عندما سقط نظام مبارك تفاءل كثيرون خيرًا فى النظام الديمقراطى الجديد، لكن لم يدم التفاؤل كثيرَا، بعد أن أصبحت شرعية البرلمان فى يد القضاء، وأصبح -أيضًا- مصير اللجنة التأسيسية للدستور فى يد القضاء، لكن باتت "مصر الجديدة" مصدر تخوف لكثيرين، وبات تشريعها ودستورها مهددين بالبطلان. وحين تبدل "تفاؤل الماضى" ب"تشاؤم المستقبل" تساءل كثيرون عن الفرق بين الإسلاميين والحزب الوطنى المنحل؟، حيث جاء ذلك التساؤل على ألسنة المواطنين العاديين، قبل أن تطرحه القوى الثورية والحركات السياسية المعروفة، فضلا عن أن التساؤل لم يُطرح صدفة، أو دون مقدمات، بينما جاء بعد أن استحوذ الإسلاميين على أغلبية المقاعد بالبرلمان.. نعم كان ذلك عبر صناديق الانتخابات، لكن الاستحواذ الذى يتحدث عنه الشارع الآن، يخص الجمعية التأسيسية للدستور، والتفكير فى الاستحواذ على الحكومة، بعد سحب الثقة منها. لكن ذلك الاتهام رددته وسائل إعلامية تخطت حدود الوطن، وذكرته صحف عالمية ووكالات أنباء دولية، على لسان محللين سياسيين، وفقهاء دستوريين، وأعضاء فى حركات شبابية وثورية وسياسية، وسط استعدادات لمسيرات حاشدة، تطوف أرجاء عدد من المحافظات، على رأسها القاهرة، للتنديد بما وصفه البعض ب"طبخة الدستور". إلى ذلك، أعلنت نحو 18 قوة وحركة ثورية، دعوتها لجميع فئات الشعب المصرى، لتنظيم مظاهرات ومسيرات اليوم السبت، احتجاجا على تمرير الدستور، بعد محاولات التيار الإسلامى –سلفى وإخوانى- السيطرة على اللجنة التأسيسة، وهو ما اعتبره البعض تذكارًا لسياسات النظام السابق، الذى كان يستحوذ على كل مجريات الأمور، سواء فى الحكم أو الحكومة أو البرلمان "شعب وشورى". منذ أن قامت السلطة التشريعية بدورها بعد انتخاب البرلمان، تحولت الانتقادات اللازعة من "يسقط حكم العسكر" ل"يسقط البرلمان"، بل انتشرت على عدد من صفحات مواقع التواصل الاجتماعى "فيسبوك وتويتر"، هتافات تطالب بسقوطه، حيث طالته اتهامات بأنه خذل الشعب، ولم يتفرغ سوى لتصفية الحسابات مع الحكومة والحكم العسكرى، بينما لم يتبن أى قضية من شأنها نهضة الاقتصاد المصرى الذى اقترب من الإنهيار على رؤوس الجميع. كما ظهر الرفض الشعبي لاختيار أعضاء اللجنة التأسيسية للدستور، من خلال مظاهرات رفع المشاركون فيها شعار "إنقاذ مصر من دستور البرلمان"، وانطلقت من مسجد النور بالعباسية، والنادي الأهلي بمدينة نصر، وميدان الحجاز وميدان روكسي بمصر الجديدة، إلى قاعة المؤتمرات، حيث الاجتماع المشترك لمجلسى الشعب والشورى، وشارك فيها عدة حركات أهمها 6 أبريل، والحركة المصرية من أجل التغيير "كفاية"، وشباب من أجل العدالة والحرية، والجبهة الحرة للتغيير السلمي. الدكتور جمال سلامة، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، اعتبر أن الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري قبل أيام، بقبول دعويين قضائيتين من حيث الشكل، للطعن على نسبة ال50% من داخل البرلمان، في تشكيل الجمعية التأسيسية، يعكس مخاوف قانونية عديدة، من أن يصدر الحكم ببطلان هذه النسبة، الأمر الذى يترتب عليه بطلان الدستور تماما، وهو مايشير إلى سقوط البرلمان في أول اختبار أمام الرأي العام، بعد انتقال الجدل السياسي إلى ساحة القضاء. بدوره، قال الدكتور محمود كبيش، عميد كلية حقوق جامعة القاهرة، إنه قام برفع دعوى قضائية ضد البرلمان أمام القضاء الإداري، لإلغاء قرار تشكيل لجنة تأسيسية الدستور، والمطالبة بمنع ضم نواب مجلسي الشعب والشورى إلى اللجنة، باختيار 50 عضوا من المجلسين في لجنة "المائة"، موضحا أن ما أثاره البعض حول عدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر الدعاوى القضائية المتعلقة بأعمال البرلمان، أمر غير صحيح، لأن تشكيل لجنة وضع الدستور عمل إداري بحت، خاصة أن صياغة المادة 60 من الإعلان الدستوري، لا تعطى أعضاء البرلمان الحق فى انتخاب أنفسهم. من هنا انقسمت التيارات فى مصر-وفقا للدكتور جمال سلامة- إلى اثنين، الأول يعتبر أن إصرار الأغلبية على انتخاب الجمعية التأسيسية، يمثل عوارًا دستورياً خطراً، كما أن الدستور، يتعين أن يكون نتاجا لتوافق جميع أطياف الشعب، وهو ما يعني أن ما قد تنتهي إليه اللجنة من نصوص قد لا يحظى بالتوافق العام، وهو ما يجعل الدستور الصادر عن تلك اللجنة –أيضاً- بذرة خلاف لا تنتهي، أكثر مما هي وثيقة للتوافق المجتمعي العام. أما الطرف الثانى، حسب سلامة، وهم الإسلاميون، فيعتبرون أن تشكيل تأسيسية الدستور، حق أصيل لبرلمان منتخب من الشعب، وأن البرلمان هو الأقدر دون غيره على تشكيل هذه اللجنة، باعتباره هيئة منتخبة أسند إليها الشعب وفق استفتاء مارس مهمة اختيار التأسيسية، وهي بالقطع طريقة اختيار أفضل بكثير من تشكيل الجمعية بقرار منفرد من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة أو الحكومة حسبما كان يجرى العمل به في دساتير سابقة. على هذا الأساس، يتمثل التخوف الأكبر، الذى لم يتطرق إليه الطرف الثانى، فى وجود مجموعة من المخاطر التي أصبحت تهدد كيان البرلمان نفسه، خاصة أن عدد الطعون التي تنظرها محكمة النقض، وتتعلق بصحة العضوية في البرلمان بلغ نحو 436 طعنا، وهو ما يشير إلى احتمالية حل البرلمان بقرار من المحكمة الدستورية العليا في وقت لاحق، إذا انتهت محكمة النقض إلى أحكام في مثل هذه القضايا، وما يترتب على هذا الحل، هو بطلان جميع القرارات الصادرة عن البرلمان، بما فيها قرار انتخاب التأسيسية، وعودة الأمور إلى النقطة الصفر.. وهنا تكمن الكارثة التى ستطول الطرف الأول والثانى، حتى الطرف الثالث نفسه "الذى يبحث عنه الجميع".