كنت قد قررت التزام الصمت وعدم التعليق أو البوح حتى استفزني مشهد تجمعهم حولها كالنمل حول قطعة الحلوى، في نفس المكان الذي اعتادت وجودها فيه. فأنا ألقاها مرتين على الأقل أسبوعيًا في أحد "كافيهات" الزمالك الذي أرتاده أنا وصديقاتي، منذ أكثر من عامين. ومنذ عرَّفتني بها صديقتي التي تسكن في العمارة المقابلة لشقتها بأنها آمال فريد.. التي أعشق رقتها، وكنت أهيم إعجابًا بفساتينها الجميلة.. ورومانسية طلتها.. نعم آمال فريد.. فعلًا.. هي.. كنت أسلم عليها وأبحث في كلماتها البسيطة في لقاء عابر أو خلال جلسات دردشة تطول أحيانًا عن ملامح الزمن الجميل وطلة الماضي الغائبة.. لكنني من خلال التعامل والتواصل الإنساني أدركت ما فعلت سنوات العمر ومقدرات الزمن بالنجمة الجميلة.. فهي تبدو حسنة المظهر.. ميسورة الحال.. لكنها تقضي معظم أوقاتها في "الكافيه" أو في "كافيهات" أخرى أو في قضاء مشاوير تخصها على مدى اليوم ولا تعود لشقتها إلا لكي تخلد للنوم.. تجنبًا للوحدة.. وعلمت أن لها أخًا يسكن في مصر الجديدة يسأل عنها من آن لآخر.. لكن لظروف الحياة ووتيرتها أحكام لا تسمح ربما بأكثر من ذلك.. وأدركت ما هو أهم.. وهو أنها تعاني النسيان.. "الزهايمر".. ومن بعض الأعراض النفسية الأخرى ربما بحكم السن.. تركز بعض الوقت.. ولكنها تعود لتكرار نفس الكلمات أو الإجابات مرة أخرى خلال دقائق.. تقول بعض الآراء وتعبر عن عكسها في نفس الجلسة. لكنها دائمًا ما تستقبلنا بابتسامة مرحبة وتعرض دائمًا الجلوس على منضدتها ربما بسبب حاجتها لمجرد الحديث، فتعرض الصحبة على بعض الوجوه المألوفة أو التي ربما تطمئن إليها. وبرغم كل الإغراءات المهنية التي من الطبيعي أن تطرأ على ذهني كصحفية أمام المشهد الحالي لإحدى نجمات الرومانسية بعد سنوات طويلة توارت خلالها عنها الشهرة.. وما يمكن أن تثيره صورتها ويحققه الحوار معها مما يطلق عليه "خبطة صحفية" وانفراد.. لكنني دائمًا ما كنت أغلب الجانب الإنساني والضمير الذي كان يرفض بشدة استغلال إنسانة ضعيفة ومريضة.. أرادت دائمًا أن تحتفظ بصورتها الجميلة لدى الجمهور.. ورفضت - كما قالت لي- الكثير من دعوات الظهور الإعلامية أو الفنية. وظلت علاقتي وصديقاتي بها هي السلام والتحية وبعض الأحاديث القليلة من آن لآخر.. والتي تحمل دائمًا علامات الود والترحاب بحكم تكرار اللقاءات. حتى شاهدت منذ أيام ما أثار ضيقي وغضبي الشديد من تداول الفيس بوك وتبعه عدد من المواقع الإخبارية صورة للسيدة آمال فريد.. من الواضح جدًا أنها التقطت دون إذن منها وتعليق غير صحيح عن كونها مشردة وفقيرة ولا تجد من يعولها.. وأشياء أخرى تنال من هذا الإنسان الضعيف المريض.. مما جعلني أذهب إليها وأسألها إذا كانت قد عرفت بما ينشر عنها فأجابت بالنفي.. فقلت لها هل تحبين أن أرد على ما نشر وأذكر حقيقة وضعك.. فقالت لي لا.. ما يهمكيش منهم.. وقالت لي بعض المعلومات التي تؤكد عكس ما نشر، لكنها طلبت مني عدم البوح بها.. واحترمت ذلك وقلت لها لو حبيتي تغيري رأيك ونعمل حوار صغير نقول فيه كلامك قوليلي.. وكنت عارفه إنها مش هتفتكر حوارنا ده تاني يوم.. لكني سألتها مرة أخرى بعدها بيومين.. وقالت لي "اكتبي إنتي إللي شايفاه وتعرفيه وحطي صورتي زمان بلاش تصوريني دلوقتي".. واحترمت ده كمان.. وكان يمكنني ببساطة أن أقنعها بوسائل مختلفة وأصورها وأسجل لها وهي في لحظة موافقة.. لكن الواقع أن هذه الموافقة ليست حقيقية.. لأنها في حالة ضعف ومرض.. تكرر ذلك بصورة مشابهه مع أيقونة فنية أخرى طالما أمتعتنا بأغانيها وأفلامها وحلقت معها أحلام طفولتنا وصبانا وشبابنا.. هي المحبوبة شادية.. والتي صدمت مشاعري صورها المخطوفة والمسربة في لحظات ضعفها ومرضها دون احترام لأي قيم إنسانية أو مهنية.. حالة من التجاوز والخواء المهني على حساب كل معاني الإنسانية. فهل تستحق النجمات - اللاتي طالما أمتعننا بفنهن وقررن الاعتزال وتجنب الأضواء والمضي في نمط حياة مختلفة - أن نغتال خصوصيتهن.. وألا نراعي حرمة حياتهن أو شيخوختهن وحتى موتهن؟!