حزن خيّم على جميع سكان حي سخا بمحافظة كفر الشيخ، فبدلًا من الاحتفال بحلول العام الجديد، التف الجميع في ذهول وهول حول بقاع الدماء التي غرقت فيها أم مع أطفالها الثلاثة.. لتشهد المحافظة في ليلة رأس السنة جريمة قاسية، عُرفت إعلاميًا ب "مذبحة كفر الشيخ"، لتنخلع القلوب من هولها ومما وصلت إليه الإنسانية، بعدما ادعى الزوج بأنه فوجئ بعد عودته إلى منزله، في آخر أيام عام 2018، بزوجته وأبنائه الثلاثة مذبوحين داخل شقتهم السكنية، في ظروف غامضة. ترجع تفاصيل الواقعة عندما تلقى مدير أمن كفر الشيخ بلاغًا من أحد الأطباء، يفيد بأنه حال رجوعه من عمله ودخوله المنزل وجد زوجته وأطفاله الثلاثة مذبوحين وغارقين في دمائهم، فانتقل مدير الأمن ومدير المباحث وعدد من ضباط البحث الجنائي وبمعاينة الشقة لم يتم العثور على أي كسر في أبوابها أو النوافذ التي تطل على الشوارع أو منافذ المناور. ومن هنا بدأت الشكوك تحوم حول الزوج، وبتضييق الخناق حوله، انهار أمام مدير الأمن وضباط المباحث واعترف بجريمته معللًا ذلك بوجود خلافات بينه وبين زوجته، مما جعله يفقد عقله ويتجرد من إنسانيته ويتخلص من زوجته بخنقها بحبل الستارة ثم طعنها، ومن بعدها اتجه لأولاده الثلاثة وذبحهم واحدًا تلو الآخر، وزعم أنه قتل أولاده حتى يرتاحوا. وبعد ارتكابه الجريمة، استولى على المشغولات الذهبية الخاصة بزوجته لتضليل جهات البحث والإيحاء بأن الحادث بدافع السرقة، وأرشد عن السكين المستخدمة وحبل الستارة والمشغولات الذهبية بمكان إخفائها بالجزيرة الوسطى بطريق كفر الشيخ – المحلة. جريمة دخيلة على المجتمع المصري فى البداية علق الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، فقال: "أصبحت الجرائم وإزهاق الأرواح في تزايد بسبب عدم الخوف من حساب ولا عقاب، وتتعاظم بشاعة الجريمة بأنها تتصل بذوي أرحام من الدرجة الأولى، فالأبوة عطاء، ومن المؤسف أن يزهق الأب أرواح أولاده مهما كانت الظروف، فسيدنا نوح عليه السلام، مع أن ابنه رفض الإيمان ورفض أن يركب معه السفينة، الأبوة الصادقة دفعت بسيدنا نوح أن يستغيث بالله، فلم يتمن لابنه الموت، ولذلك كرر عليه السلام قبل أن يغرق "يا بني اركب معنا". واستكمل "كريمة": "هذه الجريمة بشعة.. كيف يقدم زوج على قتل زوجته مهما كانت الدوافع والبواعث، فهي أمانة لديه، حيث قال النبي، صلى الله عليه وسلم "استوصوا بالنساء خيرًا"، لكن في غياب ثقافة التلاحم المجتمعي والدفء الأسري وما يجب أن يكون بين ذوي الأرحام، فأصبح الأمر في ضجيج المادية والنرجسية وشيوع روح الاستهانة وكلها نظر شؤم في هذا الزمان، فقد قال الرسول أيضًا: "دماؤكم وأعراضكم وأموالكم عليكم حرام".. لذلك الجريمة بشعة بكل المقاييس وأحسب أنها دخيلة على المجتمع المصري الذي مازالت به بقايا خير". تصنيف الجريمة وفي السياق نفسه أضاف الدكتور جمال فيروز، استشاري الطب النفسي، "نحن نصنف جرائم القتل في الطب النفسي حسب ظروف ارتكابها، ففي هذه الواقعة هناك احتمالين، الأول نشخص فيه مرض الأب مرتكب الجريمة بأنه "اضطراب تشككي" فيكون المريض عنده ضلالات وفكرة ثابتة تجاه شخص معين، وعندها يلجأ للتخلص منه نتيجة لتلك الفكرة الخاطئة المسيطرة عليه، فقتله لأولاده هذا معناه أنه شك في نسبهم، والدليل أنه لم ينتحر بعدها، لكنه لو كان أقدم على الانتحار فكانت حالته يتم تشخيصها على أنه "اكتئاب". وتابع: "أما الاحتمال الثاني والضعيف أن تكون نشبت خلافات بالصدفة بينه وبين زوجته فتمادت الخلافات حتى قتلها وعند رؤيته منظر الدم، دخل في نوبة "هياج" وفقد صوابه وقتل الأولاد في هذه اللحظة، والذي يدل أن هذا الاحتمال ضعيف أنه بعد قتلهم قام وغسل يديه وأخفى الذهب وفكر في كيفية ابتعاد الجريمة عنه، وهذا يعني أنه كان في وعيه وكامل قواه العقلية". لا يوجد أي مبرر ومن الناحية القانونية علق المستشار جابر خليل، رئيس نادي قضاة كفر الشيخ ورئيس محكمة جنايات الإسكندرية قائلًا: "القتل الأسري ليس له علاقة بأي ظروف سواء مادية أو غيرها ولا يوجد أي مبرر لهذا التصرف، فكل من أُدين بهذه الجريمة هو مجرم ويستحق العقاب ويُطبق عليه القانون، فواقعة كفر الشيخ حادث بشع، وقد نظم القانون المسألة بالنسبة لإدانة الأب، فلا بد من إثبات أنه مصاب بآفة عقلية أفقدته الوعي فارتكب الجريمة، ففي المادة (62) من قانون العقوبات أن إذا ثبت مرض المتهم بمرض عقلي فلا يُسال عن أفعاله ويُعفى من العقاب، ولكن يتم إيداعه إحدى المصحات النفسية والعقلية، فلابد أن يثبت استشاريون نفسيون ذلك". وتابع: "من المحتمل أن يكون المتهم قد ادعى المرض العقلي، لذلك الفيصل يكون تقرير الأطباء بمستشفى للأمراض النفسية والعقلية، ومن ثم يتم مناقشتهم حتى نتأكد من صحة كلامهم وليس اجتهاد من المحكمة، لكن في حالة أنه ليس مريض نفسيًا، يخضع للقانون ويأخذ العقوبة المناسبة وقد تصل للإعدام".