مما ابتليت به الأمة الإسلامية ولشد ما ابتليت به اليوم قضية "العنف والغلو والتطرف والأفكار الهدامة" التي عصفت زوابعها بأذهان البسطاء من الأمة وجهلائها، وافتتن بها أهل الأهواء الذين زاغت قلوبهم عن اتباع الحق. ومما لا شك فيه أن التصدي للإرهاب مسئولية مشتركة، تستوجب تضافر الجهود في تجفيف موارده، فالإسلام يكابد اليوم حربًا ضروسًا تعددت مصادرها وتنوعت أشكالها وتبدلت وسائلها لتتناسب مع تغيرات الأحوال وتبدلات الزمان واختلاف المكان. وقد طالب الرئيس عبد الفتاح السيسى بالتصدي للأفكار المتطرفة والإرهابية من خلال تعزيز المفهوم الوسطى الصحيح للإسلام، ودحض دعاوى الفكر المتطرف التي لا تمت للدين بصلة، مؤكداً أن الدين الإسلامي، الذي ينبذ كل أنواع التطرف والإرهاب، ويحض على السلام والأمان والبناء والتعمير، والتعايش السلمي بين البشر، وشدد على ضرورة الإعداد والتدريب الجيد للأئمة والدعاة ليقدموا نموذجًا طيبًا للعمل الدعوى. قامت "بوابة الأهرام" باستطلاع آراء الفقهاء وعلماء الدين لكيفية مساعدة الدولة للتصدي للأفكار الهدامة وإعداد الأئمة... مفهوم الوسطية في البداية يقول الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية ل"بوابة الأهرام": لابد من الدعوة للتأكيد على مفهوم الإسلام الوسطي باعتباره دينا جاء بمقتضى أصول نصية صريحة بأنه لا يعرف التشدد ولا التطرف بقوله تعالى: "وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ". ويضيف الشحات أن الإسلام جاء مؤكدًا لذلك، ونهى عن ذلك في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا هلك المتنطعون، ألا هلك المتنطعون، ألا هلك المتنطعون" هلك المتنطعون ثلاثة ومعناها المتشددون، إن الدين نفيس، وقد قال أيضًا صلوات الله عليه: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه"، مؤكدًا أن الإسلام جاء بالسلام لعموم البشرية وبُني المجتمع الإسلامي كما كان في العصر الأول على السلام الجماعي، واستوعب كل المختلفين في "العقيدة والجنس والنوع واللغة والمركز الاجتماعي، فهذه الاختلافات لا ينبغي أن تكون عائقًا أمام تسامح المسلمين مع بعضهم البعض وتسامحهم مع أبناء الأديان الأخرى. التعايش السلمي ويشير الشحات إلى أن هؤلاء المتشددين والمتطرفين الذين اختطفوا الإسلام من جوهره الإنساني الرفيع، إنما غيروا وبدلوا في الإسلام وأساؤوا إلى هذا الدين العظيم الذي جاء ختامًا للأديان الأخرى، مضيفًا لذلك فإن الدعاة والأئمة ومن يفقه الإسلام الفقه الصحيح عليه أن يكون بشيرًا للناس، ناشرًا لقيم العدل والرحمة بعيدًا عن الغلو والتطرف، آمرًا بالمعروف وناهيًا عن المنكر، مؤكدًا قيمه العليا وهي " التعايش السلمي" الذي يرفض العنف والتطرف والإرهاب، وأن يعلم كل من هو مخلص لهذا الدين أن الإسلام دين رحمة وسماحة وليس دين رفض وعدم قبول الآخر، فالدين الإسلامي جاء مستوعبًا للأديان الأخرى وهي "المسيحية واليهودية، وملة إبراهيم، وباقي الأنبياء رضوان الله عليهم منذ آدم عليه السلام وحتى الدين الإسلامي"، لذلك فإن من يسلك طريقا غير طريق السماحة والعدل والرحمة والتعايش مع الآخر إنما يبدد الإسلام ويسيء إلى رسالته الإنسانية في قوله تعالى:" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ". وناشد الشحات الدعاة والأئمة وحاملي رسالة الإسلام على القيام بدورهم في توعية المسلمين وإبلاغ الرسالة الصحيحة للعالم كله، والتواصل عبر السوشيال ميديا والفضائيات للتصدي للأفكار الهدامة. 700 ساعة دراسة ومن جانبه يوضح الدكتور محمد إسماعيل جاد الله، عضو لجنة الشئون الدينية و الأوقاف بالبرلمان، أن هناك جانبين غاية في الأهمية يجب العمل عليهما وهما الجانب الشرعي والعلمي والجانب الأمني، أولا الجانب الشرعي والعلمي وذلك لأن الفكر لا يجابهه إلا بفكر آخر، وهذا منهج السابقين من الصحابة، فالأفكار لابد أن تواجه بوجود العلماء الأكفاء للتصدي للأفكار المتطرفة والإرهابية من خلال تعزيز المفهوم الوسطى الصحيح للإسلام. ويشير إسماعيل إلى الجانب الثاني وهو الجانب الأمني فقد قال سيدنا عثمان رضي الله عنه" "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"، مشددًا على ضرورة المجابهة الفكرية للعلماء ومناقشة هذه الأفكار. لفت إسماعيل إلى أن وزارة الأوقاف تتطور في الارتقاء بالأئمة فهناك ثلاثة برامج هي برنامج الإمام الجامع، وبرنامج الإمام المتميز وبرنامج الإمام المجدد وهي عبارة عن دراسة تفصيلة ووافية واختبارات، مشيرًا إلى وصول عدد ساعات الدراسة ببرنامج الإمام المجدد إلى 700 ساعة دراسة بحيث يخرج مجابها لهذه الأفكار وكذلك داخل مؤسسة الوعظ بالأزهر الشريف. دورات مكثفة وفي السياق ذاته يشير محمد القويسني، عالم بوزارة الأوقاف لقد اتخذت وزارة الأوقاف للتصدي للأفكار الهدامة والمتطرفة والتي من شأنها هدم المجتمع عن طريق إعداد الدعاة بتنظيم دورات تدريبية مكثفة للأئمة وعقد امتحانات بالوزارة تقيس مستويات الأئمة ومن ثم تؤهلهم إلى التصدر للخطاب الديني، لافتًا إلى أن الوزارة تأخذ على عاتقها هذا المنهج الوسطي لتوضيح سماحة الإسلام إعمالا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "إِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً" تلك هي الوسطية التي تعلمانها من سيد الخلق سيدنا رسول الله، والأزهر الشريف ، فالحجة بالحجة والبرهان بالبرهان.