باستثناء الولاياتالمتحدة والكيان الإسرائيلي الغاصب، تحظى جمهورية كوبا بشعبية فائقة، في محيطها الإقليمي، حيث دول الكاريبي وأمريكا الوسطى واللاتينية، وتلعب دورًا قياديًا رائدًا بين بلدان العالم الثالث، وبالذات، في قارتي إفريقيا وآسيا، ويحظى شعبها، الصامد ضد حصار اقتصادي ومالي وتجاري أمريكي ظالم، بمشاعر الاحترام، عموما، فيما تبقى من عواصم بامتداد المعمورة. هذا، في الواقع، ما شعرت به بإعجاب وبصدق، خلال حضوري، مساء يوم الخميس الماضي، مراسم الاحتفال بالعيد الوطني الكوبي، بأحد فنادق القاهرة، وسط حشد هائل من مدعوين ومهنئين، مصريين وعرب وأجانب، جاءوا- جميعهم- لإثبات موقف، ولإظهار مساندة من حكومات بلدانهم لشجاعة كوبا، في مواجهة سياسة حصار جائرة، تتبعها إدارة ترامب. سعادة سفير كوبا، لاوريانو رودريجيز كاسترو، الذي مارس دورًا قياديًا مرموقًا خلال رئاسته للسلك الدبلوماسي لدول أمريكا اللاتينية بالقاهرة، على مدار الأعوام الأربعة الماضية، نال- هو وقرينته- حظًا من التقدير والاحترام، والشعبية، التي تتمتع بها بلاده، وقد بدا ذلك جليًا خلال مراسم الاحتفال بالعيد الوطني، حيث فاز الدبلوماسي الكوبي بقدر هائل من تكريم يستحقه بمناسبة انتهاء مهمته في مصر. في صباح يوم 26 يوليو من عام 1953، هاجم الزعيم الراحل "فيدل كاسترو"، ونحو 160 من خيرة رجاله، ثكنة عسكرية لجيش "باتيستا" العميل، والمدعوم من الولاياتالمتحدة، لتنطلق الشرارة الأولى، في ذلك الوقت، لأعمال فدائية وبطولية متتالية، توجت بانتصار الثورة الكوبية في الأول من يناير عام 1959. ظلت الولاياتالمتحدة على عدائها وكراهيتها للثورة الكوبية ولقادتها منذ يوم ولادتها، وطبقت حصارًا ضد كوبا من جانب واحد، على مدار العقود الست الماضية، تسبب في تراكم أضرار بلغت نحو 822.3 مليار دولار، مع الأخذ في الاعتبار انخفاض قيمة الدولار مقابل قيمة الذهب في السوق الدولية. وبالأسعار الجارية، تسبب الحصار في أضرار قابلة للقياس الكمي تقدر بنحو 130.2 مليارا. في مثل هذا الشهر منذ 12 عامًا، أي في يوليو 2006، زرت كوبا، وتزامنت الزيارة مع إعلان الرفيق فيدل كاسترو تنحيه عن السلطة، تمهيدًا لتسليمها إلى شقيقه راؤول، الذي سلم السلطة، هو الآخر، منذ أشهر قليلة، لرئيس من الجيل الجديد، هو ميجيل دياز كانيل (57 عامًا). خلال فترة زيارتي تلك لكوبا،عشت مع شعبها جانبًا من معاناته، نتيجة للحصار الأمريكي الظالم، تكفي الإشارة إلى أن أكثر من 70 في المائة من السكان الكوبيين قد ولدوا في إطار تطبيق حصار مقيت يعرقل خطط التنمية الاقتصادية لكوبا ويشكل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان للشعب الكوبي الصديق والشقيق. في الفترة بين عامي 2015 و2016، أجرت السلطة التنفيذية للولايات المتحدة، تحت قيادة الرئيس أوباما الذي زار كوبا في مارس 2016، تعديلات على بعض أنظمة سياسة الحصار لتعديل تطبيقها، وكانت هذه خطوة في الاتجاه الصحيح، تهدف إلى تعديل سياسة عفا عليها الزمن، وظالمة، ومرفوضة تقريبًا عالميًا. ولقد أظهر التقدم المحرز خلال هذه الفترة القصيرة أن كوباوالولاياتالمتحدة يمكن أن تعيشا معًا بطريقة حضارية تحترم خلافاتهما وتتعاونان لصالح البلدين والشعبين معًا. في 16 يونيو من العام التالي، 2017، حدث ما لم يكن في الحسبان، أبدًا، حيث أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، التراجع عن خطوة أوباما التاريخية في الاتجاه الصحيح مع كوبا، وأعاد الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي المفروض باعتباره عنصرًا أساسيًا في سياسته تجاه الجزيرة، وكرر تأكيد هذه السياسة الظالمة في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر 2017. على هذا النحو، المفاجئ والمثير للدهشة، تراجع الرئيس ترامب بشكل مخز عن تقدم جرى إحرازه فعليًا في مسيرة تطبيع العلاقات الثنائية بين كوباوالولاياتالمتحدة، وتكللت المسيرة تلك بإعادة العلاقات الدبلوماسية بين هافانا وواشنطن، وتطبيع الروابط الثنائية، وفقًا للإعلان المشترك بين الرئيسين راؤول كاسترو وباراك أوباما، في 17 ديسمبر من عام 2014. لم يتوقف الرئيس ترامب عند حد هدم كل ما بناه سلفه أوباما لتطبيع العلاقات مع كوبا، بل أعلنت حكومته عن عدة تدابير: - تفرض حواجز إضافية للفرص المحدودة أصلا للتبادل التجاري الثنائي. - تفرض المزيد من القيود على حق المواطنين الأمريكيين في السفر إلى كوبا. - .. وتفرض الحواجز والقيود على نقل التكنولوجيا والمعدات التقنية الضرورية، التي تنتجها شركات أمريكية، أو شركات تابعة، لها لحرمان الشعب الكوبي- تماما- من تحقيق أي فرصة للتنمية المستدامة، وبالذات، في قطاع الصحة العامة، حيث تتكفل الدولة هناك بحصول جميع مواطنيها على الخدمات الصحية مجانا. اللافت للنظر أن سياسة ترامب- هذه المعادية لكوبا- تتناقض مع استطلاعات للرأي أجريت داخل الولاياتالمتحدة، وأظهرت أن 73 في المائة من الأمريكيين و63 في المائة من الكوبيين المقيمين في ذلك البلد، يرفضون الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي المفروض ضد كوبا، كما أوضح تقرير أمريكي صادر في شهر يونيو 2017، أن التدابير- المفروضة من ترامب ضد كوبا- تمنع 12 ألف و295 وظيفة على المديين القصير والمتوسط والتي من شأنها إدخال 6.6 مليار دولار. أمام هذا التطور المفاجئ والمتراجع في سياسة ترامب، ما هو المنتظر والمتوقع والمأمول من جانب حكومة الرئيس الكوبي الجديد ميجيل دياز كانيل؟ تؤكد كوبا – من جديد- أنها لن تقدم تنازلات من أي نوع أو تتخلى عن مبادئها، كما تؤكد استعدادها لمواصلة الحوار والتعاون المحترمين بشأن المسائل ذات الاهتمام المشترك والتفاوض بشأن المسائل الثنائية المعلقة مع الولاياتالمتحدة، على أساس المساواة والمعاملة بالمثل واحترام سيادة كوبا واستقلالها. وتدعو كوباالولاياتالمتحدة لأن تنهى- من جانب واحد ودون قيد أو شرط- الحصار الجائر الذي يعاني منه الشعب الكوبي منذ ما يقرب من 60 عامًا، باعتباره حصارًا أحادي الجانب، الأكثر ظلمًا وشدة والأطول مدة طبق على أي بلد. [email protected]