فى ذكرى مرور عام على الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى 19 مارس الماضى، ومع تزايد الجدل حول تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور وتوازى معركة الدستور مع معركة الانتخابات الرئاسية.. خيَّم الإحباط الذى انعكس على تعليقات شريحة كبيرة من المصريين على مواقع التواصل الاجتماعى خلال تذكرهم لأحداث الاستفتاء وما أسفر عنه من نتائج برزت على المشهد السياسي منذ مارس الماضى وحتى مارس الجارى. "يا ثورة ما تمت خدها الاستفتاء وطار" .. " زى انهاردة من السنة اللى فاتت أنا قلت نعم عن اقتناع لكن بعد اللى حصل من ساعتها ندمت لكن اكتشفت إنها مكنتش فارقة نقول نعم أو لا ولأن النتيجة اللى وصلنا لها مفيش حد راضي عنها " ، " بعد مرور سنة على استفتاء التعديلات الدستورية، الناس بتوع عشان البلد تستقر والأمن يرجع وعودة الجيش لثكناته وكدة يا ترى حسيتوا بالاستقراد والأمن والجيش رجع ثكناته " ، " اليوم ذكرى أول مسمار فى نعش الثورة للأسف عرفوا يفرقونا بالاستفتاء " ، " أكتر حاجه كانت بتضحكنى السنه اللى فاتت انهم كانوا بيقولوا أخضر يعنى نعم يعنى استقرار و "لا" يعنى أسود يعنى مهبب على دماغك وفى الآخر الأخضر بتاعهم قلب أسود على الكل برضه " ، " في ذكرى استفتاء مارس شكراً لكل من قال نعم ... مانجلكمش في انتخابات رئاسة ولا دستور تحت حكم العسكر" ، "كل استفتاء وانتوا طيبين احنا زهقنا من كتر الاستقرار بصراحة" ، " اخطأنا جميعًا بمشاركتنا في استفتاء إجهاض الثورة أخطأنا بعدم رفض الفكرة من الأساس سواء قلنا لا أو نعم " ... كانت هذه عينة من تعليقات عكست قدرًا من الإحباط والندم سواء كانت التصويت بنعم أو لا . على الرغم من كون استفتاء 19 مارس 2011 كان بمثابة أول تجربة ديمقراطية بعد إسقاط النظام على إثر اندلاع ثورة 25 يناير إلا أن تلك التجربة لم تخل من السلبيات التى اعتبرها الكثيرون سبب حالة التخبط وعدم الاستقرار السياسي واشتعال الجدل حول معركة الدستور، مؤكدين أنه كان أول مسمار يدق فى نعش الثورة وأول أداة تم استخدامها لتفريق القوى الوطنية، حيث أتى الاستفتاء فى ظل مشهد عبثي عاشته مصر تحول فيه النقاش حول التعديلات الدستورية من مجرد نقاش دستوري قانوني إلى نقاش طائفي تمثل في الدعاية الموجهة من جانب مختلف التيارات الدينية في الشارع، فبرز حشد موجه من التيارات الدينية الإسلامية للموافقة علي التعديلات رافقها اصدار فتاوي دينيه لدفع الناخبين نحو التصويت ب "نعم"، ملوحين بخطر التحول إلي دولة "مدنية" وتغيير المادة الثانية من الدستور، بالرغم من عدم وجودها ضمن التعديلات المطروحة أصلا، فضلا عن إعلان المجلس العسكرى وقتها عن اعتزامه الالتزام بالإرادة الشعبية ووضع دستور جديد مهما كانت النتيجة التي سيسفر عنها الاستفتاء سواء كان التصويت ب "نعم" أو ب "لا". كما تم الترويج بأن "نعم" تعنى الاستقرار والأمن وعودة الجيش السريعة إلى الثكنات. الأمر الذي قابله حشد وتوجيه آخر مضاد للتصويت ب "لا" من قبل الأقباط والليبراليين والعلمانيين وبعض الأحزاب السياسية والجمعية الوطنية للتغيير، فضلا عن شباب الثورة الذين كانت أسبابهم جميعا تتعلق بتحفظ ورفض قانوني ودستوري لنص التعديلات والمطالبة بدستور جديد يحقق المطالب التي قامت الثورة لأجلها ويحمي مكتسباتها، إلا أن الأمر تحول وقتها وكأنه مواجهة طائفيه بين طرفين ساهم في إشعالها بعض رجال الدين والتيارات الدينيه الذين استغلوا الأمية والجهل وضعف الوعي والثقافة السياسية لدي كتلة صامتة كبيرة من بسطاء الشعب المصري، فتفرق مصير الاستفتاء ما بين "غزوة الصناديق " التى روج لها أحد شيوخ السلفية ودليل البحث عن "العِمة " الذى روج له أحد القساوسة. وبعيدا عن الدعاية والدعاية المضادة وحالة الاستقطاب السياسي والطائفى الذى صاحبت هذا الاستفتاء كان هناك من صوت "بنعم" لأسباب لا تتعلق بأي مرجعية دينية، كما أن هناك من صوت ب "لا " عن اقتناع فكري بحت إلا أنه بعد مرور عام تجدد الجدل مرة آخرى بين الفريقين على مواقع التواصل الاجتماعى مستعرضين الأحداث التى ترتبت على هذا الاستفتاء وتأثيراتها على المشهد السياسي فبرز من أبدى ندمه على التصويت بنعم وكان هناك من ندم على المشاركة من الأساس وهناك من وجه اللوم لكل من صوت بنعم، كما كان هناك فريق آخر يدافع عن اختياراته ويرى أن ما يحدث هو تخبط طبيعى نتيجة لحداثة العهد بالتعددية السياسية الحقيقية حتى وإن كانت التيارات الدينية هى المسيطرة مطالبا الجميع باحترام إرادة الشعب الذى صوت لتلك الأغلبية، ومؤكدا على أن الجميع منذ الثورة فى مرحلة من مراحل الفرز السياسي، ويجب أن ننتظر نتائج هذا الفرز مراهنا على وعى الشعب المصرى. وبطبيعة الحال تصدر المشهد الإعلان الدستورى الذى أصدره المجلس العسكرى عقب الاستفتاء وحظى بأكبر نسبة من الجدل نظرا لكونه تضمن موادا لم يتم الاستفتاء عليها اعتبرها الكثيرون التفافا على شرعية الاستفتاء من أجل إضفاء الشرعية على وضع المجلس العسكرى خلال المرحلة الانتقالية خاصة وأن الاستفتاء لم يكن يشمل صلاحيات الرئيس، بالإضافة إلى الجدل المثار حاليا حول المادة 28 والتى يعتبرها الكثيرون خطرا كبيرا على الانتخابات الرئاسية مطالبين بتعديلها أو إلغائها . ومع تزايد الجدل حول إعداد الدستور وما أغفلته التعديلات من وضع معايير محددة أكثر دقة وتفصيلا للجمعية التأسيسية التى ستتولى مسئولية إعداد الدستور وسعى التيارات الدينية التى تمثل الأغلبية فى البرلمان للاستئثار بنصف أعضاء تلك الجمعية، مما يقلل فرص تمثيل أكبر قدر ممكن من مختلف فئات وشرائح المجتمع المصرى أبدى الكثيرون من تخوفهم حول الآلية التى سيتم بها اختيار وتشكيل أعضاء تلك اللجنة والكيفية التى ستعمل بها، مطالبين بإبعاد الأغلبية عن عملية صياغة الدستور حتى لا يتم التكريس لمبدأ يقوم على فرض الأغلبية المتغيرة لإرادتها و انفرادها بوضع الأسس التى ستبنى عليها مؤسسات الدولة . طالب الكثيرون بفتح حوار مجتمعى موسع حول بنود الدستور، وأن يتم الاستفتاء على كل بند على حدة وليس دفعه واحدة، كما حدث فى استفتاء مارس الماضى الذى أبدى الكثيرون اعتراضهم وتحفظاتهم على بعض أو أحد البنود التى وردت فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية، إلا أن عملية الاستفتاء منعتهم من الاعتراض أو نقد تلك المواد، حيث كان الاستفتاء يقوم على رفض أو قبول التعديلات كدفعة واحدة .