"البابا فرنسيس.. فرصةٌ من ذهب"، مقال قيِّم بصحيفة أنحاء الإلكترونية السعودية من مقالاته البالغة الفكر والوعي، التي يرسلها لي تباعًا ودومًا كاتبها،الصديق العزيز الكاتب الصحفي والإعلامي السعودي القدير عبدالعزيز قاسم مقدم برنامجي "حراك" و"ملفات خليجية" بالقنوات الفضائية السعودية، وكاتب المقال بالعديد من الصحف الخليجية، يدور فلكها في تثمين وإجلال وإكبار موقف البابا فرانسيس بابا الفاتيكان، وموقفه وتوجهه الفكري العقلاني نحو ديننا الإسلامي الحنيف، واستبعاد الأخير لأي شبهة إرهاب أو عنف يحاول شانئو إسلامنا لصقهما به. مقال الإعلامي القدير عبدالعزيز قاسم، أعجبني وأثَّر فيّ حقيقة، لما يعطي فيه بابا الفاتيكان حقه، ويعدَّد فيه مواقفه وأقواله مستشهدًا بها في ذلك، كما أن الكاتب يثمَّن دور البابا في تقريب وجهات النظر التي يتبناها قداسته لتقريب لغة الحوار المشتركة بين الديانتين المسيحية والإسلامية، ويشكره مصداقًا لأخلاق ديننا وتوجيهات نبينا الحبيب القائل: "من لا يشكر الناس لا يشكر الله". والحق يقال إن مواقف البابا فرانسيس المؤيدة للإسلام، والمقربة للغة الحوار، السوي، المعتدل، الخالي من التشنج والتعصب، – ولا أقول المدافعة عن ديننا، إذ ليس للإسلام عورة وسوءة مكشوفة نخجل منها فنداريها، أو مواقف مغلوطة نصححها له - جعلت بعض كتَّابنا يستعرضون جهوده في ذلك، وأذكر مدللا على ذلك، وقبل مقال أخي وصديقي الإعلامي عبدالعزيز قاسم، كان مقال للكاتب وليد محمود عبدالناصر، تحت عنوان "دلالات مواقف البابا فرنسيس تجاه الإسلام" بجريدة الحياة اللندنية بتاريخ الثاني عشر من أغسطس بالعام المنقضي 2016. شهادة البابا فرانسيس السابقة تلك، لم تكن حجره الأول والفريد من نوعه، الذي يلقيه محركًا مياهًا آسنة تجمعت في عقول الكثير من كارهي ومبغضي الإسلام، كديانة ومعتنقين، بل سبقه عدد من أحجاره الكريمة من الشهادات والمواقف الموثقة لقداسته يقف فيها جنبًا إلى جنب مع الإسلام في إزالة وتنظيف غبار ووسخ التطرف والحقد والكره الأوروبي والغربي عامة العالق بثوب الإسلام عقيدة وشريعة ومنهجًا. البابا فرانسيس كان له منهج روحاني، وفكري، وسلوكي، وأخلاقي، كرَّس له فور جلوسه على كرسي البابوية بروما العام 2013، منه أنه ترك حياة الترف، واختار حياة الزهد تاركًا عائلته وأصدقاءه، وبدأ بالدعوة إلى مساعدة الفقراء، فيغافل كثيرًا حراسه ويمضي في ليالي روما يوزع الصدقات بنفسه على الفقراء، بالإضافة لفتحه أبواب الفاتيكان للمشردين في الليالي الباردة. ناهيك عن زهده برفض الإقامة في السكن الفاخر المخصص تقليديًا للباباوات، في القصر الرسولي، وتفضيله الإقامة في غرفتين متواضعتين في نزل “سانتا ماريا”،عطفًا على رفضه استخدام السيارات المصفحة، والتي تؤمن له حياته،وندائه المزلزل بإعادة بناء الكنيسة باتباع تيار إصلاحي جديد لها؛ مما حدا بالكاتب زهير الواسيني أحد كتَّاب جريدة “الفاتيكان”، أن يكتب عنه قائلا: "إن ما يحدث يعتبر منعطفًا شائكًا، لأن بعض كرادلة الفاتيكان وإن كان عددهم محدودًا؛ يبرز مؤشرات خلاف عميق؛ خاصة مع وجود كرادلة من حجم سكولا يتحفظون على بعض قرارات البابا"، مضيفًا: "البابا يريد الانفتاح، لهذا لديه أفكار إيجابية عن القضايا الدولية؛ مثل حثّ الغرب والكاثوليكيين على استقبال المهاجرين والفصل بين الإسلام والإرهاب، وهذا يجعله يتعرض لانتقادات لا تصدر فقط عن بعض الكرادلة، بل من طرف حركات قومية متطرفة في أوروبا مثل الجبهة الوطنية في فرنسا ورابطة الشمال في إيطاليا". من معالم رصدنا لمنهج وسياسة البابا الداعية إلى نشر بذور المحبة والسلام في العالم، وتواصله مع كبار رموز العالم الإسلامي، زياراته التاريخية كبابا للفاتيكان لتركيا التي قام بها، ودخوله مسجد السلطان أحمد التاريخي الأثري، ثم زيارته المؤثرة لأزهرنا الشريف، والتي نظر العالم لها نظرة إعجاب وتقدير، ومعه مصر كلها بقيادتها السياسية والدينية والشعبية، ولقاؤه مع قمة ورمز العالم الإسلامي بمصر والعالم أجمع - شيخ الأزهر– وتصريحاته الإيجابية من الإسلام وقضاياه بالأزهر، حين قال: "أجريت حوارًا مع شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين ونفهم كيف يفكرون وهم يبحثون عن السلام وعن الحوار، وأتابع دور رئيس مجلس حكماء المسلمين في نشر ثقافة السلام والتعايش المشترك وجهوده في مواجهة الفكر المنحرف، والحوار وحده هو سبيلنا للتخلص من التشدد والتفرقة". وحينها دعا إلى الانفتاح والمحبة بقوله: "يجب أن يتسم حوار المسيحيين مع أتباع الديانات الأخرى بروح الانفتاح على الحقيقة و المحبة؛ على الرغم من العقبات والمصاعب خاصة من جانب المتشددين في كلا الجانبين، والمسيحيون والمسلمون إخوة وأخوات ويجب أن يكونوا كذلك"، وحينها أبعد مدحضًا شبهة التصاق الإرهاب والعنف بالإسلام في قوله: "لا يجوز ربط الإسلام بالعنف، فإذا تحدثت عن عنف إسلامي، ينبغي أن أتحدث عن عنف كاثوليكي، ليس كل المسلمين دعاة عنف". غير أنه ما لفت انتباهي أكثر في ختام مقال الصديق الإعلامي الكبير عبدالعزيز قاسم، دعوته للبابا فرانسيس لزيارة الرياض، لتقارب أكثر وأعمق بين الديانتين بحكمائها ورؤوس حربتها - الفاتيكان وبلاد الحرمين الشريفين - فهل ستتحقق دعوته ويفعلها البابا؟ قناعتي الشخصية تؤيد وتؤكد أننا سنسمع ونرى زيارة قريبة مرتقبة للسعودية من الحبر الأعظم بابا الفاتيكان، خاصة في ظل الانفتاح الحكمي والفكري والثقافي والمعرفي والاقتصادي التي باتت تحياه الآن المملكة العربية السعودية، وخرجت به من حدودها الجغرافية، بفكر قائدها الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، خارجيًا وداخليًا، وزيارة خادم الحرمين مؤخرًا لروسيا، مرورًا بالسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، وغيرها من حزمة الإصلاحات والتغييرات الواسعة الأخرى.. وإنا لمنتظرون؟