المتابع لسيناريوهات ثورات الربيع العربي سيجد أنهه بشكل أو بآخر تتشابه، وأن الأنظمة الفاسدة لديها نفس المنطق وهو السيطرة على الإعلام الرسمى لبث أكاذيبه لشعوبها وتضليلها ولى عنق الحقيقة، وهذا ما يحدث فى سوريا الآن. فى حوار بوابة الأهرام مع الإعلامى فرحان مطر والذى أعلن استقالته من العمل بالتليفزيون السورى الرسمى حيث كان من كبيرى المعدين، وأيضا انسحابه من عضوية اتحاد الكتاب العرب وذلك احتجاجا على سيطرة النظام السورى على التليفزيون السورى والقنوات الخاصة وجعلها آلة كذب وفبركة وتضليل .. فى حوارنا معه كإعلامى ومواطن سورى كشف لنا كيف أن المخابرات السورية جواسيس على بعضهم وكيف أنها المسيطرة والمهيمنة على الإعلام الرسمى والخاص وإشكاليات أخرى تم طرحها فى هذا الحوار وإليكم الحوار. بداية لماذا تأخر الشعب السورى فى ثورته على نظام بشار الأسد فى حين أن الشعب السورى كان يعانى منذ عهد أبيه حافظ الأسد؟ قبل أن تبدأ الثورة في سوريا كانت لا تزال الثورة المصرية في أوجها وبعد أن نجحت الثورة التونسية من قبلها، كنا نعتقد بأن الثورة السورية قادمة وخصوصا مع حالة الاحتقان التى كانت مسيطرة لدى أغلب الفئات وكان السؤال الملح على أذهاننا تلك الفترة، هو هل يمكن للنظام السورى أن يتلافى إمكانية حدوث ثورة بسوريا كما حدث بتونس ومصر؟ كان الجواب نعم كان يمكن أن يؤخر بشار حدوث اندلاع للثورة وتم استنادنا لهذا على أن الرئيس السورى فى تلك الفترة كان ضمن شريحة واسعة من الشعب السورى، يتمتع بشىء من القبول، فلو أن هذا الرئيس فى تلك الفترة استغل الظرف وقام بعدد من الإصلاحات وتلبية مطالب الشعب لكان وفر على سوريا كل هذه الدماء وماذا كانت مطالب الشعب السورى قبيل الثورة ؟ إلغاء حالة الطوارئ فى سوريا و إلغاء المادة الثامنة من الدستور والتى كانت تنص على أن حزب البعث هو الحزب الحاكم، إطلاق حرية الصحافة والإعلام، إطلاق حرية الأحزاب، إطلاق سراح ما يقارب من عشرة آلاف معتقل سياسى والعديد منهم داخل المعتقلات منذ عهد أبيه حافظ الأسد وأيضا كان من المطالب الشعبية رفع مستوى المعيشة للفرد السورى والذى لا يتعدى 100 دولار شهريا وكان هذا قبل الثورة وبعد الثورة زاد إلى حوالى 150 دولارا هل كانت هناك أصوات تطالب الرئيس السورى بأهمية أن يستجيب لمطالب الشعب قبل أن تتفاقم الأحداث ؟ نعم كانت هناك توجيهات للرئيس السورى بأن يحقق المطالب الشعبية وأن يستفيد مما حدث مع الثورتين التونسية والمصرية ولكنه رفض وقد صرح لجريدة أمريكية قائلا: إنه نحن فى سوريا نختلف تماما عن تونس ومصر والثورة قامت فى تونس ومصر لأن أنظمتها كانت عميلة لإسرائيل أما نحن فإننا دولة مقاومة. ومنذ متى يتم تطبيق قانون الطوارئ فى سوريا؟ منذ عام 1963 وهو منذ أن سيطر حزب البعث على الحكم بصفتك كنت مسئولا إعلاميا داخل التليفزيون السورى صف لنا كيف الوضع عقب قيام الثورة السورية؟ كنت أعمل فى التليفزيون السورى وكنت من كبار المعدين وقد واجهتنى مشكلة أخلاقية محورها أننى كنت فى مأذق فهل ألتزم بأداء واجبى مع النظام أم ألتزم بأدائى الأخلاقى مع أهلى وشعبى وثورتى الذى يطالب مطلب حق وهو حصوله على حريته؟ بصفتك كنت داخل مطبخ التليفزيون السورى هل كان أيضا الإعلام السورى مسيسا من قبل النظام وأنه كان يبث فقط ما يملى عليه ولا يقوم بعرض الخقيقة للشعب ؟ بكل تأكيد الإعلام الرسمى السورى حتى الإعلام الخاص مسيطر عليه من قبل النظام وكان ينطق بلسان الحكومية وقررت ألا اكون شريكا فى وسائل الإعلام التى تضلل الناس ،فكنت أمارس نشاطى على الأرض بشكل سرى ضمن مجموعات من المتظاهرين المثقفين والكتاب السوريين فكنا ندعوا لمظاهرات وتجمعات واعتصامات ونحرض على الخروج للشارع وذلك عن طريق الاتصال المباشر والفيسبوك وماذا عن زملائك بالتليفزيون السورى هل كانوا مثلك مع الثورة ؟ فى دائرة عملى كان زملائى تائهون يتم تضليلهم عن الحقيقة فكانوا فى حالة من التخبط فكنت أتحدث معهم كنت اعتقد أنهم لازالوا مخدوعون كنت ولكن كنت أفاجأ بإصرار شديد على التعاون من النظام السورى والمخابرات السورية والشبيحة وقتل وقمع من يرفع صوته الإصرار كان من صغار الموظفين أم من قيادات التليفزيون السورى ؟ كان هناك رضوخا من صغار الموظفين والمديرين لقياد اتهم الذين بالتبعية كانوا يرضخون لما كان يملى عليهم من النظام السورى ،فالإعلام السورى محكوما بسلطة المخابرات وهناك اتصالات يومية وتوجيهات مستمرة للإعلام السورى وهناك غرفة عمليات هى التى تدير المطبخ الإعلامى السورى بالكامل فهى التى توجه التليفزيون بقنواته الثلاث ووكالة (سانا) وأيضا الصحف كل من يخالف يوضع تحت المراقبة ثم يدفع به للسجن ، وقد توالت عمليات الإعتقال لأصدقائى ممن كانوا مع الثورة وقد كان إسمى واردا فى القائمة السوداء ، ولكنك ذكرت أنكم كنتم تعملون بشكل سرى مع الثورة ؟ ولكن الحالة المخابراتية فى سوريا هى المسيطرة فلك أن تتخيلى أننا نعمل جواسيس على بعضنا البعض فالمكتب لوكان به أربعة موظفين فإن ثلاثة منا يعملون مع جهاز المخابرات فمهما عملنا بسرية سيرقبونك من خلال مكالمة أو حوار معهم أو لأقل الملاخظات، ولا أحد يعرف من هو الجاسوس ومن لا وهذه الحالة هى التى جعلتنى أفكر فى الخروج من سوريا يوم 11 يونيو بشكل طبيعى وجئت للقاهرة وبعد أسبوع واحد أعلنت بيانا على وسائل الإعلام منها قناة الجزيرة أيضا على الإنترنت قلت فيه إننى أعلن استقالتى من التليفزيون السورى احتجاجا على التضليل والكذب والفبركة الذى يمارسه الإعلام السورى أيضا أعلنت انسحابى من عضوية اتحاد الكتاب العرب احتجاجا على موقفه غير المشرف والذى ساند النظام، واعتبر أن ما يحدث فى سوريا هو مؤامرة وسكت على ما يجرى فى سوريا من قتل وقمع للمسالمين الذين لم يقترفوا ذنبا سوى أنهم يبحثون عن الحرية هل هناك إعلاميون آخرون انشقوا عن الإعلام السورى ؟ نعم هناك العديد ممن انشقوا عن الإعلام السورى وقدموا أيضا استقالاتهم وذهبوا إلى دول عدة مثل زميلى الكاتب الصحفى(إياد عيسى ) بجريدة تشرين انشق أيضا وأصدر بيانا، ويعتبر أنا أول من انشق عن التليفزيون السورى لماذا اخترت مصر ؟ اخترت مصر لأن شعبها هو الأقرب روحيا ونفسيا للشعب والدليل على ذلك أننى عندما وصلت إلى مصر لم أشعر بغربة وكأنى مازلت فى سوريا ولكن انتقلت من حارة إلى حارة أخرى الشىء الثانى هو أننى عندما خرجت من سوريا كان هدفى الأوحد هو أننى ندرت نفسى لأن أفضح ما يفعله النظام السورى من جرائم بشعة ضد شعبه وقد أصبح كذبه منتشرا فى الإعلام، وكنت شاهدا من خلال موقعى بالتليفزيون على صناعة هذا الكذب، ولأن القاهرة هى مركز ثقل إعلامى عالمى وبها كم كبير من وسائل الإعلام العربية والعالمية فهى المكان المناسب والحيوى لوجودى ولكن ألم تكن قلقا من أحداث الثورة المصرية والتى مازالت متوالية؟ كنت أثق أننى أدخل مصر فى أجواء ثورة يناير والتى مازالت تسعى لتحقيق أهدافها بشكل سلمى وحضارى وعلى العكس تماما لم ينتابنى أى شعور بالخوف منذ وصولى القاهرة فجميع من أقابلهم من مصريين يتعاملون معى كمواطن سورى شقيق بشكل مهذب حضارى وماهو رأيك فى خطابات الرئيس بشار الأسد والتى يخرج بها من وقت لآخر على الشعب السورى أهى جزء من التضليل الإعلامى للشعب السورى أيضا ؟ جيدا أنها تثبت بما لايدع مجالا للشك أنه يعيش حالة انفصال حقيقية عن الواقع فهو لا يعلم على وجه الدقة خطورة ما يحدث على فهناك عناوين كبرى فى سوريا لم يتطرق إليها بشار الأسد فى خطاباته لا من قريب أو بعيد، فأنا أستغرب كيف أن تكون لديه القدرة على أن يضحك فى الوقت الذى يسقط فيه آلاف الشهود فهل هذا إذا إنسان يستطيع تحمل مسئولية شعب ؟! والأعجب أنه دائما ما يتطرق لنظرية المؤامرة وأن هناك من يتآمر على سوريا هذا كلام يرفضه كل صغير وكبير فالثورة السورية صانعها هو الشعب السورى، الغريب ايضا أنه لا يتطرق أبدا إلى الجامعة العربية من حيث المراقبين ، لم يتحدث الاعتداءات التى مارسها الشبيحة وهم كلاب النظام المسعورة، لم يتحدث عن الشهداء الذين تعددت أعدادهم الستة آلاف شهيد حتى هذه اللحظة، أو عن المعتقلين بالسجون، لم يلبى طلبا واحدا للشعب السورى، وعموما فى خطاباته يحاول بشار أن يكون طبيعيا ولكن إذا تمعنا نفسيا فى حركات يديه ووجهه نعرف أنه مهزوم خائف.