تجربة أبهرت بها مصر العالم، بعد نجاحها في القضاء على "فيروس سي"، حيث أطلقت وزارة الصحة الحملة القومية الموسعة للقضاء على مرض التهاب الكبد الوبائي، وذلك بالتعاون مع صندوق تحيا مصر ومشيخة الأزهر، في إطار مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسي لإعلان مصر خالية من "فيروس سي 2020". انتشار الفيروس وقد أظهر أول مسح حقيقي للمرض الذي أجري سنة 2008، أن نسبة انتشار الفيروس في مصر تقدر بنحو 9.8% من إجمالي عدد السكان، لكن مسحًا مماثلًا أظهر انخفاض المعدل في 2015 إلى نحو 4.4%، أو ما يعادل حوالي أربعة ملايين شخص. ومع بداية 2017، تدخلت الحكومة بشكل مباشر، وحصلت مصر على حق الإنتاج المحلي لعقاقير علاج فيروس "سي" محليًا، دون الوقوع تحت شروط الشركات الدوائية العالمية صاحبة براءات اختراع هذه العقاقير، وانخفضت تكلفة الجرعة الواحدة من 30 ألفًا إلى 15 ألفًا ثم 10 آلاف جنيه، حتى استطاع صندوق تحيا مصر توفير الجرعة بتكلفة 1200 جنيه فقط، واستطاعت الحكومة بهذه الخطوات توفير نصف مليون جرعة علاج لقوائم الانتظار كافة على مستوى الجمهورية خلال 7 أشهر فقط، وحصلت مصر على إشادة من منظمة الصحة العالمية بقدرتها على علاج حوالي مليون مصاب بالفيروس خلال أقل من عام، والقضاء على قوائم الانتظار نهائيًا. تجربة رائدة أشادت مجلة "ذي أتلانتك" الأمريكية، بتجربة مصر الرائدة في علاج "فيروس سي"، وقالت المجلة في تقرير لها، إن دولًا لديها موارد أكبر من مصر لم تستطع أن تحقق مثل هذا التقدم الذي أحرزته مصر ضد المرض. وذهب التقرير، إلى أنه قبل 5 سنوات فقط، ومع أفضل العلاجات الطبية المتاحة، لم تكن احتمالات علاج شخص مصاب بفيروس التهاب الكبد الوبائي أفضل من مجرد رهان، وكان القضاء على المرض من بلد بأكمله أمرًا لا يمكن تصوره. وقالت المجلة الأمريكية، إن مصر أثبتت أن التحسينات المذهلة في الصحة العامة ممكنة، عندما يتم تسعير الأدوية بتكلفة معقولة، وتبذل الحكومة جهدًا لنشره بشكل منهجي، لكن مصر تمثل أيضًا استثناءً لقاعدة، أنه في حين أن المجتمع المعاصر قد أثبت قدرة على تكوين ابتكارات طبية أحدثت تحولًا، فإنه أقل كفاءة في تعظيم استخدامها. "بوابة الأهرام" استطلعت آراء الأطباء القائمين على تلك المنظومة لشرح تلك التجربة الرائدة وأسباب نجاحها: دعم الرئيس وكانت البداية مع الدكتورة مايسة شوقي، أستاذ الصحة العامة بكلية طب جامعة القاهرة، ونائب وزير الصحة والسكان سابقًا، التي قالت، إن "دعم رئيس الجمهورية لمكافحة الفيروسات الكبدية في مصر، فارق بشدة، وغير مسبوق، وإن التسهيلات الكبيرة من كافة أجهزة الدولة للقضاء على فيروس سي تشكل ركيزة أساسية لدعم تنفيذ الخطة القومية بكل قوة في كافة أنحاء الجمهورية، حيث جاء الإصرار علي إنهاء قوائم الانتظار في علاج المرضي في عام 2016 متوجًا لقصة نجاح أشادت بها منظمة الصحة العالمية في ذات العام"، لافتة إلى أنه "من أهم أسباب النجاح زيادة عدد مراكز العلاج وتوفير الأطباء والكوادر المدربة والأجهزة التشخيصية الحديثة، والأهم توفير الأدوية الأكثر فاعلية وأمانًا، والتي تقدم للمريض وفقًا للإرشادات الطبية العالمية مجانًا، وإنشاء قواعد بيانات المرضى ومتابعتهم الدورية". مسح صحي وتشير شوقي، إلى بدء أكبر مسح صحي للالتهاب الكبدي الوبائي "سي "على المستوي العالمي، المخطط ليشمل 45 مليون مواطن مصري خلال عام، في "إطار علمي تتكاتف فيه مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، تتضمن كذلك تنظيم قواعد البيانات لتسجيل من سيشملهم المسح فوق 18 سنة، وتدريب كل العاملين بمراكز الرعاية الأولية، وتجهيز مراكز علاج جديدة لاستقبال كافة الحالات الإيجابية"، مضيفة أن "تدريب العاملين في مراكز الرعاية الأولية على المشاركة في هذا المسح وإتاحة نتائج الاختبار للمريض بعد 5 دقائق فقط، سواء بالسلب أو الإيجاب، هو تطوير في الخدمة يهدف إلى سرعة التشخيص والعلاج وتخفيف المعاناة عن المرضى". نقطة قوة وتري شوقي، أن بدء المسح الصحي للكشف عن الأمراض المزمنة غير المعدية مثل السكر والضغط، بالتزامن مع المسح "لفيروس سي" يعد "نقطة قوة تضاف إلى ملف وزارة الصحة في مصر، خاصة بعد إعلان نتائج المسح الصحي لهذه الأمراض، ومحددات الخطر لها في يوليو 2018، كما تشير المؤشرات الأولية لهذا التقرير، إلى ارتفاع نسبة الإصابة بأمراض القلب إلى 7.7 %، و الداء السكري إلى 15.5 %، وارتفاع ضغط الدم إلى 29.5 %، وهو ما يقودنا إلى ضرورة البدء في تنفيذ الخطة القومية لمناهضة الأمراض المزمنة غير المعدية، ومضاعفة التوعية الوقائية والعلاجية والتغذية، مشددة على ضرورة الاستفادة من كافة الموارد المتاحة، وحسن استغلالها، وفتح باب التطوع للشباب، وأن تطوع شباب الجامعات في مبادرة الرائد الجامعي بالتعاون مع المجلس القومي للسكان، يعكس حرصهم على المشاركة الإيجابية للنهوض بمصر، وفي ضوء تكاملية نجاح كافة محاور الخطة التنفيذية، ومنع انتشار العدوى بأحدث معايير الجودة في المنشئات الطبية وبنوك الدم، فإنه توجد ضرورة الآن أكثر من أي وقت سابق للتوعية المجتمعية بطرق انتشار الفيروس الكبدي "سي" وأساليب الوقاية منه". وتؤكد أستاذ الصحة العامة، أن "جهود اللجنة القومية للفيروسات الكبدية منذ إنشائها، تدل على نجاح التجربة المصرية، النابعة من قوة أعضاء اللجنة القومية، وهي قوة علمية وإدارية وخبرات أكاديمية وإكلينيكية متراكمة، وامتلاكهم لقوة الإرادة وقبول التحدي الصحي الأكبر في تاريخ مصر"، مشددة على "ضرورة توثيق مراحل عمل اللجنة وإنجازاتها وتعاملها مع التحديات عبر سنوات عملها، على أن تنشر كبحث علمي مرجعي دولي، وتدرس لطلبة كليات الطب والتمريض على المستوى القومي". إنجاز تاريخي ومن جانبه، يقول الدكتور وحيد دوس، أستاذ أمراض الكبد والجهاز الهضمي بجامعة القاهرة، ورئيس اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية، إن مبادرة الرئيس السيسي للقضاء على "فيروس سي"، قد حققت "إنجازًا تاريخيًا، حيث تحولت مصر من أعلى نسبة للإصابة بالفيروس إلى أول دولة مرشحة للقضاء على المرض، وفقًا لتقارير منظمة الصحة العالمية، مشيرًا إلى "قيامنا بعلاج ما يقرب من 2 مليون مريض، في إشادة عالمية بتجربتنا الرائدة في (مكافحة) المرض خلال فترة وجيزة". وباء فيرس سي ويقول الدكتور جمال شيحة، أستاذ الكبد بجامعة المنصورة، ورئيس ومؤسس جمعية رعاية مرضى الكبد بجامعة المنصورة، ورئيس لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس النواب "في السابق، كانت مصر مصابة بوباء يسمى فيروس سي"، و"بلغ عدد المصابين من 7 إلى 8 ملايين مواطن مصاب بالفيروس، ولكن تم توفير العلاج الفعال الذي يعطى بالفم في نهاية 2013، أصبح توفير هذا العلاج بسعر مناسب ضرورة لبدء حملة واسعة لعلاج الفيروس"، لافتًا إلى أننا "استطعنا من خلال اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية أن نصل إلى هذا السعر المناسب، هذا بالإضافة إلى قيام شركات الأدوية المصرية بتوفير البديل المحلي بخامات من الهند والصين لها نفس الفاعلية". ويضيف شيحة "لقد تم توفير هذه الأدوية بأسعار مناسبة جدًا، بل وأقل مقارنة بالعالم، ومن هنا بدأت حملة العلاج، حيث قامت الدولة ووزارة الصحة والجمعيات الأهلية في خلال السنوات الأربع الماضية بعلاج أكثر من مليون ونصف مليون مواطن، هم ممن يعلمون أن لديهم فيروس سي، والذي يعد إنجازًا غير مسبوق في العالم كله، حيث إن هذا الرقم أضعاف ما عالجه العالم، ولكن هناك ما يقرب من 6 ملايين مصاب بالفيرس لا يعلم أنه مصاب، لذلك قامت الدولة منذ فبراير الماضي بعمل مسح شامل لكل المواطنين، حتى نتمكن من إيجاد هؤلاء المصابين ومعالجتهم على الفور"، نافيًا وجود ما يسمى ب"قوائم الانتظار". قرى خالية من الفيروسات ويشير شيحة، إلى قيام جمعية رعاية مرضى الكبد بتبني مشروع "قرى خالية من فيروس سي"، الذي عمل على ما يقرب من 70 قرية مصرية على مستوى 7 محافظات، مشيرًا إلى اتخاذ هذا المشروع كنموذج يحتذى به دوليًا وعالميًا لمكافحة الفيروس، و"تمت الإشادة به، ولو قامت الدولة بتعميمه على ال4 آلاف قرية على مستوى الجمهورية بإمكانيات الدولة، ومشاركة المجتمع المدني والشعب خلال السنوات القليلة القادمة، فسيوفر مليارات الجنيهات للدولة". حلم قومي ويشير الدكتور محمد عز العرب، أستاذ الكبد ومؤسس وحدة الأورام بالمعهد القومي للكبد، والمستشار الطبي للمركز المصري للحق في الدواء، إلى أن القضاء على "فيروس سي" هو "حلم وأمل قومي مصري، ويتم المسح الطبي ل 45 مليون مواطن مصري خلال عامين، وذلك بالتعاون مع كبرى شركات الأدوية، ومن يثبت إيجابيته لتحليل الأجسام المضادة للفيروس أثناء المسح يتم عمل التحليل التأكيدي لوجود الفيروس، وهو تحليل PCR، ومن يثبت إصابته بالفيروس يتم تحويله على نفقة الدولة للعلاج، عن طريق المراكز العلاجية التابعة للجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية"، لافتًا إلى أن "هناك أكثر من 70 مركزًا علاجيًا على مستوى الجمهورية، هذا بالإضافة إلى أن من له تأمين صحي يتم علاجه على نفقته، فهناك أكثر من 100 مركز علاجي تابع للتأمين الصحي". عدة أهداف ولفت عز العرب، إلى تحقيق هذا الهدف، الذي يستهدف أن تقل نسبة الإصابة إلى أقل من 1% من عدد السكان، يستلزم الآتي: أولًا: الاهتمام بالجانب الوقائي لإستراتيجيات محددة زمنيًا ومكانيًا، والتي تشتمل على إجراءات فاعلة لمكافحة العدوى في جميع المنشآت الطبية العامة والخاصة، مما يستلزم توفير جميع الإمكانيات والمستلزمات الطبية لتحقيق ذلك، مع التدريب الكامل لجميع الفرق الطبية على الجودة في مكافحة العدوى. ثانيًا: التخلص الآمن من النفايات الطبية من جميع المستشفيات العامة والخاصة والمراكز الطبية وعيادات الأطباء والتفتيش الدوري على ذلك. ثالثًا: نقل الدم الآمن يتم بشكل جيد منذ فترة، ولكن نطالب بتوفير أجهزة "NAT "، وهي أجهزة الكشف على الحامض النووي، حيث تكشف على الفيروسات الكبدية في أكياس الدم بدقة عالية جدًا في جميع أماكن تجميع ونقل الدم في جميع المحافظات. رابعًا: زيادة التوعية الصحية بأسباب العدوى بالفيروسات الكبدية وكيفية الوقاية منها، مع توفير الأدوات التي تمنع العدوى في المجتمع، والمثال على ذلك توفير أدوات الحلاقة باستخدام مرة واحدة، والتنبيه على مخاطر عادة الوشم عند الشباب، ومكافحة إدمان المخدرات، ومشاركة علماء الاجتماع والنفس الإجراءات الوقائية مهمة جدًا من الإجراءات الطبية، هذا بالإضافة إلى ضرورة تطبيق برنامج الحقن الآمن وذلك باستخدام الإبر ذاتية التدمير. وأردف عز العرب: تحقيق هذا الهدف يعد إنجازًا لمصر، خاصة أن منظمة الصحة العالمية وضعت هدفًا عالميًا للقضاء على الفيروسات الكبدية بحلول عام 2030 على مستوى العالم، مشددًا على ضرورة توفير الدعم المالي من الخزانة العامة للدولة، وزيادة بند الإنفاق على الصحة، بتفعيل مواد دستور 2014 بطريقة فعلية لتحقيق هذا الهدف.