لم يخل اجتماع المجلس الأعلى للثقافة أمس من إشارات سياسية واضحة، عكست أمرين، الأول استمرار مخاوف المثقفين المصريين من وجود رئيس ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين على رأس السلطة، بسبب المواقف المحافظة التي تبنتها الجماعة عبر تاريخها من حرية الفكر والإبداع. وكذا تفاقم شعور المثقفين بالخوف على الرغم من عبارات الاطمئنان التي وجهها الرئيس في كلمته الموجهة إلى الشعب المصري في نفس توقيت اجتماع المجلس والتي لم تخل بدورها من تأكيدات على حماية حرية الفكر والرأي والتعبير والإبداع. والأمر الثاني الذي عكست لائحة الفائزين بجوائز الدولة يتعلق بالإصرار على منح الجوائز لمبدعين ناهضوا القوى الأصولية وقوى الإسلام السياسي مثل السينارست وحيد حامد الذي عمل على تعرية خطاب الجماعات الأصولية في أعماله وأبرزها (الإرهاب والكباب، طيور الظلام، ومسلسل الجماعة) كما فاز بجائزة النيل في الآداب الكاتب ابراهيم أصلان الذي حمله ممثلو الإسلام السياسي مسئولية نشر رواية "وليمة لأعشاب البحر" للكاتب حيدر حيدر في عام 2003. وهي الأزمة التي تجلت فيها المواجهة بين التيار المدني والتيار الديني وعكست بدورها صور الاستقطاب الحاد مثلها في ذلك مثل أزمة الروايات الثلاث التي سحبها من الأسواق وزير الثقافة السابق فاروق حسني وحمل مسؤلية نشرها للكاتب الكبير محمد البساطي، الذي فاز أيضا بجائزة الدولة التقديرية، هذا العام وكان قد تحمل بشجاعة نادرة مسئولية نشر تلك الروايات على الرغم من تخاذل جهة النشر ممثلة في هيئة قصور الثقافة في موقف تجلت فيها تناقضات دولة مبارك بشأن حرية الرأي والإبداع وسعيها إلى استمرار الاستقطاب السياسي والفكري والعمل على استمراره لصالح هيمنتها على الطرفين . وتجلت في اجتماع المجلس الأعلى للثقافة، روح المواجهة التي يرغب أعضاء المجلس في حسمها خارج خطاب الوعود والتطمينات، بحيث تنعكس في نصوص دستورية قاطعة وظهر ذلك جليًا في البيان الصادر عن الاجتماع وفي تعليقات الكاتب جمال الغيطاني عضو المجلس، إصراره على مواجهة مساعي حركة الإخوان المسلمين لإضفاء طابع محافظ على مؤسسات الثقافة في الدولة، حيث رأى الغيطاني أن فرض أي اسم علي المثقفين من خارجهم، سيجابه بموقف حازم يرفض فيه المثقفون التعامل مع الوزير الجديد، كما هدد بموجة استقالات جماعية من المجلس الذي يعد قلب الوزارة النابض وبرلمان المثقفين. لذلك سيطرت الأجواء السياسة علي الاجتماع وفرضت نفسها بقوة، خاصة مع عودة رموز النظام السابق لاستنئاف عضويتهم في المجلس والتعبير عن مخاوفهم من تيار الإسلام السياسي، مجددا على الرغم من غيابهم عن الاجتماع في العام الماضي، إلا أنهم عادوا بزعم الخوف علي مدنية الدولة وانتقدوا التشكيل الجديد للمجلس الذي "أقصي" بعضهم. وقال مصطفي الفقي في الاجتماع إن تلك التشكيلة الجديد، أقصت علي الدين هلال الذي وصفه ب"واحد من أبرز أساتذة العلوم السياسية في العالم العربي". من ناحية أخرى، أعرب العديد من الكتاب عن مخاوفهم من أن يتغلغل تيار الإسلام السياسي في مؤسسات الدولة وخصوصاُ الثقافية منها، مشيرين إلي التشكيل الأخير للمجلس لعضوية لجان الأعلي للثقافة ضمن خطة إعادة الهيكلة التي وضعت للمجلس، وقالوا إنها جزء من هيمنة ذلك التيار. وكان لافتاً تنصل الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة سعيد توفيق من ذلك التشكيل الذي تم قبل توليه المنصب في مارس الماضي، كما تخلي بسهولة عن خطة إعادة الهيكلة التي وعد بأن يقوم بتعديلها والقيام بإصلاحات هيكلية في قوانين المجلس الداخلية ومعايير منح الجوائز التي وصفها هو في بداية الجلسة ب"بغير الواضحة أو المنضبطة"، تحت ضغط النقد الموجه من بعض الأعضاء وعلي رأسهم جابر عصفور الأمين العام السابق للمجلس وزوير الثقافة السابق الذي انتقد وبشدة مسألة تعديل اللائحة الداخلية للمجلس، محذرًا من إجراءات غير قانونية قد تشوب الاجتماع. وعلى الرغم من الآمال التي علقها مثقفون عن إمكانية، إحداث تغيير في آليات منح الجوائز وطرق الترشيح وجهاتها، إلا أن الاجتماع الأخير، جاء محبطا في هذا الشأن مع تكرار وصول مسؤلين في جهاز الدولة لقوائم الترشيح، وهي حالة تجلت بوضوح مع صابر عرب وزير الثقافة الذي استقال خصيصا ليضمن الجائزة، كما تجلت في الإصرار على عودة اسم وزير الإسكان فتحي البرادعي لقوائم المرشحين ولم يخفف وصول أسماء مثل (عمار علي حسن وأحمد النجار وحسن طلب ومحمد البساطي) تحسب على المعارضة التي قادت المواجهة مع نظام مبارك، إلى لائحة الجوائز من هذه الملاحظات وأكد أن وزارة الثقافة بحاجة إلى تغييرات جذرية تحرر جوائز الدولة من إطارها القديم.