الملك فؤاد وابنه فاروق وأم كلثوم .. كانوا أول هواة لجمع العملات في مصر. فهناك من تستهويهم العملات القديمة إلى حد الهوس؛ لأنهم يرون أنها ثروات تزيد قيمتها بمرور الزمن، وهناك من يرون أنها تحمل نقش التاريخ على وجهيها، ولذلك فاقتناؤها أكبر بكثير من سعرها مهما كانت فئتها ضئيلة. "بوابةالأهرام" تكتشف ما قيمة تلك العملات، ومن هم الذين يهتمون بامتلاكها فى ركن الدولاب القديم الذى تمتلكه جدتي، كنت أرى صندوقًا خشبيًا صغيرًا، وعندما أفتحه أجد أوراقا صفراء، وقصاصات صحف قديمة، وخيوطا متناثرة، وبعض عملات معدنية وأخرى ورقية ليس لها سعر في سوق اليوم، ولكنها تفوح بما هو أهم من السعر الذي كانت علامة عليه. توقفت أمام هذه العملات قليلًا، ربما لأن أشكالها تختلف عن تلك التى كنت أقتنصها منها كمصروف يومي. وخلال عشرين عامًا لاحقة، كنت أرى على أرصفة وسط القاهرة رجالا مرصوصة أمامهم عملات تشبه تلك التى كنت قد رأيتها قديما في صندوق جدتى، لكنها أكثر عددا وتنوعًا. وعرفت أنهم تجار عملات قديمة، وبسبب كثرة ما صادفته أثارني الفضول لأعرف قيمة تلك العملات التى توقف إصدارها، ومن هم الذين يهتمون بامتلاكها، وكيف تحولت النقود لسلعة تُباع وتشترى. وكان اللقاء مع المهندس مجدي حنفي، صاحب موسوعة وكتالوج العملات المصرية، والذي قام بتأصيل الهواية تاريخيا، حيث استهل قائلا: "قديما كان التجار اليهود يقصون أطراف العملات المعدنية المصنوعة من الذهب والفضة، وعندما تتكون كمية كبيرة منها يقومون بصهرها لتصبح ذهبا خالصا أو فضة خالصة. ولكن عندما اكتشف التجار تلك الطريقة الماكرة لجئوا لتحصيل أموالهم عن طريق وزنها وليس عدها. أى أن يطلب التاجر 500 جرام من العملات الذهبية بدلا من 70 درهما مثلا. وفي أثناء الحرب العالمية الثانية، ارتفع ثمن الذهب والفضة كثيرا، فكان التجار اليهود يجتمعون فى موسم القطن للبيع والشراء ولممارسة طريقتهم القديمة في اقتناص الذهب عن طريق قص لأطراف العملات للاستفادة من فرق العملة خلال أزمة الحرب، وعندما تنبهت الحكومة في مصر لهذا، أصدرت عملة جديدة (فئة قرشان 2,8 جرام، عيار 5,00 ) مسننة الشكل، لتصبح القيمة الشرائية أكبر من قيمة المعدن، بدلا من عملة القرشين 2,8 جرام، عيار 8,33، وكانت هنا قيمة المعدن أعلى من القيمة الشرائية للعملة، وذلك حتى تحافظ على الفرق بين العملة وقيمة المعدن، وهذا يعني أن التجارة فى العملات بدأت قبل الهواية! ويرى "مجدي" أن هواية جمع العملات القديمة تتشابه كثيرا مع هواية جمع التحف واللوحات والأنتيكات وكل ما هو قديم ويمكن امتلاكه، مؤكدًا أن الملكين فؤاد وفاروق كانا من أبرز الشخصيات التى هوت جمع العملات، وكذلك أم كلثوم، و"غيرهم كثيرين، حتى وصل عددهم اليوم فى مصر إلى 1000 هاوٍ". وبحسرة واضحة يقول "المفروض إن عدد الهواة يزيد 100 مرة ضعف العدد الموجود حاليا". ويضيف، مع الوقت الهواة يتحولون إلى مستثمرين، ويقومون بشراء وبيع العملات مرة أخرى، و 1000 شخص هو عدد كبير نسبيا فى سوق العملات لم نصل له من قبل لكن من الممكن أن يزيد العدد، خاصة أن الظروف الحالية تسمح بزيادة العدد أكثر. ويكمل حنفي: " قبل الأزمة العالمية، كان هناك نسبة صغيرة من الهواة والمستثمرين، وبعد الأزمة العالمية زاد العدد واتجهوا للتجارة فى العملات لأن لها سمعة بأن سوقها مضمونة، بدلا من إضاعة الفلوس فى مشروع يمكن أن يخسر. ويحكي حنفي، صاحب ال 52 عاما، قصته مع "العملات" قائلًا: "بدأت هواية جمع الطوابع منذ 40 عاما. كنت طفلا وقتها وكنت سعيدا بالهواية الجديدة، ومن خلالها قرأت تاريخ بلدي وعلاقة الحكام بالبلد، ولم يكن هناك مرجع وقتها، فكنت أسجل نقاط وملاحظات، وفى قرابة 15 عاما عملت أول موسوعة للعملات المصرية تحكي تاريخ العملات وكل ما يرتبط بها، وأخذت الموسوعة جائزة الجمعية الأمريكية للبنكنوت بأمريكا، وجائزة كتاب العام 2004 والجائزة التشجيعية 2005، وبتتكون الموسوعة من 3 أجزاء، 2 تم إصدارهم بالفعل والثالث على وشك" . وحول كيفية تحوله من مجرد هاو يبحث عن عملات قديمة ليقتنيها إلى مستثمر فى هذا المجال يشتري ويبيع، يقول: " لما فكرت فى الزواج، قررت أن أبيع مجموعتي، وعندما قمت بعرضها وجدت عملات أخرى وعروضا مختلفة، فاشتريت مرة أخرى وبعت الزيادات، وكونت صداقات كثيرة، وبدأت أبيع وأشترى وربحت منها وتزوجت، وفى عام 2000 أنشأنا جمعية لأصدقاء العملات والطوابع ". ويعتقد الكثيرون أن وزن العملة ونوعها أو حتى تاريخها قد يكون سببا فى ارتفاع ثمنها، لكن حسب تأكيد حنفى، فإن الندرة هى العامل الرئيسي فى ارتفاع ثمن العملة "وهناك شرطان للندرة؛ أولهما، عدم توافر العملة، وثانيهما، زيادة الطلب عليها، وبالتالي يرتفع سعرها". ويرى أن الاستثمار فى هذا المجال آخذ فى النمو فيحكي: " عندما انهارت البورصة، كان كل الناس تعرضوا لخسائر، وكان هواة جمع العملات جزء من الناس، فاحتاجوا لأن يبيعوا العملات التى يمتلكونها من أجل الحصول على المال، وعندما حدث اتجاه كبير للبيع، أصبح العرض أكبر من الطلب فانخفضت الأسعار، وعندما استقرت عادت لمعدلاتها الطبيعية وأقبل الناس على الشراء، فأصبح هناك إغراء أكبر للإستثمار والبيع والتربح " . من جانبه يؤكد شريف دلاور، أستاذ الإدارة وخبير الاقتصاد بجامعة العلوم والتكنولوجيا التابعة لجامعة الدول العربية، أن هذا النوع من الاستثمار يعتبر استثمارًا سلبيًا، لأن "اقتناء العملات القديمة مثله مثل إقتناء أي شىء قديم، والشخص الذى يقوم بشراء اللوحات والأنتيكات لايهدف إلى بيعها مرة أخرى، ولايمكن اعتباره جزءًا من النشاط الاقتصادي". ويكمل دلاور " كان الناس يتجهون لاقتناء الذهب على هيئة ذهب خالص أو مجوهرات أو عملات تهمل صور جورج السادس وإدوارد الثامن أو عملات إمبراطور النمسا أو العملات المكسيكية من 150 عاما، وهذا نوع من حفظ الأموال فى معدن -الذهب- الذي لاتقل قيمته ". ويرى دلاور أنه رغم انتشار المنتديات والمجموعات البريدية على الإنترنت لبيع وشراء العملات القديمة داخل مصر وخارجها، إلا أنه استثمار ضئيل جدا بين مجموعة من الأفراد كبيع وشراء الفراشات المحنطة والكتب القديمة، ولايمكن اعتباره استثمارًا كبيرًا أو حتى له سوق اقتصادية. وبحسب موسوعة العملات المصرية، فإن الخمسين قرشا كانت هى أول عملة مصرية تم إصدارها فى عهد الخديوى عباس حلمي الثاني عام 1899، وكان يتم فيها الاعتماد على مصمم أجنبي وتطبع فى مطبعة برادبري ولكنسون بلندن، وطبعت أول عملة مصرية فى مطبعة البنك المركزي عام 1967، وكان المصمم صابر أحمد سعيد هو أول مصمم مصري، صمم فئة ال 50 جنيها عام 1993 و 100 جنيه عام 1994، وشهدت مصر إصدارات خاصة من العملات، منها غوردون باشا، التى ظهرت في أثناء محاولة القائد الإنجليزى إجلاء القوات المصرية من السودان بعد انتصار ثورة المهدي هناك، فحوصرت قواته وقطعت عنهم الإمدادات ونفذت الأموال من خزائنه، فاضطر غوردون إلى إصدار أذون تصرف من خزانة الخرطوم أو مصر، واعتبرت هذه الأذون أول عملة ورقية فى مصر والسودان . وفى عام 1938 أصدر الملك فاروق 20 ألف جنيه ذهبًا من فئة جنيه و نصف الجنيه و20 قرشا، بمناسبة زواجه من الملكة فريدة، وكان الملك فاروق آخر حاكم وضع صورته على أوراق البنكنوت في مصر.