د. حاتم عبدالمنعم أحمد يعد الأزهر وعلمائه من أهم القوى الناعمة التي تملكها مصر؛ لأن العمر الزمني لأي جامعة وتاريخها يعتبر من أهم المعايير للحكم على مكانتها وأهميتها؛ لأن الجامعات العريقة بها أساتذة تتلمذوا على يد أساتذة.. وهكذا منذ مئات السنين أو على الأقل عشرات السنين. وجامعة الأزهر تخطت الألف عام، وفي مجال الدراسات الإسلامية تحديدًا لا يمكن مقارنة الأزهر بغيره من الجامعات، فهذا تاريخ طويل فهي الجامعة الأم، وهي التي يرجع لها الفضل في ظهور جامعات أخرى حديثة. وبالتالي فجامعة الأزهر هي جامعة لكل العالم الإسلامي في شتى أنحاء العالم، وتمثل الوسطية في الإسلام بمعناها الإيجابي، وتاريخها يشهد بذلك، وعلماء الأزهر - كما يقول الشيخ الشعراوي هم الذين علموا العالم علوم القرآن، ونشروا الإسلام، وكان قانون تطوير الأزهر في الستينيات، بالإضافة لقوة الأزهر من عدة أوجه؛ مثل دخول المرأة للأزهر، وهي نصف المجتمع، بالإضافة إلى الالتزام بقانون الجامعات من حيث نظام الترقيات العلمية، وتقديم الأبحاث العلمية لاستمرارية البحث العلمي لعضو هيئة التدريس كما في الجامعات الأخرى، مع إضافة الكليات العلمية في كافة التخصصات؛ ليتخرج طبيب داعية للإسلام أو مهندس داعية؛ مما عمق وأضاف لدور الأزهر، خاصة بالنسبة للمبعوثين في الخارج، مثل الدول الإفريقية وغيرها، كما صاحب ذلك إنشاء مدينة البعوث الإسلامية، والتوسع في إرسال البعثات الإسلامية للخارج؛ لنشر الإسلام وعلومه في شتى أنحاء العالم، ومن هنا أهمية ومكانة الأزهر في شتى أنحاء العالم، وعلى قدر المكانة والإمكانات تكون الآمال والطموحات والمسئولية والمطالب والعشم. ولذلك أتصور أن للأزهر دورًا مستقبليًا مهمًا يمكنه القيام به، ويمكن تلخيصه في الآتي: البدء في إقامة فروع لجامعة الأزهر في الخارج في كافة البلدان الإسلامية؛ لأنه إذا كانت بعض الجامعات الكبيرة مثل الجامعة الأمريكية لها فروع في مصر وبيروت وغيرها وهي مجرد جامعة مدنية ينافسها العديد من الجامعات المشابهة؛ سواء في إنجلترا أو فرنسا أو كندا وغيرها كثير. فمن باب أولى أن يكون لجامعة الأزهر المتفردة والمنفردة في العلوم الإسلامية أن تنتشر بفروعها في كافة أنحاء العالم الإسلامي، ويمكن اشتراط على أي دولة راغبة في ذلك التبرع بالأرض مقابل حق انتفاع لمدة خمسين عاما - مثلا، وعلى الحكومة المصرية تمويل الإنشاءات مقابل الحصول على الأرباح الناتجة عن مصروفات الدراسة، هذا فضلا عن الانتشار الصحيح للمفاهيم الإسلامية ومواجهة الفكر المتطرف. وأتوقع أن يكون العائد كبيرًا على المستوى الثقافي والمادي معًا لمصلحة مصر والإسلام والعالم أجمع. كما أنتظر من الأزهر أن يعمل على تكوين رابطة أصدقاء الأزهر أو محبي القدس لتضم ملايين المسلمين في شتى أنحاء العالم، ويتفرغ لذلك فريق علمي متخصص لتعبئة هذه الجهود تحت راية الأزهر للوقوف صفًا واحدًا ويدًا واحدةً فيما يتعلق بقضية القدس وقضايا ومصالح مصر والمسلمين بوجه عام، لكي يكون لنا صوت واضح ومؤثر في كافة الانتخابات في أمريكا أو أي بلد ولا عيب أن نتعلم من منظمة الأيباك ودورها؛ بل المؤسف أن لجماعة الإخوان وجودًا وتجمعًا مؤثرًا في العديد من الدول الأجنبية مثل إنجلترا، وتمول وتنشئ العديد من المدارس والمساجد، كما امتد نشاطها ونفوذها للأحزاب السياسية؛ مثل أحزاب الخضر والوسط في العديد من البلاد، والأزهر أولى وأقدر على تعبئة الجهود لصالح الوطن والأمة الإسلامية، كما نتوقع من الأزهر أن يكون له صوت واضح من فتنة التعصب المذهبي، ومن النار المشتعلة بين السنة والشيعة - فيما ينذر بتفتيت قوة المسلمين لصالح العدو، وهنا نتذكر تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي، أنه ليس من الحكمة قتال العدو، ولكن المتعة أن تشاهد الأعداء يقتل بعضهم بعضًا. وفي ظل مجاهرة البعض بالفتنة، وسكب مزيد من "البنزين".. فينبغي على الأزهر أمام الله والتاريخ لوأد هذه الفتنة وإعلاء كلمة الحق بصراحة وبوضوح، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى. كما أتصور الدعوة لمؤتمر عالمي يجمع بين علماء السنة والشيعة والتوصل لحلول تحد من نار الفتنة وإعلان ذلك لكافة المسلمين لتكون المسئوليات والأدوار واضحة للجميع، وليتحمل كل طرف مسئوليته أمام الله والمسلمين. كما أتوقع من الأزهر الدعوة لمؤتمر عالمي آخر من خلال مركز البحوث الإسلامية؛ لبحث ودراسة المستجدات المعاصرة مثل وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها؛ للاتفاق على رأي جمعي في كل المستجدات المعاصرة. وتبقى قضية التراث وأهمية تنقيحه، خاصة أن تكنولوجيا العصر سهلت سبل مراجعة التراث، فمثلا أتصور أن قسم الأحاديث النبوية يمكنه مراجعة وتنقيح كتاب عظيم مثل البخاري من خلال تخصيص عدة رسائل للماجستير والدكتوراه، حيث تركز كل رسالة على باب مثل الزكاة أو الصوم لتنقيح كل الأحاديث الواردة فيه؛ للخروج في النهاية برؤية محددة وفاصلة من الأزهر لتنقية هذه الكتب من أي جوانب بها بعض الشكوك؛ وخاصة أنها لعلماء أجلاء، ولكنهم بشر عملوا في ظروف صعبة يتيسر الآن مراجعتها، وهذا مجرد مثال يعمم على كل كتب التراث، ولا يوجد غير الأزهر للقيام بهذا الدور لخدمة الإسلام والبشرية جمعاء. وللحكومة المصرية دورها المهم في مساندة ودعم الأزهر على كافة المستويات، بداية من سرعة توفير قناة فضائية أو أكثر لنشر المفاهيم الإسلامية لكافة البشر. ودعم فكرة فروع لجامعة الأزهر خارج مصر، وأتصور أنه يمكن توفير تبرعات شعبية للتوسع في ذلك، وأن تكون هذه التبرعات مفتوحة لجميع الدول العربية والإسلامية. وأعتقد أن المردود المادي والمعنوي سيتجاوز التكلفة مع أهمية اهتمام الأزهر بالمواقع الإلكترونية والتكنولوجيا الحديثة لمسايرة العصر ومستجداته.