بعد نحو ثماني سنوات من نزاع مدمر، يقترب الجيش السوري اليوم، أكثر من أي وقت مضى من إحكام قبضته على الصعيد الميداني، بالتزامن مع بدء الحكومة التعاون مع الأكراد شمالاً، وكسر جليد عزلتها مع عودة السفارات العربية إليها تباعاً. في العام 2011، تحولت الاحتجاجات الشعبية إلى نزاع مدمر متعدد الأطراف، وسارع المجتمع الدولي إلى مقاطعة الرئيس بشار الأسد، ودعم معارضيه. ووصل الأمر الى حد قول الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، إن "أيام الأسد باتت معدودة"، لكن الجيش السوري وبفضل دعم حلفائه، لا سيما روسيا، منذ العام 2015، تمكن من استعادة السيطرة على نحو ثلثي مساحة البلاد. وشكلت دعوة الأكراد دمشق، إلى نشر قواتها في منطقة منبج شمالاً لمواجهة التهديدات التركية بعد قرار واشنطن المفاجئ سحب قواتها من سوريا، مؤشراً إلى تعاون مقبل بين الطرفين. ويرجح محللون، أن ينسحب لاحقاً على كل مناطق الأكراد وحلفائهم التي تقدر مساحتها بنحو ثلث مساحة سوريا. واستأنفت كل من الإمارات والبحرين الخميس العمل في سفارتيهما لدى دمشق المغلقتين منذ العام 2012، في خطوة يتوقع أن تقدم عليها دول أخرى تباعاً. ويقول الباحث في الشئون الكردية موتلو جيفير أوغلو، لوكالة فرانس برس، إنّ الأسد "يعمل على تعزيز سلطته يوماً بعد يوم على المستويين الدبلوماسي والعسكري". ومع دعوتها من الأكراد، المكون الرئيسي لقوات سوريا الديموقراطية المدعومة أمريكيًا، إلى منبج، تقترب دمشق من توسيع نفوذها ميدانياً، هي التي لطالما كررت عزمها على استعادة كل الأراضي الخارجة عن سيطرتها "بالقوة" أو عبر التفاوض. ولا يستبعد جيفير أوغلو، أن تشكل تطورات منبج "مقدمة لتعاون" بين دمشق والأكراد الذين بدأوا قبل أشهر التفاوض معها حول مستقبل مناطقهم. ويوضح "عوضاً عن قتال الأكراد، تلقت الحكومة دعوة من الأكراد أنفسهم للدخول الى هذه المناطق. لا يمكن أن يكون هناك ما هو أفضل من ذلك للأسد". وتشكل تركيا الهاجس الأكبر للمقاتلين الأكراد الذين يخشون بعد انسحاب القوات الأمريكية من تكرار سيناريو منطقة عفرين، التي سيطرت القوات التركية مع فصائل مسلحة سورية موالية لها عليها في مارس إثر هجوم عنيف. "إشارة" أمريكية وإلى جانب مناطق الأكراد، تبقى أمام دمشق عقبتان، الأولى محافظة إدلب، آخر معقل للفصائل المقاتلة والجهادية، وتسري فيها تهدئة بموجب اتفاق روسي تركي. ويشكل تنظيم داعش الإرهابي، التحدي الثاني مع انتشاره في البادية السورية الممتدة من الحدود العراقية حتى وسط البلاد، وتصديه لهجمات تخوضها قوات سوريا الديموقراطية ضده في آخر جيب له في شرق البلاد. وبرر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قراره بسحب قواته من سوريا، بأنها حققت هدفها لناحية إلحاق "الهزيمة" بالتنظيم، وهو ما تم التشكيك فيه حتى داخل فريقه. ولم تتضح بعد آلية وكيفية تطبيق قرار ترامب الذي يدفع أطرافاً داخل سوريا وخارجها إلى إعادة حساباتها. ويقول الباحث في مركز الأمن الأمريكي الجديد، نيكولاس هيراس، إن هذا القرار "أرسل إشارة إلى بأنه يجب أن يتعامل حلفاء واشنطن مع الأسد وفق معاييرها الخاصة". وسُجّلت مؤخراً مؤشرات عدة إلى بدء موجة انفتاح عربي نحو سوريا، بعد قطيعة منذ سنوات، تجلت في زيارة مفاجئة للرئيس السوداني عمر البشير، هي الأولى لرئيس عربي إلى دمشق منذ اندلاع الحرب السورية، تلاها افتتاح الإمارات والبحرين لسفارتيهما في دمشق، مع تأكيد حرصهما على "تفعيل الدور العربي" فيها. ويقول دبلوماسي عربي في بيروت، رفض كشف هويته، لفرانس برس "نشهد اليوم انفتاحاً (عربياً) على دمشق أكبر من أي وقت مضى". وتشكل القمة العربية في تونس نهاية مارس المقبل، محطة رئيسية لإعادة تطبيع العلاقة بين الدول العربية والأسد، ويشكل رفع تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية محور اتصالات راهنة على مستويات عدة، ويُتوقع أن تثار في القمة التنموية الاقتصادية والاجتماعية في بيروت الشهر المقبل، على أن تُحسم في اجتماع وزراء الخارجية العرب التحضيري لقمة تونس. ويشير مصدر دبلوماسي لبناني رفض كشف اسمه، إلى أنه "وفقاً للاتصالات التي ترد إلى الخارجية اللبنانية، ثمّة توجه لإعداد مشروع يعيد تفعيل عضوية سوريا" في الجامعة العربية "تؤيده مصر". ورغم خفض تمثيلها الدبلوماسي في دمشق، حافظت القاهرة على تنسيق أمني وثيق معها. ويتوقع هيراس، أن يسعى الأسد "إلى البناء على نجاحه في العام 2018 من خلال إبرام صفقات مع الدول العربية، وخصوصاً الخليج، لبدء عملية إعادة إعمار سوريا" التي تعد أولويته في المرحلة المقبلة. وقدّرت الأممالمتحدة كلفة الدمار جراء الحرب ب400 مليار دولار، وسبق لموسكو حليفة دمشق أن دعت المجتمع الدولي للمساهمة في تمويل إعادة الإعمار.