مر شهر رمضان سريعًا بأيامه ولياليه المليئة بالخير والبركة، والتي تسابقنا فيها واجتهدنا في الطاعات والعبادات من صيام وصلاة وقيام وقراءة للقرآن؛ ليأتي هلال شوال مؤذنًا بمقدم يوم عيد الفطر الذي يعرف باسم يوم "الجائزة" لكل من اجتهد طوال الشهر في التقرب إلى الخالق. ما هي الجائزة؟ ليس يومٌ أحب إلى العبد الطائع من يوم يرى فيه أثر طاعته وعبادته، وقد قَبِلها الله - عز وجل - وضاعف له فيها الأجر، الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف؛ ولأن شهر رمضان تتضاعَف فيه الأجور، فيَفرح المؤمن حين يرى عظيم ما قدَّم، كما قال النبي - عليه الصلاة والسلام - في الحديث القدسي: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ، وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ". ومن هذا الحديث نرى أن الجائزة لها وجهان، وجه في الدنيا فيفرح الصائم؛ لأنه وافق طاعة ربه بنفْس سخيَّة زكية راضية، ويفرح؛ لأنه أتمَّ طاعةً مفروضةً، ويَفرح؛ لأن الله رفع عنه مشقَّة التكليف بالصيام يوم العيد، ويَفرح؛ لأن الله أباح له ما كان قد حرَّمه عليه في شهر الصيام، ويفرح؛ لأنه أدخل السرور على مسلم محتاج صبيحة يوم الفطر، كلها أفراح وجوائز في الدنيا نَستشعِرها يوم الفطر. فهذه هي فرحة الصائم الأولى: "فرحة عند فطره"، لكنَّ الأهم هو الفرح في الموقف الطويل واليوم العظيم يوم القيامة، وهي الفرحة الثانية المقصودة "وفرحة عند لقاء ربه"، فحين يقف الناس بين يدَي الله في يوم القصاص، حين يقتصُّ الخلق بعضهم من بعض كما صح عنه - عليه الصلاة والسلام - وعند البخاري من حديث أبي هريرة قال: "إذا خلص المؤمنون من النار حُبِسوا بقنطرة بين الجنة والنار، فيتقاصُّون مظالم كانت بينهم في الدنيا"، فتحصل المقاصَّة في الحسنات، وهنا سنرى جميعًا "المفلس" الذي تحدَّث عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - والذي يأتي بحسنات كثيرة مثل الجبال فتذهب هنا وهناك من أجل القصاص؛ كونه سبَّ فلانًا أو آذى فلانًا، أو ظلم فلانًا، فتتناثر الحسنات يَمنةً ويَسرةً، وهنا تأتي فرحة الصائم، ويُعطى جائزته في الموقف يوم أن يرى تلك الحسنة "الصوم" التي لا تخضع مطلقًا للقصاص، ولا يستطيع أحد المساس بها، ولن تذهب في ميزان الآخَرين فهي خالصة لصاحبها مدَّخرةٌ له، وهذا مفهوم قول المولى - عز وجل - في الحديث القدسي السابق: ((قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به))، فالصومُ عبادة لله وحده بخصوصية مختلفة. فرض زكاة الفطر ومن أهم شروط يوم عيد الفطر زكاة الفطر، التي فرضها الله في الثامن والعشرين من رمضان عام 2ه ، وكانت قد فرضت قبل زكاة الأموال، وهي واجبة من القرآن والسنة والإجماع. وقد شرعت زكاة الفطر؛ تطهيرًا للنفس من أدرانها من الشح والبخل، وتطهيرًا للصيام مما قد يؤثر فيه وينقص ثوابه من اللغو والرفث ونحوهما، وتكميلًا للأجر وتنمية للعمل الصالح، ومواساة للفقراء والمساكين، وإغناءً لهم من ذلِّ الحاجة والسؤال يوم العيد. وفيها إظهار شكر نعمة الله تعالى على العبد بإتمام صيام شهر رمضان وما يسّر من قيامه، وفعل ما تيسر من الأعمال الصالحة فيه، وفيها إشاعة المحبة والمودة بين فئات المجتمع المسلم. وتجب زكاة الفطر على كل مسلم ذكرًا كان أو أنثى، حرًّا كان أو عبدًا، يمتلكا قوتًا يزيد عن حاجته وحاجة من يعولهم في ليلة العيد، فيخرجها المسلم عن نفسه وعن من يعولهم من زوجة أو أبناء أو أخوة حتى ولو لم يكن مفروضًا عليهم الصوم. ودليل فرضية زكاة الفطر هو حديث الرسول "صلى الله عليه وسلم" لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "فرَض النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صدقةَ الفِطرِ، أو قال: رمضانَ، على الذكرِ والأنثى، والحرِّ والمملوكِ، صاعًا من تمرٍ أو صاعًا من شعيرٍ، فعدَلَ الناسُ به نصفَ صاعٍ من بُرٍّ" - صحيح البخاري وقت الزكاة يبدأ وقت زكاة الفطر من غروب شمس آخر يوم في رمضان وحتى قبل صلاة عيد الفطر، كما يجوز إخراجها قبل ذلك بيوم أو يومين، كما كان الصحابة رضي الله عنهم يفعلون، فإذا ما أُخرت لما بعد صلاة العيد فإنها تعتبر صدقة من الصدقات وليس زكاةً للفطر، ويجب أن تُخرج زكاة الفطر في موعدها دون تأخير من أجل التيسير على المحتاجين في هذا الوقت لقضاء حوائجهم المختلفة في ليلة العيد وما قبلها، ولا يجب أبدًا تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد، لقوله "صلى الله عليه وسلم": "أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم". ومقدارها وفقًا للشريعة صاعًا من تمر أو قمح أو أرز أو غير ذلك مما يقتات عليه الإنسان وتخرج للفقراء والمساكين، وما يقصد من الصاع هو ما كان أهل المدينة في عهد النبي "صلى الله عليه وسلم" يعتادون عليه وهو عبارة عن أربعة أمداد، ومعنى المد أي ملئ كف الرجل ويداه معتدلتان، وقد أباح الكثير من العلماء إمكانية إخراج قيمة زكاة الفطر نقدًا، بأن يتم تقدير قيمة الصاع وإخراج ثمنه بالنقود للمحتاجين. وقد نشرت دار الإفتاء المصرية بيانًا عن مفتى الجمهورية، الدكتور شوقي علام، قال فيه إنه قد تم التنسيق هذا العام مع مجمع البحوث الإسلامية برئاسة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، في تحديد قيمة زكاة الفطر هذا العام، وتم الاتفاق على أن تكون 13 جنيهًا للفرد الواحد كحد أدنى، وذلك وفقًا لما تم الاتفاق عليه من قبل على رأي الإمام أبي حنيفة في جواز إخراج قيمة زكاة الفطر مالًا بدلًا من الحبوب، من أجل التيسير على الفقراء في سد حاجياتهم المختلفة والمتعددة. سنن يوم الفطر ومن سنن يوم الفطر تناول تمرات وترًا قبل الخروج إلى صلاة سنة العيد، وهذه الصلاة هي من السنن المؤكدة التي يستحب لها الغسل، والتطيب، ولبس أجمل الثياب، ومخالفة الطريق، ومن تلك السنن إخراج زكاة الفطر كما ذكرنا. وأيضا من سنن عيد الفطر إتباعه بصيام ستة أيام من شهر شوال، وذلك لقول النبي "صلى الله عليه وسلم": "من صام رمضان، ثم أتبعه ستًا من شوال، كان كصيام الدهر" - صحيح مسلم. أصل التكبير في صلاة العيد ومن سنن العيد أيضًا التكبير بهذه الكلمات المأثورة من صيغ التكبير: الله أكبر الله أكبر الله أكبر ... لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر .. ولله الحمد وهناك زيادة وهي: الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا لا إله إلا الله وحده ... صدق وعده .. ونصر عبده .. وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده .. لا إله إلا الله .. ولا نعبد إلا إياه .. مخلصين له الدين ولو كره الكافرون اللهم صل على سيدنا محمد.. وعلى آل سيدنا محمد.. وعلى أصحاب سيدنا محمد.. وعلى أنصار سيدنا محمد.. وعلى أزواج سيدنا محمد.. وعلى ذرية سيدنا محمد وسلم تسليمًا كثيرا.. وقد اعتاد المصريون هذه الزيادة في صيغة التكبير منذ زمن الإمام الشافعي الذي قال: "وإن كبَّر على ما يكبِّر عليه الناس اليوم فحسن، وإن زاد تكبيرًا فحسن، وما زاد مع هذا من ذكر الله أحببته ". عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي "صلى الله عليه وسلم" كبر في عيد اثنتي عشرة تكبيرة: سبعًا في الأولى، وخمسًا في الآخرة، ولم يصل قبلها ولا بعدها .. رواه أحمد وابن ماجه. من آداب التكبير: رفع الصوت للرجال بالتكبير، أما المرأة فإنها تكبر بقدر ما يسمع من بجوارها أو تسمع نفسها. من معاني التكبير "الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله": فالله أكبر في قلبك وروحك وعقلك من كل شيء، فلا تجد في قلبك توكلًا على أحد، ولا استعانةً بأحد، ولا رجاء في أحد، ولا خوفًا من أحد سواه سبحانه. " الله أكبر ولله الحمد": فالحمد كله لله على نعمة الإسلام، والحمد لله على نعمة الإيمان، والحمد لله على القرآن، والحمد لله على سنة نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام .. دعاء ختم القرآن الكريم بصوت الشيخ معاذ زغبي إخراج غادة بهنسي