بعد طوفان لم يهدأ بعد من الثورات العربية, يبدو جليا أن الولاياتالمتحدة تحاول الآن إعادة صياغة علاقاتها الإستراتيجية علي أسس مختلفة في منطقة الشرق الأوسط, تبقي مصر من بين أهم وأكبر الدول التي تحاول واشنطن أن ترسم الآن ملامح جديدة لشكل العلاقات المقبلة معها, وسط حقيقة وجود تغيرات جذرية في المزاج العام لدي المصريين, هناك ترقب حذر مشوبا بالقلق من جانب الولاياتالمتحدة. في مقابلة أجراها بيرنارد جوارتزمان المستشار الصحفي لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي, مع المحلل السياسي, ستيفن كوك, الزميل البارز بمركز حسيب صباغ لدراسات الشرق الأوسط, التابع لمجلس العلاقات الخارجية, نشرت تفاصيلها علي الموقع الإلكتروني للمجلس, نستعرض أبرز ملامح تصور منتظر للعلاقات المصرية- الأمريكية من وجهة نظر كوك. عبر كوك خلال تلك المقابلة, عن أن تدهور العلاقة بين الولاياتالمتحدة ومصر ,كان أمرا لا مفر منه بعد الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بمبارك من السلطة قبل عام في 11 فبراير, حتى جاء قرار الحكومة المصرية بتوجيه اتهامات جنائية ضد مواطنين أمريكيين يعملون من أجل تعزيز الديمقراطية من خلال المنظمات غير الحكومية, ليهدد بتقويض علاقة راسخة بدأت منذ عقود بين الولاياتالمتحدة ومصر. ويري زميل مجلس العلاقات ستيفن كوك, أن مصر ما بعد مبارك تريد شكل مختلف من العلاقات مع الولاياتالمتحدة، خالي من المساعدات، ومن الإملاءات, ولكنه أيضا يطرح تساؤلات هامة حول نوايا المؤسسة العسكرية المصرية ومدي التزامها الديمقراطي, ويري أن السبيل الوحيد لتحسين العلاقات مع مصر هو بقطع المساعدات الأمريكية. عندما سأله محاوره عن تفاصيل ما أسماه "الفوضى الجارية" في مصر، وإلي أي مدي قد تخلق تمزقا محتملا في العلاقات مع الولاياتالمتحدة, أجاب كوك:"الوضع في مصر غير مستقر ولا شيء به مؤكد, وهناك اعتقاد واسع النطاق بأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة, المسيطر على علي الأمور لديه نوايا أخري( بعيدا عن قضية المنظمات الأمريكية), كان تدهور العلاقة بين الولاياتالمتحدة ومصر أمرا لا مفر منه في مصر ما بعد مبارك, هذه الأزمة الخاصة بالمنظمات غير الحكومية، والذي تمت خلالها إدانة 19 أمريكيا من المفترض أن تتم محاكمتهم لارتكابهم جرائم مختلفة، تشير إلى أن ضباط الجيش المصري، والسياسيين، وغيرهم لديهم مصلحة سياسية داخلية في خلق هذه المعركة مع الولاياتالمتحدة, حتى مع جميع المساعدات التي نقدمها لمصر، والتي من حيث القيمة الحقيقية لم تعد ترقى إلى أن نطلق عليها أنها مبالغ هائلة". ويتابع كوك:"كان لتلك المساعدات قيمة كبيرة في منتصف الثمانينيات، عندما كنا نعطي نحو 2.2 مليار دولار سنويا، ولم يكن الاقتصاد المصري قد نما بالشكل الذي نما إليه الآن, حاليا، هناك مصلحة سياسية قوية من جانب المجلس العسكري والقضاة، و"المغامرين"السياسيين من أمثال وزيرة التعاون الدولي، فايزة أبو النجا، التي تلعب هذا الدور منذ زمن طويل, إنها المتحدثة باسم الحملة على الأمريكيين، وقد لعبت ببطاقة القومية المناهضة للولايات المتحدة لبعض الوقت, تلك البطاقة لها صدى واسع لدي عدد لا بأس به من المصريين الذين يعارضون المساعدات الأمريكية لمصر". وعندما سأله محاوره, عما إذا كانت المساعدات الأمريكية كانت كفيلة بجعل مصر دولة صديقة للولايات المتحدة, أجاب كوك, بأن معاهدة السلام ينظر إليها بشكل مختلف تماما في مصر عما عليه الحال في الولاياتالمتحدة. في الولاياتالمتحدة، لدينا تلك الصورة الأيقونية الشهيرة لمصافحة الرئيس جيمي كارتر والرئيس أنور السادات ورئيس الوزراء مناحيم بيجن بعد التوقيع على المعاهدة في حديقة البيت الأبيض, لكن مع مرور الوقت، لم يعد ينظر إلى المعاهدة في ظل ضوء إيجابي في مصر وإن ظل ينظر إليها بنفس الشكل في الولاياتالمتحدة والغرب بشكل عام. ويضيف: لم يتمتع المصريون بالرخاء الذي وُعدوا به نتيجة لهذه المعاهدة, الإسرائيليون لم يحافظوا على كلمتهم بشأن التفاوض بجدية مع الفلسطينيين، والتي كانت جزءا من اتفاقات كامب ديفيد في عام 1978. يرى المصريون المعاهدة باعتبارها سلاما، منفصلا ومخزيا، تلك المعاهدة التي قاطعتها الدول العربية الأخرى حتى وافق الأردن أخيرا على معاهدة سلام في عام 1994, ويرى المصريون المعاهدة باعتبارها أساسا إعفاء للإسرائيليين من الحاجة إلى القلق بشأن الحدود الجنوبية، بحيث يتمكنون من تحقيق مصالحهم في المنطقة دون عائق, هذه هي وجهة النظر المصرية، وهذا هو الوضع الذي جعل المصريين يشعرون بالضعف". وجه محاور كوك تساؤل آخر, حول ما إذا كان يعتقد أنه بعد فوز الإسلاميين, ستقوم مصر بإلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل, وأجابه كوك بأنه لا يعتقد أن "عدم رضا المصريين بمعاهدة السلام أو عدم رضاهم عن العلاقة المصرية الأمريكية عنصر أساسي في السياسة الشرعية الإسلامية, وليست عنصرا أساسيا في البراعة السياسية التي نراها من قبل جماعة الإخوان المسلمين أو حتى حزب النور السلفي, هذه هي المشاعر التي يشعر بها جميع المصريين، سببها الأوضاع التي عاشوها على مدى السنوات الثلاثين الماضية, من غير الواضح ما يمكن أن يحدث فيما يتعلق بمعاهدة سلام, كان هناك استطلاع للرأي في الصيف الماضي, أظهر أن أكثر من 50 بالمائة من المصريين يريدون إعادة التفاوض بشأن جوانب معينة من المعاهدة. ثم كان هناك عدد يريد إلغاء المعاهدة بصراحة, لذلك على أقل تقدير، المصريون يسعون لتغيير علاقتهم مع إسرائيل, وكان لا بد لهذا أن يحدث، مما يجعله مصدر قلق كبير للولايات المتحدة". ويضيف كوك:"كان السلام بين مصر وإسرائيل يشكل حجر الزاوية في النهج الأميركي والسياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط منذ سبعينيات القرن الماضي, وأي تغير في هذا الأساس سيكون انتكاسة هائلة. ولكن يمكنني القول، أنني لا أعتقد أن المصريين، نظرا لعدم اليقين السياسي الحالي وعدم الاستقرار، هم في الواقع في وضع يسمح لهم باتخاذ موقف من الإسرائيليين بأي شكل من الأشكال علي نحو فعال. وهذا لا يعني أننا يجب أن نلغي فكرة أنه يمكن تغيير هذه المعاهدة، ولكن من الناحية العملية، المصريون ليسوا في وضع لتحدي إسرائيل عسكريا." يري كوك أن المصريين يركزون الآن على وضعهم السياسي الداخلي, بعد ثورة, لا تلبي في الواقع من الناحية الفنية معايير الثورة, وتدرك الجماعات الثورية التي لا تزال في الشوارع في مصر ذلك، وهذا هو السبب في أنهم حولوا أنفسهم إلى حالة ثورة مستمرة، مع الاعتراف بأن المجلس العسكري وأشخاص مثل فايزة أبو النجا وغيرهم هم بقايا عهد مبارك, في حين يطمح "الثوريون" في رؤية المزيد من التغيير, وهذا هو ما يشغل عقولهم تماما. تساءل أيضا محاور كوك, عن هذا التناقض بين اعتناق الثورة المصرية للديمقراطية, ورفضهم للمنظمات غير الحكومية التي تعمل علي تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان, ويشرح كوك هذا التناقض, من وجهة نظره, بأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يدعي أنه يمهد الطريق لمصر أكثر ديمقراطية وأن السياسة ليست جزءا من طموحاتهم, لذلك كنت أعتقد أنهم سيرحبون بالمعهد الديمقراطي الوطني (NDI) والمعهد الجمهوري الدولي (IRI)، وكلاهما يعد جزءا من المؤسسة الوطنية للديمقراطية، التي تتلقى التمويل الاتحادي الأمريكي بنفس الطريقة التي يتلقي بها الجيش المصري الجيش التمويل الاتحادي, كنت أعتقد أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة سيعتبر هذه الجماعات, أصولا تساعدهم على تمهيد الطريق لمصر أكثر ديمقراطية. ولكن، استجابتهم للمنظمات غير الحكومية مؤشر واضح في الواقع، علي أن هذا لم يكن هدفهم النهائي. لقد (طبخت) _- يقول كوك- السلطات المصرية عددا من الاتهامات [ضد المنظمات غير الحكومية ومقرها الولاياتالمتحدة] التي لا معنى لها, هذه الحلقة تلخص المشكلات والتناقضات في العلاقة بين الولاياتالمتحدة ومصر ما بعد مبارك وحتى قبل الثورة, هذه هي العلاقة التي كانت في وقت ما تحمل قدرا هائلا من الوعود, بنيت على أسس إستراتيجية صلبة، ومنعت التغلغل السوفيتي في المنطقة، ووسعت دائرة جهود دفع عملية السلام العربية -الإسرائيلية، وساعدت الولاياتالمتحدة عند اندلاع نزاع في الخليج العربي, هذه الأسباب للعلاقة لم تعد موجودة في الواقع بالطريقة التي كانت عليها قبل ثلاثين عاما, المفتاح في الواقع إلى وجود علاقة أفضل مع المصريين في المستقبل هو تقليص برنامج المساعدات.