شهدت قطر إحدى حلقات برنامج "مناظرات الدوحة" وجاء الحوار ساخنًا بنفس مستوى سخونة الأجواء في قطر حيث تجاوزت درجة الحرارة الأربعين واشتدت الرطوبة. ففي جامعة جورج تاون بالمدينة التعليمية، ذات المباني المتنوعة بين الحديثة والمستلهمة لتراث المعمار الإسلامي، بضواحي الدوحة نظمت مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع الحلقة الثامنة من "مناظرات الدوحة" بعنوان "هل الرقابة على الفنون تسفه تلك الفنون؟" والتي تبث اليوم عبر تليفزيون هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي ورلد" وادار النقاش الإعلامي البريطاني المخضرم تيم سيباستيان. وقد تعرضت النقاش إلى الرقابة على الفنون والإبداع في زمن الربيع العربي والذي ثار فيه بعض شعوب المنطقة من أجل حريتهم وكرامتهم الإنسانية وقد انتصر الحضور لفكرة حرية الإبداع على اعتبار أن الرقابة هى نوع من فرض الوصاية على الفكر والفن وتقييد لحرية الإبداع حيث جاءت نتيجة تصويت الحضور، وهم جمهور مختلط من العرب والأجانب المقيميين في قطر معظمهم طلاب جامعات، برفض رقابة الدولة على الفنون والفكر بنسبة 58 % في حين أيد 42 % الباقية فكرة الرقابة على اعتبار أنها تمثل حماية للمجتمعات من بعض الأفكار أو الانفلات الأخلاقي أو الخوض في بعض الأمور التي تمس الحساسية الدينية والثقافية ،مثل رسوم الكاريكاتير الدنماركية المسيئة للرسول الكريم محمد (ص)، وخاصة في المجتمعات المحافظة بمنطقة الخليج والشرق الأوسط. وقد أصرّت الأكاديمية العراقية- الأمريكية ندى شبوط، مؤرخة الفنون ومديرة وأستاذه معهد الدراسات الثقافية العربية والاسلامية في جامعة نورث تكساس بقطر، على ضرورة احترام "الإطار المحلي والحساسية الثقافية"، لا سيما في جامعات الخليج التي استحدثت أخيرا برامجا لتعليم الفنون الحديثة. على اعتبار أن الحساسية الدينية والثقافية لا يمكن غض الطرف عنها في مجتمعاتنا العربية وحتى في بعض السياقات الغربية. وقد اعتبر بيتر فلورنس، مؤسس ومدير مهرجان هاي للثقافة والفنون الذي انطلق في ويلز ببريطانيا عام 1988 قبل أن يتوسع إلى خمس قارات، أن فكرة الرقابة "غبيّة ومهينة" ولم ولن تنجح. وقال: "يمكنك قتل الفنان، لكن لا يمكنك قتل الفن، فهو يحيا في أذهان الجمهور". ومضى إلى الجدل بأن "الرقابة لا تسفّه الفنون، بل تضرّ بها أيضا.. والأسوأ من ذلك أنها قاتلة". وقد كانت نات موللر الناقدة الفنية ومديرة أحد المتاحف والمقيمة في مدينة روتردام بهولندا من أشد المعارضين من بين ضيوف الحلقة الأربعة للرقابة باعتبار أنها تضر بالإبداع وشاركها الرأي الموسيقي وعازف البيانو السوري المقيم بأمريكا مالك جندلي. ورأى مالك، والحائز على جائزة حرية التعبير عام 2011 من مجلس العلاقات الأمريكية-الإسلامية عن أغنيته الشهيرة "وطني أنا" والتي انتقم النظام السوري من والديه بضربهما ضربًا مبرحًا بسببها، أن الفن تعبير عن الحياة وأن الرقابة هى نوع من السيطرة وحجب للمعرفة المكفولة للإنسان بشكل كامل وغير منقوص أو خاضع للرقابة.