أعلنت وزارة الآثار، البدء في أعمال ترميم وكالة الجداوى بمدينة إسنا جنوب محافظة الأقصر، بالتعاون مع شركة تكوين لإحياء التراث القديم وتنمية المجتمعات المتكاملة، حيث كانت الوكالة الأثرية العتيقة، تعاني شروخا طولية وعرضية فى الواجهة، تزداد بصفة يومية مع اعوجاج فى الواجهة، تمتد خطورته إلى الدرجة الأولى، مما يهدد حياة المارة، هذا بجانب انفصال العتب والعقد عن الواجهة، ووجود شروخ وتلف أحد الأعمدة فى الدور الأول، فضلا عن انهيار السلم الصاعد، الذى يقع فى الركن الشمال الشرقى، ووجود شروخ طولية وعرضية باتساع كبير فى الدور الثانى، وسقوط سقف إحدى الحجرات بالدور الثانى. ويحدد المؤرخون أن حسن بك الجداوي المملوك لعلي بك الكبير، وأحد أفراد حاشية محمد بك أبو الدهب، أنشأ الوكالة في عام 1712م. كما يؤكد الباحثون في علوم التاريخ، أنه قد لقب بالجداوي، نظراً لتوليه إمارة جدة في مدينة إسنا عام 1184ه \1770م، ومات بغزة بالطاعون عام 1215ه/1800م. وكانت الوكالة مركزا تجاريا و قبلة تبادل للمنتجات في ذلك الوقت. وشيد الجداوي عدة قصور في مدينة إسنا العريقة، منها الذي اندثر، مثل القصر الذي اتخذه القائد الفرنسي ديزية قاعدة له، وقت الحملة الفرنسية علي مصر، حيث أطلق عليه الأهالي بستان الفرنساوية، وقد اندثر القصر الذي كان يطل علي نهر النيل مباشرة، في عهد خلفاء محمد علي باشا. وقال الأثري محمود مدني، صاحب كتاب الوكالات الأثرية بالصعيد ل"بوابة الأهرام": إن الوكالة تتكون من فناء كبير، تحيط به المحلات التجارية، يعلو مدخلها "مكسلتان" من الأجر والطوب اللبن، ترتفع نحو 80سم، وتحتوي الوكالة علي أربعين حجرة/ وملحقات أخري تلتف في طابقين. وأضاف مدني، أنه يوجد بداخلها طابقان، يحتوي كل طابق على مخازن، وغرف للعمال والمغتربين، ومحلات تجارية يفتح كل منها على ممر، عبارة عن رواق مسقوف ب “البراطيم” وجذوع النخيل، كما يوجد بها بهو مسقوف على شكل "صحن"، مغطى ب "خشخيشة" على شكل مخروطي. وأكد مدني أن إسنا كانت في أوائل العصر العثماني مأوى للمماليك الفارين إليها، والمطاردين بسبب الفتن والثورات، التي كانت تقع فيما بينهم، وقد فر إليها مراد بك وحسن بك الجداوي وإسماعيل بك وصالح بك وعثمان بك، وقد سماهم الجبرتي بالقبليين، لأنهم اعتصموا بالوجه القبلي ضد السلطان العثماني، حتى توسط لهم السيد عمر مكرم، وصالحهم مع الوالي بالقاهرة، وكان لهؤلاء المماليك بإسنا أملاك واسعة وقصور شامخة. وأوضح الأثري محمود مدني، أن الوكالة كانت تستخدم كمقر ومنزل للتجار والبيع والشراء للسلع والحاصلات في الطابق الأول، حيث كانت إسنا تشتهر في ذلك الوقت بكونها مركزًا للتبادل التجاري في صعيد مصر، ومحطة لمرور القوافل التجارية محملة بالبضائع، وأهمها "الصمغ العربي، ريش النعام، وسن الفيل". ذكر الرحالة جون لويس بوركهارت في رحلته التي بدأها عام 1813م، مدينة إسنا ومقابلته لحسن بك الجداوي، كما وصف نزوله ضيفاً عند آل حباتر، الذين كانوا يسيطرون علي التجارة في المدينة آنذاك قائلاً : أما الكتاب الذى عقدت عليه الآمال فى نجاح الرحلة، فكان من آل حباتر عيون تجار إسنا وقد أوصاهم بى صديق فى القاهرة. ويكاد آل حباتر يحتكرون تجارة البلح النوبية، وهم وكلاء للحكام النوبيين فى كافة صلاتهم السياسية بمصر، يضاف إلى ذلك أنهم من الأشراف ذوى الثراء العريض، لذلك كانوا يتمتعون بسمعة طيبة واسعة، وقد تجدى توصياتهم بالتجار والمسافرين على طول الطريق الصاعد مع النيل حتى سنّار. وفى إسنا سوق للإبل اشتهرت فى مصر كلها، لأن عرب البشارية والعبايدة يختلفون إليها، ومعروف أنهم يقتنون أعرق الإبل فى هذه الأصقاع من إفريقيا، وقد أثبتت التجربة أنهما من أقوى الإبل وأصلبها عودا، ووصلت أسوان بعد رحلة سهلة من إسنا تقتضي أربعة أيام. وأوضح الأثري محمود مدني، أن الوكالة تطل على معبد إسنا بارتفاع 8 أمتار، تعلو واجهة باب الوكالة عتبة من الخشب، منقوش عليها النص التأسيسي بالحفر الغائر، كتب على جانبها الأيمن، "نصر من الله وفتح قريب"، "وبشر المؤمنين يا محمد"، وسورة الإخلاص. وأضاف مدني، أنه في عام 1826م، تم إنشاء قسم إسنا، وجعل مقره بلدة إسنا، وكان يشمل عدة بلاد، من بلاد ولاية جرجا، وفي سنة 1833م أصبح قسم إسنا، أحد أقسام مديرية قنا، حيث كانت إسنا قاعدة للمديرية، ومن أول يناير 1890م، سمي مركز إسنا، بدلاً من قسم إسنا. وقد كانت إسنا تضم في بعض الحقب الزمنية 13 ألف منزل/ كلها مبنية بالآجر، وبها 70 حارة كبيرة ومدرستان وحمامان وأسواق كثيرة، والعديد من أبراج الحمام، وكان بها كثير من الحرف والصناعات، مثل صناعة المنسوجات الصوفية السميكة المعروف ( بالكليم )، ويتبع مركز إسنا حالياً العديد من القرى والنجوع ذات التاريخ الحافل. في سياق متصل أوضح محمود عبداللطيف، مدير قطاع آثار إسنا وأرمنت، أن مشروع ترميم الوكالة يأتي فى إطار خطة القطاع للتعاون مع الجمعيات الممولة لمشروعات الترميم لإعادة تأهيل المنشأت الأثرية، تحت اشراف وزارة الآثار، لافتاً إلى أن وزارة الآثار أعلنت أن خطة الترميم تتضمن أعمال ترميم الوكالة الأعمال الإنشائية والمعمارية، وتجديد شبكة الصرف الصحي بها، وتغذيتها بالمياه، وأعمال الاضاءة والإنارة، هذا بالاضافة إلي إعادة توظيفها بما يضمن بقاءها عامرة بالأنشطة لخدمة البيئة المحيطة بها.