لابد أن يشعر أى مثقف مصرى بالأسف والأسى لغياب المشاركة المصرية فى "مهرجان شكسبير العالمي" وهو غياب عن تظاهرة ثقافية عالمية بمعنى الكلمة بدأت باحتجاجات ضد السياسات الاحتلالية والممارسات القمعية الإسرائيلية، وتجمع أكثر من سبعة آلاف مبدع من شتى أنحاء العالم، وتتضمن 70 عرضا مسرحيًا من بينها عروض لفرق عربية، فضلا عن أن هذا الغياب يتنافى مع تاريخ الثقافة المصرية ذاتها. ومهرجان شكسبير العالمى الذى افتتح فى الثالث والعشرين من شهر أبريل الحالى، بالتزامن مع ذكرى مولد سيد الإبداع فى تاريخ العالم، ويستمر حتى شهر سبتمبر المقبل يعرض كل المسرحيات الشكسبيرية فيما تعرض 37 مسرحية بلغات العالم والبشر المختلفة، ومن بينها لغة الاشارة بينما طرحت مليون تذكرة للبيع. واللافت أن هذا الغياب المسرحى المصرى عن مهرجان شكسبير العالمى يأتى وكأنه مضاد لتاريخ اهتمامات ثقافية مصرية بأعمال شكسبير حتى أن الجامعة المصرية احتفلت فى عام 1916 بمرور 300 عام على وفاته بتظاهرة ثقافية بالغة التميز بمعايير ذلك الزمان. وإلى جانب البندقية واثينا وروما وفيرونا وفيينا وقبرص وصقلية، كانت مصر حاضرة فى مسرح شكسبير وفنه الذى بقى وسيبقى ملهما لأجيال تلو أجيال، فيما نوه اندرو ديكسون فى صحيفة "الجارديان" بأن عشاق المسرح الشكسبيرى فطنوا منذ زمن بعيد إلى أنه رغم عدم ميله للسفر والترحال كان مغرما بالتعرف على أحوال العالم، وهو فى موضعه ثم تحويل هذه المعارف بآلياته الابداعية إلى متعة فنية خالصة. ومن نافلة القول ان المسرح المصرى قدم بعض اروع درر شكسبير بممثلين يعتزون مثل غيرهم فى العالم بتقديم الابداعات الشكسبيرية التى استفادت منها أيضا السينما المصرية فى كثير من أفلامها "بتمصير شكسبير" وهى ظاهرة على أى حال ليست قاصرة على مصر وإنما هى ظاهرة عالمية بامتياز. وفى كتابه "شكسبير فى مصر"، يتناول الدكتور رمسيس عوض مسألة تمصير أعمال شكسبير من مسرحيات شهيرة "كيوليوس قيصر.. وعطيل.. وهاملت.. وروميو وجولييت.. والملك لير.. وترويض الشرسة..وتاجر البندقية". ويوم الخامس من شهر مايو المقبل، سيشهد مهرجان شكسبير العالمى محاضرة عن ترجمات شكسبير للعربية تلقيها نانسى نويلز فى مسرح جلوب. والفكرة المحورية لهذا التنوع اللغوى فى العروض المسرحية الشكسبيرية تقديم شكسبير بكل اللغات وإظهار القدرة على تقديم أعماله بأى لغة فيما يقترن المهرجان ببرامج تلفزيونية واذاعية وأفلام ومحاضرات عن سيد النثر والشعر، الذى ترجمت أعماله لكل لغات العالم ولا يكاد يوجد مسرح فى أى بقعة بالكرة الأرضية لم يحمل آثاره. ومن المسرحيات ذائعة الصيت لويليام شكسبير روميو وجولييت وتاجر البندقية وهاملت والملك لير وماكبث ويوليوس قيصر وعطيل وانطونيو وكليوباترا. وأثارت مشاركة فرقة "هبيما" المسرحية الاسرائيلية فى المهرجان بالعمل الشكسبيرى الشهير "تاجر البندقية"، اعتراضات مسرحيين بريطانيين جراء الممارسات الاحتلالية والقمعية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى. ونشرت صحيفة "الجارديان" البريطانية رسالة وقعتها شخصيات مسرحية وثقافية من بينها المخرج مايك لى والممثلة ايما تومبسون تدعو مسرح "جلوب" لسحب دعوته لفرقة "هبيما" المسرحية الإسرائيلية لأن هذه الفرقة، تقدم عروضًا فى المستوطنات الاحتلالية بالأراضى الفلسطينية. وفى المقابل، أثارت الرسالة احتجاجات من شخصيات متعاطفة مع إسرائيل مثل الكاتب والروائى هوارد جاكوبسون الذى اعتبر دعوة المقاطعة لفرقة "هبيما" بمثابة نوع من: "المكارثية والإرهاب الفكرى"، على حد قوله.