هذا الحب أيضًا أنهم في ظلّ عرش الرحمن. فعن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه قال - قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": "سبعة يظلهم الله تعالى يوم لا ظلّ إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلّق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه". ومن أجمل ثمرات الحب في الله أن المتحابين هؤلاء وجدوا حلاوة الإيمان الحقيقي. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال - قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": "من سرّه أن يجد حلاوة الإيمان، فليحبّ المرء لا يحبه إلا لله ". وهم بهذا الحب في الله إلى الجنة يدخلون؛ حيث النعيم الدائم بلا تعب ولا حزن ولا مرض. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال - قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم". المتحابون.. كيف هم في الجنة؟ وبعد أن اجتمعوا في الدنيا على حب الله، هاهم يلتقون في الجنة ويجتمون مرة أخرى، وجوههم تشع كاللآلئ، ولهم منابر عالية مشرقة بنور يخطف الأبصار، مطمئنين سالمين من أي خوف، حتى إن النبيين والشهداء يغبطونهم ويتمنون مقامهم وحالهم هذا، فهم الأقرب إلى الله سبحانه وقد حظوا بنوره جل وعلا الذي يهدي اليه من يشاء من عباده. فعن أبي مالك الأشعري قال: كنت عند النبي "صلى الله عليه وسلم" فنزلت عليه هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" (المائدة 101)، قال فنحن نسأله فقال: "إنّ لله عبادًا ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم النبيون والشهداء بقربهم ومقعدهم من الله يوم القيامة." قال: وفي ناحية القوم أعرابي فجثا على ركبتيه ورمى بيديه، ثم قال: حدثنا يا رسول الله عنهم من هم؟ قال: فرأيت في وجه النبي "صلى الله عليه وسلم" البِشر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هم عباد من عباد الله من بلدان شتى، وقبائل شتى من شعوب القبائل لم تكن بينهم أرحام يتواصلون بها، ولا دنيا يتباذلون بها، يتحابون بروح الله، يجعل الله وجوههم نورًا ويجعل لهم منابر من لؤلؤ قدام الناس، ولا يفزعون، ويخاف الناس ولا يخافون" - رواه أحمد والحاكم وصححه الذهبي. حب لا ينقص بالجفاء هذا الحب الجميل معياره القرب من الله وطاعته، لا يزيد بالبرّ ولا ينقص بالجفاء كما قال يحيى ابن معاذ الرازي: "حقيقة المحبة أنها لا تزيد بالبر ولا تنقص بالجفاء" وهو توافق في السلوك والرأي، وفيه يحب كل طرف للآخر ما يحبه لنفسه وربما أكثر مما يحب لنفسه؛ وهذا هو الإيثار، وليس فيه حسد ولاغيبة، وفيه من التراحم والتعاطف، وكذلك فيه مشاركة في الحزن والفرح وأيضا تبادل الزيارات والهدايا؛ كما علمنا نبينا حين قال "تهادوا تحابوا". وقد وصف الله تعالى المتحابين في قوله: "و لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " – سورة الحشر. أجمل حكايات الحب في الله من أروع حكايات الحب في الله ما قاله أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "كنا في الهجرة وكنت أشعر بالعطش الشديد، فجئت بمذقة لبن فناولتها للرسول "صلى الله عليه وسلم" وقلت له: اشرب يا رسول الله، فشرب النبي - صلى الله عليه وسلم - حتي ارتويت". ومن حكايات الحب في الله أيضًا ماحدث في يوم من الأيام عندما غاب رسول الله "صلى الله عليه وسلم" عن خادمه ثوبان، وعندما جاء، قال له ثوبان وهو يبكي بحرارة: أوحشتني يا رسول الله، فقال له النبي "صلى الله عليه وسلم": أهذا ما يبكيك يا ثوبان؟ فرد مجيبًا: لا يا رسول الله، ولكنني تذكرت مكانك في الجنة ومكاني، فذكرت الوحشة.. فنزل قول الله سبحانه وتعالي: {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [69] سورة النساء. وللامام الشافعي رحمه الله حكاية جميلة في الحب في الله، فقد آخى محمد بن الحكم، وكان يقرّبه ويحبه في الله قائلًا: ما يقيمني بمصر غيره. وحين مرض محمد عاده الشافعي قائلا: مرض الحبيب فعدته * فمرضت من حذري عليه و أتى الحبيب يعودني * فبرئت من نظري إليه وعن الحب في الله يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إنّ أخاك الصِّدق من كان معك * ومن يضُرُّ نفسه لينفعك و من إذا ريب الزّمان صدعك * شتّت نفسه ليجمعك فما أجمل أن نلتقي في الدنيا على طاعة الله وحب الخير لبعضنا، فننعم بمحبة الله ونخلد في جنته سبحانه وتعالى مع من نحب.