منغوليا الداخلية.. من هنا مر جنكيز خان قاهر الجيوش ومؤسس أكبر دولة في الشرق قديما استمرت عشرات السنين، وامتدت من المحيط الهادئ شرقًا حتى روسيا وبلاد الفرس والأراضي العربية غربًا، حيث تعتبر محافظة منغوليا الداخلية من أكبر محافظاتالصين، وتمتد من الشمال الشرقي إلى الشمال الغربي، وتحتل مساحة تقترب من مليون و18 ألف كيلو متر مربع، وتحوي أكبر أربعة مناطق صحراوية في الصين الحديثة ويقطنها 25.2 مليون نسمة مكونة من 55 مجموعة عرقية أبرزها المنغول، والهان، ومانشو. منغوليا الداخلية إمبراطورية جنكيز خان كانت تتخذ من منغوليا الداخلية مقرًا لحكمها، وكانت تلك الإمبراطورية تخطط لابتلاع العالم القديم، حتى نجح المصريون بقيادة القائد المظفر سيف الدين قطز وشجاعة مساعده الظاهر بيبرس البندقداري في وقف زحف جيوش المغول، في موقعة عين جالوت الشهيرة عام 1260 ميلادية، وفي ذلك الوقت لقن الجيش المصري العالم درسًا في دحر الجيش الذي لا يقهر وأجبره على التقهقر والتقوقع داخل الصين وأراضي منغوليا والشرق الأقصى مرة أخرى، لتكون نهايتها بعد سنوات قليلة. دروب جيوش المغول "بوابة الأهرام" كانت هناك، سارت في الصحراء الشاسعة على الدروب التي سلكتها الجيوش المنغولية وهي تزحف من الشرق إلى الغرب ومن الشمال للجنوب، خاصة صحراء كوبوتشي سابع أكبر صحراء في الصين، التي تحولت إلى جنة خضراء بفضل جهود الحكومة الصينية في استصلاحها وزراعتها بمختلف المحاصيل والأشجار، وأيضًا تثبيت الكثبان الرملية خصوصًا بجوار النهر الأصفر الذي يقطع المحافظة من الغرب للشرق، لحماية الزراعات والثروة الحيوانية من التصحر والعواصف الرملية، وإن كان لم يحالفنا الحظ للذهاب إلى ولاية أودوروس وزيارة ضريح خان العظيم، والذي يقال إنه للقائد جنكيز خان ويحكي قصة حياته منذ أن كان بدوي هائم منبوذ حتى أصبح أعظم قائد عسكري عرفه التاريخ القديم في الشرق الأقصى، وإن كان أحدًا لا يعرف مكان جثمانه الحقيقي حتى الآن. منغوليا الداخلية صحراء كوبوتشي وصحراء مصر المعجزة التي شهدتها صحراء كوبوتشي، تؤكد مدى حكمة الصينيين وصبرهم، وتفسر كيف تبوأت الصين هذه المكانة العالمية، وتنافس الولاياتالمتحدة القطب الوحد على صدارة المشهد، إنهم يتجهون إلى الصحراء وهناك تذكرت الصحراء الشاسعة في مصر وكيف أننا نعيش على 7% فقط من المساحة الإجمالية لأرض الكنانة، وكيف أنه من الممكن أن نستفيد من الخبرات الصينية في استصلاح الصحراء باستخدام التكنولوجيا، خصوصًا وأن مصر مقبلة على مستقبل جديد واعد مع إنشاء عاصمة جديدة في وسط الصحراء تحتاج إلى استصلاح المساحات الصحراوية من حولها من الدلتا شرقًا وحتى قناة السويس غربًا، وإنشاء مشروعات زراعية عملاقة تعظم من الدخل القومي وترفع المؤشرات الاقتصادية. تقدير أممي الحكومة الصينية أسست شركة ضخمة لتعمير الصحراء، ومكافحة التصحر وحماية المدن والمساحات الخضراء من العواصف الرملية، والتي كانت تهاجم البشر والحيوانات كل فترة مع هبوب الرياح وتحرك الرمال لكي تحدث مشاكل نجحت الحكومة الآن في التقليل منها لدرجة أنها اختفت تقريبًا، كما فتحت المجال أمام الأفكار التنموية وشجعت الاستثمار الأجنبي في الصحراء، وهو ما حاز تقدير عالمي، حيث أكد الرئيس الصيني شي جين بينج خلال كلمته في افتتاح الدورتين السونيتين للبرلمان والمجلس الاستشاري لمجلس نواب الشعب مارس 2018، أن الأممالمتحدة اعترفت بالإنجاز التي تحقق في صحراء كوبوتشي، وفقًا لاتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD)، وأن ما تحقق على الأرض في منغوليا الداخلية أحد إنجازات الصين الرائدة في تحسين البيئة الإيكولوجية. منغوليا الداخلية دول الحزام والطريق تشكل الصحاري خمس مساحة العالم تقريبًا 36 مليون كلم مربع، وعلى طول دول الحزام والطريق، يعاني أكثر من مليار شخص بأكثر من 60 دولة من التصحر أكبر مهدد لرفاهية الإنسان بل تعتبر سببًا في زال حضارات مثل الحضارة البابلية ببلاد الرافدين، حيث تسبب انتشار الصحارى وتآكل التربة في تدهور الظروف المعيشية، وتسعى الصين من خلال مبادة الحزام والطريق، إلى تقديم يد العون للدول المتشاركة معها والخبرات التكنولوجية لمكافحة التصحر، وتعقد في يوليو من كل عام مؤتمر لمناقشة سبل مكافحة التصحر تدعو دول المبادرة لحضوره. التصحر حول مدن صينية إلى رماد ووفقًا لأرقام رسمية صينية، تعتبر الصين من الدول التي تأثرت بشدة من التصحر، حيث تبلغ المساحات الصحراوية حاليًا 2.61 مليون كلم مربع تمثل 27% من إجمالي مساحتها البالغة 10 مليون كلم مربع تقريبًا، فيما تدهورت أراضي زراعية بسبب التصحر بلغت 1.72 مليون كلم مربع تمثل 17.9% من إجمالي المساحة، وتقع معظمها في غرب الصين على طريق الحرير القديم، ما أدى إلى موت النباتات والأشجار وجفاف بحيرة لوب نور الشهيرة وتحول مدينة لولان بأكملها إلى رماد، لكن منذ 1994 بدأت الحكومة الصينية في محاصرة ظاهرة التصحر وإيقافها بل واستصلاح مساحات أخرى، ما جعل العاصمة بكين وتيانجين أكبر مدنها الاقتصادية تنجو من العواصف الرملية العنيفة التي كانت تدمر كل شيء في طريقها من قبل. منغوليا الداخلية قوس النجاح الذي تحول إلى مصدر خراب كوبوتشي في اللغة المنغولية تعني "قوس النجاح"، وذلك لأنها كانت قبل 100 عامًا أرضًا نابضة بالحياة تعج بالغابات ومصادر المياه المفتوحة، حيث عاش أسلاف قبائل الهنود الشماليون والهون حياة مزدهرة، معتمدين على مياه الأمطار، نظرًا لأن المنطقة مرتفعة عن مستوى النهر الأصفر 20 متر تقريبًا، وفي عهد أسرة وي الشمالية الحاكمة، تم قطع أشجار الغابات ونقلت المراعي لأماكن أخرى بهدف زراعة المنطقة بالمحاصيل، إلا أن كوبوتشي وقعت ضحية التصحر وزحف موجات الرمال نتيجة الإخلال بالنظام البيئي، ما أدى إلى هجرة أهلها على موجات إلى مناطق أخرى في أواخر عهد أسرة تشينغ وبداية عهد جمهورية الصين، ما أدى إلى ممارسة الرعاة الرعي الجائر للحشائش والنباتات. بحر الموت ومصدر خراب قبل 30 عامًا، كان كوبوتشي "بحر الموت" بلا طرق أو نباتات، ومصدر خراب للمناطق المحيطة ومصدر انطلاق العواصف الرملية التي لا نهاية لها، باعتبارها واحدة من ثلاثة مصادر رئيسية للعاصفة الرملية التي كانت عادة ما تضرب العاصمة بكين، وكان ينظر إليها على أنها "حوض من الرمال معلق فوق العاصمة"، ما كان يؤدي إلى القضاء على الأخضر واليابس في بكين وتيانجين وهيبي بارقة أمل وسط كل هذا الخراب كانت هناك بارقة أمل، وهي خزان المياه الجوفي الضخم على عمق أقل من 4 متر تحت الأرض، إلا أن المهمة كانت شاقة مع انتشار الرمال المتحركة التي يبلغ ارتفاع بعضها 100 متر وقت العواصف التي كانت تهاجم النهر الأصفر والزراعات المحيطة به ب 80 مليون طن متري من الرمال سنويًا، وكان الناس يعيشون في فقر مدقع مع دخل سنوي يقدر ب 400 يوان صيني سنويًا للفرد، فقد كان يتعين على الأسرة المكونة من 4 أو 5 أفراد استخدام بطانية واحدة. باستخدام التكنولوجيا في استصلاح الأراضي، نجحت الحكومة الصينية على مدار 30 سنة، من خلال الشركة الحكومية التي أسستها، في تثبيت الكثبان الرملية على مساحة 6000 كلم مربع ثم زراعتها على الأمطار والمياه الجوفية، ما أنتج ثروة بيئية تقدر ب 500 مليار يوان، وأصبحت قادرة على تحمل البيئة بعد بناء شبكة بنية أساسية كاملة تتكون من الطرق والكهرباء ومياه الشرب والاتصالات السلكية واللاسلكية والإنترنت، استفاد منها أكثر من 100 ألف مواطن استمتعوا بظروف المعيشة الجديدة وفرص العمل المتوافرة، لدرجة أن وزارة البيئة الصينية حددت صحراء كوبوتشي كقاعدة للابتكار في الاقتصاد الأخضر ومكافحة التصحر.