العيد فرحة لكل من صام رمضان وقام ليله وتزكى، والنبي، "صلى الله عليه وسلم" يقول: (للصائم فرحتان، فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه)، وفرحة الإفطار في عيد الفطر كما قال النبي، "صلى الله عليه وسلم"، لمن شعر أنه أدى الفريضة كما أمره الله تبارك وتعالي. ومن طهر نفسه من الرفث واللغو في رمضان بأداء الزكاة التي أمر بها النبي "صلى الله عليه وسلم"، ومن وصايا النبي، "صلى الله عليه وسلم" في العيد، وأهم شيء يفعله المسلم في العيد هو صلة الأرحام، وأمرنا الله ببرها ووصلها، ومن يصل رحمه يزيد الله في عمره. والمقصود بالزيادة أن يبارك الله تعالى في عمر الإنسان الواصل ويهبه قوة في الجسم ورجاحة في العقل، ويوسع له في رزقه، ومن هنا تأتى الفرحة باجتماع الأهل والأقارب وتبادل التهاني بالعيد. وتعتبر مصر من الدول الأولى التي تقوم بتبادل الزيارات في الأعياد وإفشاء السلام وتبادل التهاني وصلة الأرحام، والتوسعة على الأهل. ويقول الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق، إن هذا العيد، جاء في وقت ربما كثرت فيه القلاقل والاضطرابات، ولكن ينبغي أن يبقى العيد عيدًا؛ ولتفرح الأسر ويسعد الناس بيوم العيد فهو يوم فرحة، ويوم مرح وسرور. ويضيف الشيخ عاشور، أن الله أعطانا هذه الأيام المباركة؛ لنمارس فيها كل المرح المشروع، وكل الفرح الذي لا يخرج عن إطار القيم والمثل والأخلاق، ونسعد أبناءنا وذوينا وأن يكون العيد دائمًا، يومًا للتقارب، والتحابب والتعاون وصلة الأرحام لتتقوى الأواصر، وتشتد العلاقات ويقوى الارتباط، فنكون الأمة الواحدة التي قال فيها الله عز وجل: (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون). قاطعها لايدخل الجنة وفى سياق متصل يشير الدكتور سعيد عامر أمين عام اللجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر الشريف، إلى أن الله أمرنا بصلة الأرحام، والبر والإحسان إليهم، ونهانا الله عن قطيعتهم والإساءة إليهم، بل إن الله تعالى حذر تحذيرًا شديدًا من مقاطعتهم، ووعدَّ "صلى الله عليه وسلم" بأن من قطع الأرحام لا يدخل الجنة مع أول الداخلين، وأحاديث النبي "صلى الله عليه وسلم" كثيرة عن صلة الرحم، وكان الترغيب فى صلة الأرحام دينيًا ودنيويًا، وعن أبى هريرة "رضي الله عنه" قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت) رواه البخاري. ويؤكد الدكتور عامر، أن العيد فرصة عظيمة لزيارة الأرحام وصلتها، حتى وإن كان مقاطعًا لك، وقاطع رحمه له عقوبة فى الدنيا والآخرة. تجلب البركة في العمر والرزق وأكد الدكتور محمود عبده نور، الأستاذ بجامعة الأزهر، أن صلة الرحم تزيد فى العمر، وتبارك فى الرزق فقد أخرج البخارى ومسلم عن أنس "رضى الله عنه" أن النبى "صلى الله عليه وسلم" قال: (من سره أن يبسط له فى رزقه وأن ينسأ له فى أثره فليصل رحمه) (متفق عليه)، وينسأ تعني: يؤخر له فى أجله، ويزاد له فى عمره. وعن عائشة رضى الله عنها أن النبى "صلى الله عليه وسلم" قال: (صلة الرحم، وحسن الخلق، وحسن الجوار، يعمرن الديار، ويزدن فى الأعمار). أخرجه الإمام أحمد، وثواب صلة الرحم عظيم، وحذر من قطيعة الرحم، لأن النبي، "صلى الله عليه وسلم"، حذر من خطورة هذا القطع، لما فيه من ذنوب كبيرة. التكبير للعيد وأضاف، د. نور، للعيد فرحة، فرحة بفضل الله ورحمته، وكريم إنعامه، ووافر عطائه، فرحة بالهداية يوم ضلت فئام من البشر عن صراط الله المستقيم، يجمع العيدُ المسلم بإخوانه المسلمين، فيحس بعمق انتمائه لهذه الأمة ولهذا الدين، فيفرح بفضل الله الذي هداه يوم ضل غيره "ولتكملوا العدّة ولتكبروا الله على ما هداكم"؛ أيُّ نعمةٍ أعظم، وأيّ منٍّ أمنُّ وأفضل من أن الله هدانا للإسلام. وتابع الدكتور نور للعيد فرحة بإكمال العدة واستيفاء الشهر، وبلوغ يوم الفطر بعد إتمام شهر الصوم، فلله الحمد على ما وهب وأعطى، وامتن وأكرم، ولله الحمد على فضله العميم ورحمته الواسعة "قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ". فهذا العيد موسم الفضل والرحمة؛ وبهما يكون الفرح ويظهر السرور، قال العلماء: "إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين"، وشَرع النبي - صلى الله عليه وسلم- وتقريره إظهار الفرح وإعلان السرور في الأعياد ، قال أنس "رضي الله عنه": "قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: إن الله أبدلكم بهما خيرًا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر". الفرحة من الشريعة وأشار الدكتور نور إلى أن هذه الفرحة من الشريعة التي شرعها الله لعباده؛ إذ في إبدال عيد الجاهلية بالعيدين المذكورين دلالة على أنه يفعل في العيدين المشروعين ما يفعله أهل الجاهلية في أعيادهم من اللعب، مما ليس بمحظور؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما خالفهم في تعيين الوقتين". مزمار في بيت النبي وأوضح د. نور أن ذلك يبين هذا خبر عائشة - رضى الله عنها - قالت : "دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنّيان بدفّين بغناء بُعاث، فاضطجع على الفراش، وتسجّى بثوبه، وحول وجهه إلى الجدار، وجاء أبوبكر فانتهرهما، وقال: مزمارة الشيطان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فكشف النبي وجهه، وأقبل على أبي بكر، وقال: دعهما، يا أبا بكر إن لكل قومٍ عيدًا وهذا عيدنا". مشاهد السرور وأكد الدكتور نور، أن من مشاهد السرور بالعيد بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ما فعله الحبشة، حيث اجتمعوا في المسجد يرقصون بالدرق والحراب، واجتمع معهم الصبيان حتى علت أصواتهم، فسمعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فنظر إليهم، ثم قال لعائشة: "يا حُمَيْراء أتحبين أن تنظري إليهم، قالت: نعم، فأقامها - صلى الله عليه وسلم - وراءه خدها على خده يسترها، وهي تنظر إليهم، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يغريهم، ويقول: دونكم يا بني أرفدة، لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني بعثت بالحنيفية السمحة". واختتم الدكتور نور قائلا: فلماذا نقتل فرحة العيد بفتح الجراح والنواح على كل ما مضى وراح، وزيارة القبور في أول أيام العيد؟! وننسى أن لكل مقام مقالًا، ونعيش فرحة العيد كما فعل النبي، صلى الله عليه وسلم، ولو أنا قتلنا كل فرحة، وأطفأنا كل بسمة، ولبسنا الحزن، وتلفّعنا بالغم، وتدرعنا بالهم، فيصبح عيدًا للغم لا للفرح والسرور. الدكتور سعيد عامر أمين عام اللجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر مع المحرر