يأتي مطلع عام 2018 متزامنًا مع العام الثاني من عمر برنامج الإصلاح الاقتصادي، وذلك بعد انقضاء شهور العام الأول في نوفمبر الماضي، وهو العام الذي يُعرف اقتصاديًا "بفترة الترقب والانتظار" بمعنى متابعة المستثمرين لمجريات ونتائج عملية الإصلاح وظهور مؤشرات ونتائج يتم التحرك أو عدم التحرك واتخاذ قرارات نهائية على أساسها. وفي ضوء مجمل المؤشرات الاقتصادية من التقارير الدولية والمحلية الصادرة أخيرًا نستطيع القول إن فترة الترقب والانتظار قد انتهت عمليًا، ومن المتوقع أن يبدأ المستثمرين اتخاذ قرارات جريئة واغتنام فرصة تحسن المؤشرات الأولية بشكل واضح وفي أكثر من اتجاه. وعلى الرغم من ما يسوقه البعض حول عدم وجود مردود مباشر على الأسواق لهذه المؤشرات، فإني اعتقد أن هذا المردود سيظهر قريبًا مع زيادة المرتبات والأجور في القطاع الخاص الذي يمثل 70% من قوة العمل والتي تتم في يناير من كل عام وهو ما يعني زيادة القدرة الشرائية للمستهلكين، وبالتالي كسر حدة الركود في الأسواق، وظهور آثار مباشرة للمؤشرات الاقتصادية الايجابية. والحقيقة أن يمكن تحقيق معظم الأهداف الاقتصادية بإنجاز هدف واحد بسيط شكلاً وعميق مضمونًا، وهو ما يمكن أن نطلق عليه "الهدف الاستراتيجي" وهو زيادة معدل الاستثمار المباشر، بما يؤدي الى خلق فرص عمل جديدة وزيادة الإنتاج المحلي من السلع والخدمات.. هذا الهدف الذي هو ربما مقولة تسمعها بمفردات كثيرة مثل زيادة دوران عجلة الإنتاج أو زيادة الناتج المحلي أو غيرها من المصطلحات هو المدخل الفعلي والأسرع لتحقيق كافة الأهداف المأمولة اقتصاديًا. فبتدفق الاستثمارات المباشرة سواء المحلية أو الأجنبية يعني توسع في القاعدة الصناعية والزراعية والخدمية، وبالتالي زيادة المعروض من السلع والمنتجات التي تلبي احتياجات المواطنين، مما يؤدي إلى خفض معدلات استيراد السلع المثيلة، خاصة إذا ما التزم الإنتاج المحلي بمواصفات جودة عالية، كما أن زيادة المعروض يؤدي إلى خفض الأسعار بصفة عامة، ومن ثم تراجع معدلات التضخم وارتفاع سعر العملة المحلية في مقابل الدولار. وبالطبع فإن ارتفاع معدل الاستثمار (المحلي والأجنبي) ثم زيادة معدل الإنتاج بالضرورة يؤدي إلى زيادة فرص العمل والتشغيل أي انخفاض مستويات البطالة بأنواعها وبالتالي رفع مستوى المعيشة للأسرة المصرية، وإضافة قوة شرائية جديدة لسوق الاستهلاك وبالتالي رفع معدلات حركة دوران السلع والمنتجات وزيادة معدلات التشغيل. وزيادة معدلات الإنتاج هي أكبر دعاية لجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية فمهما كانت أساليب الترويج الاستثماري مبتكرة إلا أنها لن تخلق واقعًا ليس موجودًا ولن تبني برجًا من الرمال لكن نجاح منظومة الإنتاج المحلي هو ما يؤدي إلى المزيد من التدفق الاستثماري في كافة القطاعات وفق نظرية الأواني المستطرقة. فإذا كان البرنامج الاقتصادي قد استطاع اجتياز العام الأول بنجاح بفضل الإدارة الجيدة للأدوات النقدية والمالية والسياسات المصرفية وإجراءات الحد من الاستيراد فان هذه أدوات تظل بطبيعتها أدوات مرحلية مؤقتة ولها حدود ووقت لا يمكن تجاوزه إلا بآثار سلبية أكبر بكثير من العوائد التي من الممكن أن تتحقق بالتوسع في استخدامها. وهذا لا يعني بالطبع الاستغناء عن هذه الأدوات فهي مهمة ولكن ستختلف أغراض وغايات استخدامها بحيث تصبح محفزة اكثر منها مقيدة تتجه إلى توفير قواعد وظروف مناسبة لجذب وتوطين الاستثمارات الأجنبية والمحلية، فأي مستثمر يأخذ بعين الاعتبار وبالدراسة الوافية طرق الحكومة في إدارة سياستها النقدية والمصرفية كأحد الأسس التي يبني عليها قراراته الاستثمارية في الأجلين القريب والمتوسط ولذلك فعام 2018 هو عام الانطلاق المتوقع للاستثمار والعمل والإنتاج بعد فترة ترقب وانتظار انتهت فعلياً لنبدأ اليوم عام جديد ومرحلة جديدة.