على أضواء المآذن والقباب، احتفلت المشيخة الإسلامية في صربيا بالهجرة النبوية الشريفة في مقرها بمدينة "نوفي بازار"، تخللها كلمة للمفتي العام للمشيخة الاسلامية، الدكتور "مولود دوديتش"، كما نظمت احتفالًا في جميع مؤسسات المشيخة ابتداء من الروضات إلى كلية الدراسات الإسلامية، مرورًا بجميع المساجد الموجودة في صربيا، وركزت كل الاحتفالات على تذكير مسلمي صربيا بأهم الدروس والعبر المستفادة من هذه المناسبة العظيمة. حدث عظيم قلَب موازين التاريخ وفي كلمته ل«بوابة الأهرام»، قال الدكتور "أنور جيتسيتش" عميد كلية الدراسات الإسلامية بجمهورية صربيا: يَحُلُّ شهر الله المُحرَّم، فيتذكَّر المسلمون الهجرة النبوية المباركة، ذلك الحدث العظيم، الذي قلَب موازين التاريخ، وغيَّر وجه البشريَّة؛ حيث شعَّ نور الإسلام في كل الأصقاع، إلى أن دخل النَّاسُ في دين الله أفواجًا، مضيفًا أن الهجرة النبوية لم تكن حادثًا عاديًّا بل كان حدثًا تاريخيًّا غاية في الأهميّة، ومنعطفًا رئيسيًّا في تاريخ الدّعوة الإسلاميّة؛ حيث اتخذ منه أمير المؤمنين عمر الفاروق سببًا للتّأريخ فكان كلّ حدثٍ بعد ذلك يؤرّخ بهذه المناسبة الجلل. دروس جديدة من الهجرة النبوية وعن الدّروس التي يمكن استنباطها من هذه المناسبة الشريفة، أكد عميد كلية الدراسات الإسلامية بصربيا، أنَّ أحداث الْهِجرة النبويَّة تضمَّنَت العديد من الدُّروس والعِبَر، قائلًا: ركزنا في احتفاليتنا على أهمية التحلي بالصبر وعدم لليأس، مذكرين الناس بالاضطهاد والتنَّكيل، اللذين لاقاهما النبي - صلى الله عليه وسلم – ومع ذلك لم يثنِه شيء عن دعوته، بل صبر وازاد إصرارًا وثَباتًا؛ حتّى وصل بحسن صحبته للصديق أبي بكر والصحابة الكرام –رضي الله عنهم- إلى المدينة المنوّرة سالمين، وهذا ما يجب أن يستفيد منه المسلمون في كل مكان؛ بأن يبحثوا عن حلول بديلة لمشكلاتهم، بالصبر والمثابرة والتحمل لكل الصعاب. الدكتور أنور جيجتش عميد كلية الدراسات الإسلامية بجمهورية صربيا وتابع "جيتسيتش": كذلك يعد إتقان التخطيط وحسن توظيف الطاقات، من أهم الدروس المستفادة من الهجرة، وقد أظهر النبي وصحابته في أكثر من موقف، كيف يحقق التخطيطُ النَّجاح، وهذا لا يأتي إلا بحُسْنُ توظيف الطاقات، وسلامة استغلال القدرات المتاحة، وبالطبع هذا الأمر يؤدي إلى الحذاقة والفطنة اللتين يعدان أيضًا من الدّروس المستفادة؛ وقد بدت حكمة النّبي عليه الصّلاة والسّلام حينما وعد سراقة بن مالك بجائزة مقابل أن يشتّت أنظار قريش عنهم، وهذا غاية في الحكمة ونفاذ البصيرة. شهادة عتبة بن ربيعة في القرآن الكريم أما بخصوص الثبات على الموقف، والبحث عن الحلِّ الشامل، فيرى الدكتور أنور أن هذين الدرسين ينافيان الاقتصار على البدائل التَّرقيعيَّة، والحلول التخديريَّة الآنية؛ مدللًا على ذلك برفض النبيِّ - صلى الله عليه وسلَّم – عرض المشركين بأن يَعْبد آلهتم عامًا، ويعبدوا إلَهَه عامًا، مما دفع قريش لرفع سقف العروض والمغريات حتَّى وصلَتْ إلى ذروتها باعتراف عتبة بن ربيعة أمام قومه قائلًا: "إني سمعتُ قولاً والله ما سمعت مثله قَطُّ، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر، ولا بالكهانة. يا معشر قريش... والله ليكونَنَّ لقوله الذي سمعت منه نبأٌ عظيمٌ". التّوكل على الله سر من أسرار النصر ويستطرد الدكتور أنور قائلًا: كل ما سبق لا يأتي إلا بشدة التوكل على الله، فمهما طال الليل وظلمته، سيأتي الصُّبح أكثر انبلاجًا، فالله تعالى قال وهو الحق: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا..﴾ [يوسف: 110]. فالتّوكل على الله تعالى والإيمان بمعيّته وحفظه هو سبيل النصر، مشددًا على أن نجاح الأهداف والغايات يتوقف على الكتمان في قضاء الحوائج، وهذا ما حرص عليه النّبي عليه الصّلاة والسّلام في هجرته الشريفة، وهذا أمر يجب أن يتحلى به مسلمو العصر الحالي فهو من الحكمة والبصيرة التي تحقّق وتكمّل المهام وتمنع فشلها. واختتم عميد كلية الدراسات الإسلامية في صربيا، بمعنى من معاني الهجرة في غاية الخطورة، وهو هجرة المعاصي والعصاة، ومُجانبة مُخالطتهم، مستشهدًا بقوله الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ [المزمل: 10]، مضيفًا نوعًا آخر من الهجرة، وهو هجرة القلوب إلى الله تعالى، والإخلاص في التوجُّه إليه في السرِّ والعلانية "فمَنْ كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرتُه إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لِدُنيا يصيبها أو امرأة يتزوَّجها فهجرته إلى ما هاجر إليه".