يبدو أن العالم أجمع أصبح يتحدث حول التغيرات المناخية، بات ذلك جليًا في مؤتمراته ولقاءاته الدولية والإقليمية، التي يحاول من خلالها وضع مقترحات وحلول للتصدي لآثارها السلبية. لذا وجد خبراء البيئة أن المرحلة القادمة سوف تشهد تغييرات جذرية في التعامل مع هذه القضية علي المستوي العالمي، مما ستكون له انعكاسات علي المستوي الوطني، خاصة أن الاجراءت الوطنية التي تتخذها وزارة البيئة لرفع الوعي البيئي، وتحقيق التنمية المستدامة، والحد من الآثار السلبية للتغيرات المناخية، واضحة. ففي نهاية عام 2017، نظم مشروع بناء القدرات لخفض الانبعاثات، التابع لوزارة البيئة، ورشة عمل للإعلام البيئي، لرفع ثقافة الوعي بقضايا التغيرات المناخية بصورة عامة، وتأثيراتها على قطاعات الدولة المختلفة، وأنشطتها بصورة خاصة. وركز البرنامج التدريبي على عدد من المحاور المهمة، وهي التعريف بقضية تغيرات المناخ، والموقف الدولي منها، وعلاقة التغيرات المناخية بالكوارث، وجهود التكيف، وتدابير التكيف مع التغيرات المناخية في قطاعات النقل والزراعة والثروة السمكية والصناعة، والتنوع البيولوجي، وعلاقته بتغيرات المناخ، والآثار الاقتصادية والاجتماعية للتغيرات المناخية. وخلال الورشة، التقت "بوابة الأهرام" عددا كبيرا من الخبراء المهتمين بقضايا التغيرات المناخية وتأثيراتها المختلفة. وأوضح الدكتور سمير طنطاوي، مدير مشروع بناء القدرات لخفض الانبعاث بوزارة البيئة، أن الدورات وورش العمل التي ينفذها المشروع تهدف إلى رفع الوعي لدى المواطنين بقضية التغيرات المناخية، والوقوف على الجانب الاقتصادي الذي تتكبده الدول لتحقيق خفض الانبعاث. وأشار إلي أن هناك مجموعة من الغازات هي التي تسببت في انتشار ظاهرة الاحتباس الحراري، وذلك بعد ارتفاع تركيزاتها بالغلاف الجوي، قائلًا: بعد توقيع مصر على اتفاقية باريس للتغيرات المناخية، أصبحنا ملزمين بخفض الانبعاث قدر المستطاع، وفقًا لقدراتنا وإمكاناتنا الاقتصادية، ومن ثم بدأنا التركيز على المواد ذات التركيز الأعلى.
التغيرات المناخية توجب علينا أنشطة زراعية جديدة.. والإرشاد الإلكتروني هو الحل بينما قال الدكتور أيمن أبو حديد، وزير الزراعة الأسبق، في عرضه إجراءات التكيف مع التغيرات المناخية في قطاع الزراعة، إنه لا سبيل للقضاء على الفقر والمجاعات دون تطوير الزراعة، ولن يتحقق هذا الهدف بدون اكتفاء نسبي من الحاصلات الزراعية. وأشار "أبو حديد" إلي أنه لرفع الإنتاج الزراعي لا بد من التركيز على التعليم الفني أكثر من الجامعي، لأنه يُخرج لنا "فنيون" قادرون على الإنتاج والعمل، لكي نستيطع مواجهة المستقبل، كما أنه لا مفر من المساواة بين الجنسين، ففي المجال الزراعي تعد السيدات العامل الرئيسي، وهن من تقمن بدور أكبر من الرجال في الأعمال الزراعية المتعددة. وأضاف أنه ما زال يتمنى مشاهدة أنشطة تدل على استصلاح زراعي جيد وتنمية زراعية مقبلة، ففي العالم أصبحت نسبة كبيرة من الأراضي الزراعية تتعرض للتدهور، وتصل نسبتها إلى 6% وفي بعض الأحيان إلى 45% كما سيحدث في فلسطين، وجيبوتي، مطمئنًا بأن مصر ليست في موقف سيئ، فهي تحافظ على صورتها بشكل كبير. وعن الجفاف الناجم عن ظاهرة التغيرات المناخية، يوضح "أبو حديد" أن تلك الظاهرة تؤدي إلي الجفاف الذي يؤثر فيما بين 1% وصولًا إلي 28%، كما هى الحال بدولة الكويت، لكن مصر ثابتة على 1.3%، ومن ثم حاليا لا نعاني بشكل كبير، على الرغم من أن نسبة المياه لكل فرد تراجعت. وصرح ل"بوابة الأهرام" بأن القرارات التي تتخذها الدول للتعامل مع ظاهرة التغيرات المناخية تؤثر على القرارات السياسية التي تحكم علاقات الدول ببعضها. واقترح وزير الزراعة الأسبق الاعتماد على الإحصاءات التي تدعم الزراعة وتوضح طبيعة الأرض، قائلًا: إذا لم نستطع أن نصل إلى هذا النظام، ونطور من أنفسنا، وأن نتحول من الإرشاد اليدوي إلي الإلكتروني الذي يعتمد على نقل المعلومات من خلال أجهزة الكمبيوتر، لن نحقق تطورا حقيقيا، فاليوم لم تعد الزراعة هي الزراعة الأسرية فقط. ولتحقيق الأمن الغذائي، تابع : لا بد من أن تتحول المشروعات الزراعية لكيانات اقتصادية، مبنية على مساحات كبيرة، يقوم عليها متخصصون على كفاءة عالية، يحققون أعلى إنتاج، ومن ثم المتبقي من الموارد الطبيعية لا بد من أن نستغله بأفضل صورة ممكنة، للحفاظ على حقوق الأجيال المقبلة. الحقيقة العلمية لغرق الدلتا قال الدكتور محمد سليمان، مدير معهد بحوث الشاطئ بوزارة الموارد المائية والري، في توضيحه للحقيقة العلمية بشأن غرق أجزاء من دلتا النيل، إنه من المتوقع خلال ال100 عام المقبلة ارتفاع درجات الحرارة من درجة واحدة إلي 5 درجات، مما سيتسبب في ارتفاع منسوب المياه مترًا ونصف المتر من منسوب سطح البحر. وأضاف "سليمان" أنه حتى نهاية القرن الحالي درجات الحرارة لن تزيد على درجة أو درجة ونصف الدرجة، وهذا يوصلنا إلي حساب ارتفاع منسوب المياه، الذي من المتوقع ألا يزيد على 50 سنتيمترا مكعبا، أو 75 سنتيمترا مكعبا. وحذر من أن دلتا نهر النيل هى الأقرب عالميًا للغرق، فهي منطقة منخفضة، ولا بد من سرعة التعامل معها وحمايتها من التغيرات المستقبلية. ويكمل سليمان: شرع العلماء لحماية الدلتا والمناطق الساحلية المنخفضة من الغرق فى فتح ما يشبه "الهويس"، لخفض منسوب المياه من البحار إلي الجبال في تلك المناطق، لكي يتم التكيف مع التغيرات المناخية ومواجهة ظاهرة غرق السواحل مستقبلًا. الطاقة والنقل والتغيرات المناخية طالب الدكتور حامد قرقر، خبير النقل والتغيرات المناخية، بإعطاء قطاع النقل الأولوية الكبرى في عملية الحد من الانبعاثات، بسبب زيادة معدلات الانبعاثات الناتجة عنه، وارتفاع معدلات الطاقة المستخدمة فيه، مضيفًا أنه من أكثر المشروعات الناجحة التي نفذتها مصر على مدى 50 عامًا مضت، لأنه ينقل أعدادا كبيرة من الأفراد، ومن ثم يقلل من أعداد المركبات المستخدمة التي تحرق الوقود بصور مختلفة، وتصب في النهاية كمسبب رئيسي في الاحتباس الحراري. وقال "قرقر" إنه من المتوقع بحلول 2021، وبعد الانتهاء من الخطوط الأربعة لمترو الأنفاق، توفير 900 ألف طن بترول مكافئ، وتراجع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بالتبعية بنحو 2.6 مليون طن سنويا. وأشار إلي ارتفاع معدلات استهلاك الطاقة البترولية بقطاع النقل من 3,8 مليون طن لعام 1982، وصولًا إلي 16,6 مليون طن لعام 2013، بمتوسط معدل نمو 5%، وهذا يمثل نسبة 23% من إجمالي استهلاك المنتجات البترولية بكل القطاعات، مطالبًا بضرورة تطوير البنية الأساسية لقطاع النقل، ووضع معايير خاصة بالحدود القصوى لمستوي انبعاث الملوثات، وذلك طبقًا للمعايير العالمية. اليابان تفضح من لا يلتزم بالقانون.. والدول النامية تتغاضى بينما قالت الدكتورة داليا صقر، خبيرة الصناعات والتغيرات المناخية بالجامعة الأمريكية، إن أهم ما يميز دولة اليابان إعلانها أسماء كل من لا يلتزم بالقوانين ولا يحافظ على البيئة، لأن هذا يعد من أكبر الكوارث التي قد يعانون منها مستقبلًا، وهذا ما لا يحدث في دولنا العربية. وأكدت أن مصر، حتى تستطيع أن تنافس عالميا، يجب عليها أن تضع خططًا إستراتيجية تعتمد على العلم والبحث العلمي، مقترحة ضرورة التركيز على الصناعات ذات القدرة التنافسية العالية، للحد من معدلات الانبعاثات، قائلة: لا يعيبنا الاستفادة من تجارب الدول الكبرى، والاستناد إلى مستشاريهم، وموضحة: هناك مثل ياباني يقول "فعل من غير رؤية كابوس.. ورؤية من غير فعل أحلام". تنويع مصادر الطاقة الحل لمواجهة التغيرات المناخية قال الدكتور ماهر عزيز، خبير الطاقة، إن مصر أعدت نفسها للدخول فى سباق الطاقة النووية بنسبة 4% عام 2030، من خلال اختيار 6 مناطق أخرى لإنشاء محطات نووية عليها غير الضبعة، محذرًا من عرقلة هذا الاتجاه للمحطات النووية، وإلا تعرضنا كدولة لأخطار تصل إلى محو الأمة من جذورها، في حالة حدوث أزمات جديدة للطاقة. وأضاف "عزيز" أن على مصر تنويع مصادر الطاقة كاختيار جوهري، من خلال خطة قومية وطنية لإحلال مصادر الطاقة الحالية، والوصول إلى 42% من خليط الطاقة الجديدة والمتجددة بحلول عام 2035، سواء من الطاقة الشمسية أو الرياح. وتتعدد مجالات خفض الانبعاثات والنتيجة واحدة، وهي حماية الأجيال المقبلة من الآثار السلبية لظاهرة التغيرات المناخية، التي من شأنها تغيير خريطة الغذاء والمرض والمشروعات، لذا وجب على الشعوب التعاون والتأمل في سبل التعامل معها.