مثل الكاتب الراحل ثروت عكاشة نموذجاً مختلفاً لضابط الجيش، فعكاشة الذي يعده الكثيرون المؤسس الحقيقي لوزارة الثقافة وإن لم ينكروا دور فتحي رضوان في تأسيسها، ينتمي إلي جيل كان مستواه الثقافة مرتفعاً فهو يأتي من عائلة أرستقراطية وفرت له مناخاً تعليمياً عالياً بمعايير ذلك الوقت، فلم تكن مطالعة الكتب الأجنبية بالأمر اليسير حينها، مع ارتفاع أثمان تلك الكتب، فوفرت له بيئته الأستقراطية مناخاً جيداً لتعلم الموسيقي وامتلاك ثقافة والإطلاع علي مختلف أشكال الفنون، فكان المثقف الأسوع إطلاعاً بين ضباط يوليو. وفي عهده تأسست وزارة الثقافة كمؤسسة حقيقة فأنشأ المجلس الأعلي للثقافة (المجلس الأعلي لرعاية الفنون والآداب وقتها) والهيئة العامة للكتاب وأكاديمية الفنون، فكان أحد البناة العظام لتلك الوزارة بحسب تعبير الكاتب الصحفي حلمي النمنم والوزير المؤسس كما يري عماد أبو غازي وزير الثقافة السابق، وعلي غرار تلك المؤسسات أسست الدول العربية مؤسساتها الثقافية. ويري النمنم أن المفارقة تكمن في أن عكاشة استطاع اتمام ذلك البناء المؤسسي في فترة قصيرة حيث تولي وزارة الثقافة في فترتين من عام 1958 إلي 1962 ومن 1966 إلي 1970. رغم الإعتراف بفضله في إقامة البناء المؤسسي للوزارة إلا أن البعض يري أن إنجاز عكاشة لا يمكن قراءته بمعزل عن دولة يوليو السلطوية بالمعني الذي تحولت فيه الوزارة إلي أداة لإستقطاب المثقفين والسيطرة علي الثقافة والإعلام وإحتكار نشر المعرفة والأخبار لإعادة تشكيل عقلية السكان كما يري المؤرخ المصري شريف يونس الذي أصدر منذ أسابيع كتابه "نداء الشعب: تاريخ نقدي للأيديولوجيا الناصرية"، فكانت وزارة الثقافة في عهده أداة في يد السلطة لإدماج المثقفين في بنية السلطة. لكن علي الجانب الآخر هناك من يري أن رغم صحة هذه المقولة إلا أنها لا تعد اتهاماً لعكاشة، لأن الرجل كان مخلصاً لثورة يوليو ونظامها الذي آمن به، بحسب الناقد شعبان يوسف، وهو نفس النظام الذي جعل من الثقافة المنتج الأهم، واستطاع أن ينتج ثقافة متميزة، وفي سياق هذا الإيمان بالثورة استقطب عكاشة العديد من الكتاب والمثقفين. لم تكن المسألة هي وزارة الثقافة، فنظام يوليو كله كان نظام سلطوي يهدف إلي السيطرة علي المجتمع ومصادرة الحريات السياسية والمجتمع المدني والنقابات العمالية، ومن ثم فمن الخطأ تحميل وزارة الثقافة أوزار نظام يوليو الذي بني كاملاً علي هذا الشكل كما يري عماد أبو غازي وزير الثقافة. "ما يجب أن يكون واضحاً في هذه الناحية هو أن وزارة الثقافة هي جزء من نظام سلطوي متكامل لا تختزل أدواته السلطوية في وزارة الثقافة ولا تتحمل أخطاءه وحدها، فعلي العكس كانت هي المؤسسة الأقل تسلطاً في هذا النظام، فقد استطاع عكاشة خلق مساحة من التعددية والتنوع داخلها لم تكن توجد داخل أي مؤسسة أخري" يضيف أبو غازي. ويقول النمنم إن عكاشة يحسب له أنه استطاع أن يقدم في داخل هذا الإطار التسلطي، والنظام ذي الشعارت التعبوية الموجهه هذا القدر من الثقافة التي جعلت منه الوزير الأبرز في عهد عبد الناصر والذي يذكر اسمه حتي الآن بحسب الكاتب حلمي النمنم. ويري أبو غازي أن دور عكاشة الأبرز والأكثر استمرارية هو دوره كوزير وإنما كمثقف يكتب ويترجم منذ الأربعينيات، واستمر في عمله ككاتب ومترجم حتي الأيام الأخيرة مرضه.