"وضحكة الجدع وسط الوجع هيبة".. تلك الحكمة نقلها أحد الأصدقاء من عربية نقل، وكتبها على صفحته على "الفيس بوك". تأملت هذه العبارة طويلا، تجسدت أمامي في صورة طفل بملابس بسيطة محروم من تعليم جيد، أو وجبة دسمة، لعبة متطورة، أو ملابس جديدة، يقف في حارة يلعب الكرة مع أطفال مثله بحذاء ممزق، لكن ابتسامته تشرح القلب وضحكته تبهج الروح وتقهر الحرمان. من حال هذا الطفل، إلى كل إنسان على وجه الأرض لديه نفس الحال وجع ما في مكان ما، مع اختلاف الاختبارات والمحن والآلام، لكن يظل لكل منا معاناته، والقوي يضحك في وجه الدنيا؛ فيهزم لحظات الضعف التي تنتابه من آن لآخر، وينتصر دومًا في النهاية، حتى وإن استمرت المحن وضاقت به الظروف أكثر وأكثر. ابتسامة أم وهي تستقبل صغارها برغم المرض الذي ينهش في جسدها الضعيف، تقاومه بعزيمة ومجهود مضاعف للاستذكار أو التمارين محافظة على هذا الوجه البشوش الذي يمثل لهم الظهر والسند.. وآخر يرقص يوم زفاف أخته الذي أنهكته الديون كي يجهزها ويسعد بها عروسًا تبدأ حياة دون أن ينقصها شيء. وغيرهم كثيرون تحدوا صعاب الحياة اليومية، مشكلات أسرية، مرض، مسئوليات وبطالة، حزن وحرمان لم ينهاروا ولم يستسلموا، ضحكوا وظلوا رافعين رؤوسهم، لم يشعروا يومًا بالذل؛ لأن إيمانهم مغروز في القلوب، يسهرون الليل يتدبرون، وتعلوا وجههم إشراقة كل يوم جديد يحمل القدر بما فيه. على رأس هؤلاء أناس تتعجب لهم العقول، شاهدناهم منذ أيام يتحملون أصعب اختبار ممكن أن يمر به بشر، يحملون فلذات أكبادهم، يودعونهم بنفس راضية سعيدة بشهادتهم.. أولئك لم يقهروا الحزن فقط بإيمانهم، بل هزموا كل إرهابي أو خائن أو شامت بضحكة ممزوجة بالدموع.. حقًا لهم هيبة لم أصادفها من قبل، أتمنى لو أستطيع أن أقبل رأس كل أم وكل أب منهم علني أتعلم درسًا جديدًا في العظمة المصرية التي تنحني لها الرؤوس.